توقيت القاهرة المحلي 22:14:20 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عن الشرق الأوسط وحروب المياه

  مصر اليوم -

عن الشرق الأوسط وحروب المياه

بقلم : إميل أمين

هل باتت أزمة نقص المياه العذبة تهدد العالم برمته وليس الشرق الأوسط فحسب بالمزيد من الصراعات والحروب الإقليمية والدولية؟
يخشى المرء أن يكون ذلك كذلك قولاً وفعلاً، وبخاصة إذا وضعنا على طاولة الإجابة بعض المعطيات الرقمية، وفي مقدمها أنه من بين 1.4 مليار كيلومتر مكعب من المياه على كوكب الأرض، لا يوجد سوى واحد في المائة فقط مياهاً عذبة صالحة للاستهلاك البشري.
وبلغة أكثر تفصيلاً، فإن وصول سكان العالم إلى 10 مليارات نسمة سنة 2050، سوف يدفع الطلب العالمي على المياه للارتفاع من 4600 مليار متر مكعب سنوياً إلى 6000 مليار متر مكعب.
والشاهد، أن إشكالية نقص المياه لم تغب عن أعين الرصد الاستخبارية العالمية، ففي عام 2008 على سبيل المثال وضمن الوثيقة المثيرة للاهتمام التي صدرت عن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، والمعروفة باسم «بيئة لعمل القوات المشتركة»، نجد معلومات مخيفة عن معاناة نحو 3 مليارات نسمة من نقص المياه بحلول عام 2033، وتأكيدات على أن نقص المياه سيكون السبب الرئيسي في الحروب القادمة، التي ستزعزع أسس الاستقرار والأمن العالميين.
تالياً، وفي العام الماضي، وضح تقرير تنمية الموارد المائية الصادر عن الأمم المتحدة، أنه بحلول عام 2050 سيعاني قرابة 4 مليارات إنسان مما يسمى الإجهاد المائي الشديد.
ماذا عن دول الشرق الأوسط والعالم العربي؟
تبدو المعادلة بين موارد المياه في تلك المنطقة وعدد السكان مختلة إلى أبعد حد ومد، فالأولى تتناقص بشكل لا يتسق وزيادة الثانية بحال من الأحوال، وهو ما رصده تقرير البنتاغون الأميركي بالفعل، والذي أشار إلى أن مناطق الشرق الأوسط، وحوض نهر النيل، وشمال أفريقيا، وجنوب آسيا، من أكثر المناطق التي ستواجه عجزاً في المياه العذبة، وستدخل في مواجهات الأمن المائي؛ مما سيؤدي إلى عجز في توافر احتياجات الاستهلاك الآدمي وإنتاج الغذاء وتوليد الطاقة.
والثابت كذلك من التقارير التي أعدتها وكالة «ناسا» عن مصادر المياه العذبة، أن معدل المياه الجوفية حول العالم يتضاءل بشكل مخيف، بما ينذر بالخطر.
من بين المعلومات التي وجدناها لدى الوكالة الفضائية الأميركية الأشهر، والتي تحصلت عليها من خلال المسح الذي قامت به أقمارها الصناعية، نجد بيانات صادمة عن وضع المياه الجوفية في العالم العربي، تلك التي تمد نحو 60 مليون عربي بما يحتاجون إليه؛ ذلك أنها آخذة في الاضمحلال؛ ما يعني أن هناك كارثة قادمة لا محالة، وهي بالفعل الأكثر هولاً والأشد خطورة وضراوة من الأسلحة التقليدية، وتقترب في فعلها من أسلحة الدمار الشامل.
أما آخر وأهم الدراسات التي أجريت بشأن أزمة المياه العالمية، فكانت في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2018، وقام عليها فريق من العلماء من مركز الأبحاث المشتركة التابع للمفوضية الأوروبية، وقد سلطت الضوء على 5 نقاط بؤر أساسية، يمكن أن تكون في القريب العاجل موقعاً وموضعاً لصدامات مسلحة؛ حفاظاً على الحقوق المائية، بما فيها نهر النيل، ونهر الغانج، ونهر السند، ونهري دجلة والفرات، ونهر كولورادو.
