بقلم : إميل أمين
شيء ما خطأ فيما يجري في الولايات المتحدة منذ نحو أسبوعين.
خطيئة أميركا الرئيسية هي العنصرية، هذا قول، يؤخذ منه ويرد عليه، فيه من الصواب، ويحتمل الخطأ في بعض دقائقه، أما الخطأ المراد إلقاء الضوء عليه فموصول بسياقات الأحداث، وتأجيج النيران في الصدور، وكأن هناك من يتطلع إلى نافذة لإرباك المشهد الأميركي بأكثر مما هو مرتبك من جراء «كورونا»، وقبلها التشظي الحادث في المجتمع الأميركي لأسباب سياسية واجتماعية واقتصادية، لا تخلو عن أعين أي باحث محقق ومدقق.
المراقب يتساءل عن مسارات الديمقراطيين، وهل هي عفوية، أم معد لها، وهدفها الوحيد الثأر من الرئيس دونالد ترمب، حتى وإن تعرضت الدولة برمتها إلى ما يهدد أمنها وسلامها، ومستقبل أجيالها؟
تفوح من رائحة شوارع واشنطن وتقاطعات دروب نيويورك والكثير من المدن الأميركية الكبرى، التي تحظى بحضور ديمقراطي عتيق، رائحة الكراهية الشخصية للرئيس الأميركي، وما يشبه الثأر غير المبرر ومنبت الصلة بقصة المغدور جورج فلويد.
السؤال المثير: «هل من يسعى إلى شيطنة ساكن البيت الأبيض؟».
من الواضح أن النخبة السياسية الأميركية، غير قادرة على أن تغفر حتى الساعة لرئيس جاء من خارج سياقاتها المصابة بالكثير من العطب، وهنا فإن المرء يخشى من أن يكون حظ ترمب، مشابهاً لمصير أول رئيس كاثوليكي في تاريخ البلاد، لم يكن ذهنه محشواً بالرؤى اليمينية المتطرفة.
على مدى ثلاث سنوات شغل الديمقراطيون الأميركيين بقصص من اختلاقهم، حول علاقة ترمب بالروس في انتخابات 2016، ولم يقدر لهم أن يثبتوا أياً من تلك الاتهامات، فهل حان أوان العزف على أوتار العنصرية والعرقية، تلك الأسلاك العارية في الداخل الأميركي منذ زمان وزمانين؟
تبدو الموجة الديمقراطية في الأيام الأخيرة التي أعقبت الاعتداء على الشاب جورج فلويد وكأنها تهدف إلى الاقتصاص من ترمب وتحميله وزر التراث التمييزي للبلاد، وتظهره كمسؤول أول وأخير عن حال ومآل أميركا في ماضي الأيام وحاضرها.
أمور عدة لافتة للنظر ومثيرة للهواجس في الوقت ذاته، لا سيما أن حادث مينيابوليس ليس الأول ولن يكون الأخير من نوعه، منها انتشار العنف المدجج بالسلاح في أكثر من 23 ولاية، ونحو ثلاثين مدينة أميركية كبرى جلّها تدور في فلك الليبراليين من الديمقراطيين؛ ما يعطي مؤشراً بأن هناك من حاول ويحاول تحوير النظر وربما تحويله من عند جوهر الأزمة، أي «خطيئة أميركا الأصلية الكامنة في العنصرية»، إلى مقدرات الرئيس المقبل على الانتخابات الرئاسية لتجديد ولايته بعد نحو خمسة أشهر من الآن.
يبدو المشهد الأميركي وكأن الديمقراطيين يتلاعبون بمقدرات الأميركيين الأفارقة، وهذا أمر ليس بجديد عليهم، إنهم يفعلون ذلك بدغدغة مشاعر الأفارقة منذ وقت بعيد، وتصوير الحزب الجمهوري بوصفه الجماعة العنصرية التي تناصب السمر العداء، ويضحون بهم على مذبح العنف آخر الأمر.
تبدو الأدلجة واضحة جداً في طرق أميركا الأيام الماضية، وعوضاً عن السعي لخطاب العدالة والحلم الذي تكلم به مارتن لوثر كينغ في خطابه الشهير قبل ستة عقود تقريباً، ذاك الذي سعى إلى الاعتراض السلمي، ورفض العنف أداةً لحل الإشكال الذي طال، نرى نوعاً من تأجيج المشاعر ووغر الصدور من قبل الديمقراطيين تجاه إدارة الرئيس.
هل شجع ترمب على استخدام القوة؟
بالقطع لم يحدث، وما مضى في طريقه من محاولة استخدام «قانون التمرد» المصكوك عام 1807، أمر قانوني ودستوري، فهو القائد الأعلى للقوات المسلحة بحسب الدستور، والمسؤول عن تأمين الولايات كافة ومن يعيش عليها، سواء في حالات الطوارئ القدرية، أو عدم كفاية قوات الشرطة المحلية، أو تقاعس الحكام لسبب أو لآخر، كما بدا للمراقب مؤخراً.
حاجج أعداء ترمب بزيارته كنيسة سان جون، ولم يتساءل هؤلاء وأولئك عن السبب الذي دفع المتظاهرين غير السلميين للسعي إلى إحراق تلك الكنيسة الخاصة برؤساء أميركا منذ مائتي عام، والسؤال ما علاقة الاعتراض السلمي على مقتل جورج فلويد بحرق مؤسسة روحية تاريخية؟
للمرة الأولى في تاريخ أميركا الحديث، يلاحظ المتابع للشأن الأميركي ما يبدر من رئيس سابق في سياق إدارة لاحقة، كما يفعل الرئيس أوباما وكأن للرجل أجندة خفية ما يسعى إلى إكمالها، لا سيما بعد حديثه عما سماه «الخطيئة العنصرية لمجتمعنا».
أوباما اعتبر أن العنف ارتكبه من كان منوطاً بهم حماية المواطنين، في إشارة صريحة غير مريحة لإدارة الرئيس ترمب، وهنا يعنّ للمرء أن يسائله «أين كان طوال ثماني في البيت الأبيض، وما الذي قدمه للرجل الأميركي الأفريقي، وبخاصة أن أرقام العنصرية في زمانه قد تصاعدت في أعلى عليين؟».
قدم ترمب للأميركيين الأفارقة الكثير، وربما أفضل من مد يده لهم منذ زمن إبراهام لنكولن، فقد عملت إدارته على ضمان تمويل المدارس والجامعات الخاصة بتعليم الطلبة المتحدرين من أصول أفريقية، ومرر قوانين إصلاح العدالة الجنائية، وقلص البطالة والفقر وسط صفوفهم، وبالقدر نفسه انخفضت نسبة الجريمة بمعدل تاريخي في مجتمعات السود، فعلى أي أساس تأتي رهانات الديمقراطيين على الأفارقة لقلب موازين الأمور في الداخل الأميركي؟
يكاد المهموم والمحموم بالشأن الأميركي أن يصدق أن مؤامرة الديمقراطيين ماضية قدماً لا سيما بعد تصريحات «بايدن النائم»، كما يحلو لترمب أن يسميه، والسؤال أين كان الرجل طوال أربعة عقود لم يترك فيها بصمة أو يتجلى عبر موقف، وثماني سنوات في البيت الأبيض نائباً لأوباما.
الخلاصة... العنصرية لا تفيد ورهانات الديمقراطيين الخاطئة أيضاً.