شهدت الأيام الماضية نجاحاً محبوباً ومرغوباً لجهود المملكة العربية السعودية في لم الشمل اليمني، ومجابهة الخطط الخارجية التي لا تحمل خيراً لليمن، أو اليمنيين.
وفقت المملكة من خلال رؤية قيادتها السياسية، متمثلة في خادم الحرمين الملك سلمان، وولي العهد الأمير محمد، في تحقيق توافق بين الإخوة اليمنيين لتنفيذ أهم خطوات اتفاق الرياض، المتعلقة بالجانب العسكري وتشكيل الحكومة اليمنية.
حكماً لم يك الطريق معبداً، بل مليئاً بالصعوبات والعقبات، غير أن الأسلوب الذي اتبعته المملكة في حل الخلافات، وتقريب وجهات النظر، بين الأطراف اليمنية، قاد إلى بلورة حل سياسي مقبول من الجميع، وبات أسلوباً يحتذى به لحل الخلافات.
ليس اليمن جاراً جغرافياً فقط للمملكة العربية السعودية، بل إن هناك إخوة إنسانية تربط الشعبين، وتاريخاً طويلاً يجمعهما، ولهذا يتفهم المرء كيف أضحت مسألة إعادة الأمن والسلام، وسيادة الاستقرار وضمان مسيرة التنمية في اليمن شغلاً شاغلاً للمملكة في الحل والترحال.
على الجانب اليمني، يعن للمرء أن يحي العقلانية التي أبداها الطرفان؛ الرئيس اليمني والحكومة اليمنية من جهة، والمجلس الانتقالي والقادة العسكريون في عدن وأبين، من جهة ثانية، التي عبرت عن نفسها في الاستجابة لجهود المملكة، وقد قدم الجميع مصلحة اليمن كوطن أمام كل الاعتبارات.
والشاهد أن الزلزال الذي تعرض له اليمن ولا يزال، كان يقتضي وقفة انتباه من اليمنيين أنفسهم، ولحسن الطالع أن المملكة المؤمنة بدورها في دعم وعون الاشقاء لم تتوان عن مد يد المساعدة دائماً وأبداً، بهدف تسريع العمل في الداخل اليمني، وفق نهج مختلف وشامل لتطبيع الأوضاع في المحافظات المحررة، كما أشار إلى ذلك رئيس الوزراء اليمني، ومن ثم التفرغ للبناء على أسس واضحة وثابتة من وحدة الصف الوطني في توحيد القرار العسكري والأمني بما يساعد على التسريع في استكمال استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي.
عملت الدبلوماسية السعودية بشكل مكثف في الأشهر القليلة المنصرمة بهدف واضح، وهو السباق مع الزمن لترتيب البيت اليمني من الداخل، لا سيما أنه ما من أحد قادر أن يقرأ المستقبل «الجيوبولتيكي» للمنطقة في الأشهر المقبلة، خصوصاً مع مجيء إدارة أميركية ديمقراطية برئاسة جوزيف بايدن.
وفي الحق أنَّ كل نجاح للمملكة هو بمثابة ملء مربع نفوذ إنساني ووجداني، قبل أن يكون سياسياً أو عسكرياً، في مواجهة المخططات الإيرانية الماضية قادمة، التي لا تعرف سوى لغة الصواريخ الحاملة الموت جواً، أو القوارب المفخخة الساعية إلى الشر غرقاً وحرقاً.
عيون المملكة مفتوحة على الخليج العربي، وعلى البحر الأحمر، وفي علاقاتها مع الأشقاء العرب، تبقى طليعة واعية لما يدور وراء الكواليس، وما يتم التخطيط له في الليل البهيم، وحتى لا يصحو العالم العربي من جديد على كابوس آخر مشابه لما جرت به المقادير قبل عقد من الزمان.
لا يغيب عن أعين المراقبين العالميين، وليس الشرق أوسطيين فقط، تقدير الجهود التي تبذلها المملكة، والتي تجد تأييداً وترحيباً واسعين على الصعيد الإقليمي بداية والأممي تالياً، الأمر الذي يليق بريادة السعودية في حفظ السلام في المنطقة والعالم، كنهج راسخ عبر التاريخ يوثقه الحاضر، ويرسم ملامح المستقبل.
الشهادات الدولية للسعودية، والإقرار بدورها الإنساني التقدمي في اليمن، تتزايد يوماً تلو الآخر، وقد كان آخرها ما صرح به أول مبعوث بريطاني لمنع المجاعة والشؤون الإنسانية، نك داير، من أنَّ السعودية كانت مركزية في منع المجاعة في اليمن على مدار العامين الماضيين، ومشيداً بدعمها للبنك المركزي اليمني، ووكالات الأمم المتحدة.
التوافق اليمني الأخير المدعوم والمزخوم بإرادات طيبة ونوايا صالحة من الرياض، ربما يكون الورقة الأخيرة والحاسمة في استنقاذ اليمنيين من الوقوع فريسة في براثن المجاعة التي تكاد تفتك بالآلاف، وباتت تمثل الضلع الرابع من مربع الموت المتمثلة بقية أضلاعه في الصراع والمناخ والوباء، وما تشكله هذه معاً من تهديد للأمن الغذائي هناك، وما يصعب من الأمر على الشعب المطحون، مواصلة قيادة ميليشيا الحوثي الانقلابية، نهب المساعدات المقدمة للشعب.
جهود المملكة الناجحة في جمع ما قد افترق يمنياً، شهد بها ولها المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، مارتن غريفيث، الذي اعتبر الخطوة الأخيرة محورية نحو حل سياسي دائم في اليمن، ونقلة مهمة لتعزيز الاستقرار، وتحسين مؤسسات الدولة ورفع مستوى الشراكة السياسية بين اليمنيين وبعضهم البعض. هل النجاح الأخير هو نهاية المطاف أمام اليمنيين؟
بالطبع لا، هذا هو ما يتوجب عليهم الانتباه له، ذلك أن معركتهم كبيرة، ولن تحسم إلا بتوافق الإرادات، لصد ورد الذين يحلمون بالسيطرة على اليمن، ما يستدعي منهم جهوداً مكثفة لتعزيز المسيرة الواحدة، ومن ثم التفرغ لتحرير بقية الأراضي اليمنية مرة وإلى الأبد.