ولعل السؤال الواجب طرحه هو: هل نقص المياه يعني ضرورة الحروب؟
الجواب باختصار غير مخل يعود إلى مدى استعداد البلدان وجاهزيتها للتعاون والتنمية الإنسانية المشتركة، أو التناحر والدخول في طريق مسدود لا يتيح مجالاً إلا لفوهات المدافع لأن تحسم الأمر... ماذا نعني بذلك؟
في مواجهة أزمات المياه الطبيعية، أي تلك التي تنتج من ظروف خارجة عن نطاق البشر، وفي مقدمها تأثر كميات الأمطار بسبب الظروف المناخية الدولية المتغيرة، أو ارتفاع نسبة الجفاف، وسطوة التصحر، وما إلى ذلك، فإن هناك خطوات علمية مدروسة تساعد على مواجهة هذا المشهد المأساوي.
أما في حال أزمات المياه المفتعلة، لا سيما التي تسعى فيها بعض الدول إلى فرض أمر واقع، وعبر تفكير أحادي كارثي، ومن دون الاعتداد بحياة الآخرين، فإن الأمر مختلف جذرياً، لا سيما إذا بلغ حد التهديد بفناء أمم وشعوب، لا مصدر لها من المياه العذبة إلا ما درجت عليه قبل آلاف السنين.
والمعروف أن القوانين الدولية قد نظمت مسألة جريان الأنهار وبناء السدود، من أجل ضمان الأمن والسلم بين الدول التي تعبرها المياه العذبة الجارية، وكذلك قننت فكرة إقامة السدود بما لا يتعارض مع حق الحياة بالنسبة للآخرين.
في هذا السياق، يبدو من الواضح أنه لا يمكن لأي دولة التلاعب بمقدرات جيرانها المائية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، والأول يتمثل في التهديد بالحرمان من كميات المياه التي تقيم الحياة لشعوب آمنة عبر التاريخ، في حين يتضح الآخر عبر نظرية مؤامراتية دولية قديمة، كنظرية شد الأطراف.
ولعله من نافلة القول أن مصادر الأنهار، وتوزيع كميات المياه لا يمكن أن يمضي عبر معادلة Zero sum game بمعنى أن الطرف الفائز يحصل على كل شيء، ولتذهب بقية الأطراف إلى التهلكة، في حين العقل والعدل يستدعيان معادلة أخرى، معروفة باسم معادلة WIN - win game، أي أن الجميع فائز من خلال التعاون الخلاق لمزيد من التنمية والرخاء والازدهار.
في مسألة أزمة المياه لا يجدي المجتمع الدولي الصمت المريب، أو التماهي مع أوضاع غير عادلة؛ ذلك لأن الخسائر ستحيق بالجميع.
كما أن التآمر ومحاولة اللعب على المتناقضات من قبل قوى بعينها، لن يفيد وسيدخل الجميع في دائرة الفعل ورد الفعل الانتقامي.
تحتاج إشكالية المياه في العالم العربي ومواجهتها إلى تنادٍ عربي – عربي؛ للبحث في مآلات قضية موت أو حياة ومواجهة الأسوأ الذي لم يأتِ بعد، إلا ما رحم ربك.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن الشرق الأوسط وحروب المياه عن الشرق الأوسط وحروب المياه



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:26 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو وميسي على قائمة المرشحين لجوائز "غلوب سوكر"
  مصر اليوم - رونالدو وميسي على قائمة المرشحين لجوائز غلوب سوكر

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟

GMT 23:31 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

توقيف سيدة تُدير شبكة دعارة داخل شقة سكنية في السويس
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon