توقيت القاهرة المحلي 22:11:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«قمة العشرين»... وفاق أم افتراق؟

  مصر اليوم -

«قمة العشرين» وفاق أم افتراق

إميل أمين
بقلم - إميل أمين

لعل التساؤل الذي يشغل عقول كثير من المراقبين للأحداث الدولية في هذه الأوقات هو: أي مصير ينتظر قمة دول العشرين في دورتها الثامنة عشرة بالهند؟

قبل انطلاقها، اعتبر المستشار الألماني أولاف شولتز أنها قمة مهمة رغم غياب رؤساء الصين وروسيا، بينما عبّر الرئيس الأميركي جو بايدن عن خيبة أمله من عدم تمكُّنه من لقاء نظيره الصيني شي جينبينغ.

من هنا يخطر لنا أن نتساءل: هل هذه قمة اتفاق أم افتراق بين أعضائها، لا سيما في هذه الأوقات التي يشهد فيها العالم تغيرات تشبه التحولات الدراماتيكية للصفائح التكتونية في الجيولوجيا، والتي دائماً ما تكون مصحوبة بالزلازل، ولهذه التحولات السياسية والدبلوماسية، بل والاقتصادية نفس الأثر؟

عنونت الهند القمة بشعار خلاق: «أرض واحدة، عائلة واحدة، مستقبل واحد». وقد تحدث مسؤولوها عن رغبتهم في نقل رسالة قوية للمجموعة هي: «السعي لتحقيق نمو عادل ومنصف للجميع».

يبدو الشعار مخملياً، بأكثر مما يحمله ويجمله المشهد العالمي المنقسم والمتشظي، الذي كاد يلتهب نووياً منذ أوقات قريبة، لولا مراجعة حصيفة لمقولة الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت: «الحرب هي المعادلة الأكثر تعقيداً من بين جميع المعادلات».

نشأت «مجموعة العشرين» لمتابعة المشهد الاقتصادي حول العالم، وها هي تجد نفسها عند منعطف يذكّرنا بتوجهات الفيلسوف الألماني الكبير جورج هيغل الخاصة بـ«المسار العقدي للتطور»، حيث تصل سلسلة من التغيرات الصغيرة الكمية لحدود نقطة حرجة فيحدث تحول نوعي.

ليس سراً أن أحوال العالم اقتصادياً، ومنذ الأزمة المالية الأميركية في 2008، قلقة ومضطربة، وربما لهذا مضت «مجموعة البريكس» في طريق بلورة مساقات خاصة بها، تحول دون وقوعها في غيابات الجب الاقتصادي المعولم.

تأتي «قمة العشرين» في توقيت تواجه فيه البنوك المركزية حول العالم معضلات حادة، تسبب فيها «البنك المركزي الأميركي» من جراء رفع أسعار الفائدة، بهدف كبح الطلب، وبالتالي خفض التضخم.

يواجه أعضاء «دول العشرين» ربما مأزقاً تاريخياً غير مسبوق، عبّر عنه الاقتصادي الأميركي لاري سمرز، الذي شغل منصب وزير الخزانة الأميركي الحادي والسبعين من 1999 - 2000، بقوله: «يمكن للمرء أن يتذكر فترات سابقة ذات خطورة مشابهة لما يعيشه الاقتصاد العالمي، لكن لا يمكن أن نتذكر فترات تزامنت فيها العديد من الجوانب المنفصلة، وعدد من التيارات المتقاطعة كما هو عليه الحال الآن».

فوق طاولات القمة ملفات مخيفة، تبدأ من عند التضخم الهائل في معظم أنحاء العالم، الأمر الذي يشمل كثيراً من دول العالم المتقدم، الذي يمضي في مواكبة لسياسة تقشف نقدي كبير قيد التنفيذ، ناهيك من صدمة أو صدمات طاقة ضخمة، خصوصاً في الاقتصاد الأوروبي.

المجتمعون في نيودلهي لا يخفون قلقهم المتزايد بشأن صناعة القرار السياسي الصيني، وبالقدر نفسه الهلع الذي تتسبب فيه مؤشرات الأداء الاقتصادي الصيني عينه، وهم يرون واحدة من أكبر شركات العقارات هناك تكاد تفلس في الداخل بعد أن طلبت فروعها الحماية من الإفلاس في الولايات المتحدة الأميركية.

