بقلم : إميل أمين
لماذا يقدم نحو 70 عضواً ديمقراطياً، و70 جمهورياً من مجلس النواب الأميركي على البعث برسالة لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، يمكن اعتبارها دعوة لإعادة نظر الإدارة في تعاطيها مع الإشكالية الإيرانية، والتي تجاوزت في واقع الحال أزمة البرنامج النووي، إلى العديد من الإشكاليات الأخرى التي لا تقل خطورة وضراوة؟
قبل الجواب المباشر، ربما ينبغي أن نشير إلى الرسالة التي وجهتها هيئة التحرير في مجلة «واشنطن إكزامينر»، في أواخر فبراير (شباط) الماضي، للإدارة الأميركية الجديدة وقد حملت ملاحظات حيال ملف التفاوض مع إيران.
رسالة أعضاء مجلس النواب من ديمقراطيين وجمهوريين إلى بلينكن هدفها الرئيسي هو صفقة شاملة مع إيران، لا تتناول برنامجها النووي فحسب، بل تأخذ في سياقها النقاط الخلافية الأخرى كافة، والتي تهدد الأمن القومي العالمي والإقليمي، وفي المقدمة منها الصواريخ الإيرانية الباليستية، وما تمثله من أزمة في الحال، وكارثية في الاستقبال، لا سيما إنْ مضت وتيرة إنتاجها على هذا النحو الذي يشابه تجربة كوريا الشمالية، وقد تتجاوزها إذا أتيح لها رفع العقوبات والاستفادة من عوائد ريعها النفطي، وأموالها المجمدة.
يذهب نواب الشعب الأميركي من الحزبين الكبيرين إلى أن دعم إيران للميليشيات المسلحة في لبنان والعراق واليمن وسوريا، لهو سلوك خبيث مزعزع لاستقرار الشرق الأوسط، وأنه مهما يكن من التصارع أو التنازع بين الحزبين الكبيرين في الداخل الأميركي، إلا أن أحداً من المسؤولين الأميركيين لن يقبل بأن ترتهن المنطقة للغطرسة الإيرانية، والتهديدات التي يمثلها وكلاؤها في المنطقة.
أسباب عدة تجعل واشنطن ورجالاتها يقفزون فوق أي خلاف آيديولوجي داخلي ويقفون صفاً وحداً في مواجهة نوايا إيران التي لا تغيب عن عاقل، وقد عزز مؤخراً مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروس، الهواجس التي تصل إلى حد عدم الثقة بإيران، من جراء ما اكتشف من جزيئات اليورانيوم العام الماضي في مواقع عدة غير معلنة؛ ولهذا اعتبر أن التحقيق الدولي في الأنشطة النووية الإيرانية قد يستمر لسنوات، كما شدد على أنه «قد تظهر معلومات إضافية، وأنه في محاصرة الانتشار النووي الإيراني لا يوجد إعلان نهائي، ما يفيد بتلاعب الإيرانيين بالوكالة».
حكماً، لم تغب تقارير الاستخبارات الأميركية عن أعضاء مجلس النواب، وفي القلب منها وجود نحو 3.6 غرام من معدن اليورانيوم المعدني في مصنع أصفهان؛ ما يعني أن إيران باتت تستخرج معدن قنبلتها النووية من أراضيها، وها هي تعلن على الملأ نيتها زيادة نسبة التخصيب إلى 20 في المائة، وهو مستوى أعلى بكثير مما كان متفقاً عليه في الاتفاقية سيئة الذكر عام 2015 والذي لم يتجاوز نسبة 3.67 في المائة اللازمة لتوليد الطاقة للأغراض السلمية.
هل كان لذلك الاصطفاف أثر واضح في شهادة بلينكن أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب قبل بضعة أيام؟
أغلب الظن أن ذلك كذلك، لا سيما بعد تأكيده أن بلاده لن تقدم تنازلات أو ترفع العقوبات عن إيران لتجتمع معها.
لم يغب عن بلينكن أيضاً، وهو الدبلوماسي الأميركي صاحب الخبرة المتميزة على صغر عمره، أن لإيران رؤى أبعد من مجرد حيازة قنبلة نووية، أو صواريخ باليستية؛ فالأمر موصول بالعقيدة الدوغمائية الإيرانية منذ قيام ثورتها، والتي ترى في واشنطن الشيطان الأكبر، الذي يتوجب طرده من المنطقة، حتى يتسع لها المجال للعب دور إقليمي استراتيجي، يتسق وأحلامها في الهيمنة الطويلة الأمد.
والشاهد، أنه ما بين أعضاء مجلس النواب وبلينكن كانت المراكز البحثية الأميركية تزخم الطرفين بقراءتها المعمقة حول وجهات نظر إيران للدور الأميركي في الشرق الأوسط، وقد خلص الأميركيون إلى أن الإيرانيين يعتقدون جازمين بأنه لا فرق بين الديمقراطيين أو الجمهوريين، فكلاهما في نظرهم عازم على تغيير نظام الحكم في إيران.
يوماً تلو الآخر، وساعة وراء الأخرى، تدرك إدارة بايدن أن إيران تعتمد تكتيك تسويف الوقت للوصول إلى هدفها الاستراتيجي، وهو امتلاك السلاح النووي، لا سيما إذا كان سيوفر لها الردع المطلوب ضد مجموعة التهديدات التي تحلق من حولها، وتعتبر أن صاروخاً باليستياً، محملاً عليه رأس نووي، يمكن أن يوفر تهديداً للقواعد العسكرية الأميركية في الخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط، وللدول القريبة، ويطال جنوب أوروبا جغرافياً، وعما قليل، يمكنه أن يحلق بالقرب من نيويورك ثم واشنطن.
ليس سراً القول إن نواب الشعب الأميركي قد طالعوا تقرير وكالة مخابرات الدفاع الأميركية الصادر في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2019، ومن خلاله أدركوا أبعاد الرؤية الثلاثية الإيرانية لبسط نفوذها على المنطقة، تلك التي تمضي في ثلاثة اتجاهات:
أولاً: برنامج الصواريخ الباليستية، الذي يعوض ضعف سلاح الجو الذي يعود إلى سبعينات القرن المنصرم.
ثانياً: القوات البحرية التي توليها طهران أهمية فائقة لتكون مهدداً للملاحة في منطقة الخليج حيث إنتاج النفط.
ثالثاً: وكلاء إيران من حوثي، وميليشيات عراقية، و«حزب الله»، و«حماس»، ومن لفّ لفهم.
الاصطفاف الأميركي الحزبي يؤكد أن الصبر الاستراتيجي الأميركي قارب على النفاد.