إضافة لما تقدم، تظل هناك واحدة من القضايا المركبة والمعقدة الموصولة بأزمة الديون العالمية، خصوصاً تلك التي تواجه عدداً من دول العالم النامي، ويمكن لتداعياتها أن تختصم سلباً من أوضاع الاقتصاد العالمي، ما لم تتحرك الدول ذات الاقتصادات فائقة النمو بمقترحات تخفف من وطأة المشهد المتفاقم لطرف المهانين والمعذبين من بؤساء الأرض.

غير أن غياب الصين وروسيا شأن يدفع في طريق القلق من أن تتجاوز الخلافات السياسية الرغبة في التوافقات الاقتصادية، وقد يتفهم المرء عدم مشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لأسباب أمنية أو سياسية، مع أن أزمته مع أوكرانيا تمثل «حجر عثرة» في السياقات الدولية، ولجهة السلم والأمن الدوليين بنوع خاص، غير أن غياب الرئيس الصيني شي جينبينغ، يكاد يكون الصوت المدوي الغائب، إن جاز التعبير.

تبدو المواقف الصينية مؤخراً مغلفة بشيء من الغموض أو عدم الوضوح، ما طرح علامات استفهام عن مصلحة الصين في إخفاق قمة الهند من عدمه.

قبل نحو أسبوع من انعقاد قمة «بهارات»، كما حملت دعوات عشاء كبار قادة وزعماء العالم في حفل الافتتاح، منعت الصين طرح مقترحات مرتبطة بديون الأسواق الناشئة، كما رفضت أي بنود تدين الصراع في أوكرانيا.

أزمة الصين في «قمة العشرين» تبدو ذات أكثر من وجه؛ فهناك خلاف كبير مع الهند حول الحدود، قاد لمواجهات عسكرية حدودية عام 2020، وأوقع خسائر في الأرواح، في حين أن الهند من جانبها، ورغم رغبتها في إنجاح القمة، لا تغفر للصينيين إصدار خريطة جديدة تضم ولاية أرونال شار براديش الواقعة شرقها، بوصفها جزءاً من الأراضي الصينية، ما يعني أن الجمر تحت الرماد من نيودلهي لبكين.

من ناحية ثانية، فإن الصين تبدي انزعاجاً من التقارب الهندي - الأميركي المتعاظم، اقتصادياً أول الأمر، وعسكرياً تالياً، وتكنولوجياً في مرحلة ثالثة، لا سيما أن الشراكات من نيودلهي لواشنطن تتعمق يوماً تلو الآخر، ما يجعل بكين تستشعر قلقاً وجودياً من نشوء وارتقاء تحالفات تمثل عند نقطة زمنية ما «ثقلاً موازياً للنفوذ الصيني في قارة آسيا».

تبدو «قمة العشرين» في الساعات المقبلة أمام استحقاق تساؤل حول رؤية المجموعة، وهل ستنجح في إصدار بيان ختامي يتسم بالتوازن ومعالجة القضايا الشقاقية والابتعاد عن أي لغة تستفز أجهزة استشعار موسكو وبكين، بهدف المضي قدماً بالمجموعة موحدة وفاعلة، أم أن قمة الهند ستكون بداية لشرخ عميق في جدار هذا التكتل العالمي، وفرط عقده بعد طول تماسك.

يمكن الجزم بأن أي خلافات عميقة قد تفكك «مجموعة العشرين»، ستزيد من تصاعد التناقضات في المشهد العالمي المرتبك، وسترسم طرقاً مغايرة لعلاقات عالمية مرتكبة.

تتطلع شعوب العالم إلى قمة توازن بين تراكم الثروات من جانب ومراكمة البؤس وعذاب الكادحين في الجانب المقابل... إنها دعوة إلى أممية جديدة من العدالة الاجتماعية... دعونا ننتظر ونحكم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«قمة العشرين» وفاق أم افتراق «قمة العشرين» وفاق أم افتراق



GMT 20:59 2023 السبت ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

ليتك بقيت صامتا لكن أفضل !!

GMT 04:28 2023 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

الخطر والألق

GMT 04:25 2023 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

غزة وسيناريو الخروج من بيروت

GMT 04:23 2023 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

خنادق الخوف العالية

GMT 04:17 2023 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

أميركا... الأكلاف الداخلية للأزمة الشرق أوسطية

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon