توقيت القاهرة المحلي 17:34:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كارتر.. رحيل غاندي أميركا

  مصر اليوم -

كارتر رحيل غاندي أميركا

بقلم : إميل أمين

عن عمر تجاوز المائة عام، رحل الرئيس الأميركي التاسع والثلاثون، جيمس إيرل كارتر، المعروف اختصارا باسم جيمي كارتر، الرجل الذي وصفه السير نايجل هاملتون، كاتب سير الزعماء، في كتابه الشهير "القياصر الأميركيون"، بأنه انتقد في البداية واحترم في النهاية، مهزلة الجميع بداية، ومحط احترامهم لاحقا.

شغل منصب الرئاسة الأميركية من فبراير شباط 1977 إلى فبراير شباط 1981، ما يعني أن الحظ أخلفه فلم يفز إلا بولاية رئاسية واحدة، بعد أن خسر معركة الولاية الثانية أمام المرشح الجمهوري، رونالد ريغان، القادم من خشبة هوليوود إلى مسرح البيت الأبيض السياسي.

كان من الملاحظ للغاية أن الأميركيين قد انشغلوا في الأعوام الأخيرة بإعادة قراءة سيرة كارتر وهو في ظروف المرض الشديد، لا سيما بعد أن فقد شريكة عمره السيدة الهادئة روزالين كارتر، وقد تساءل الجميع عن سر هذا الإهتمام.

يعن لنا أن نتساءل عن السر الذي جعل الأميركيين بداية ينظرون إلى كارتر بوصفه الرئيس الضعيف، ولاحقا بعد بضعة عقود ها هم يغيرون وجهة نظرهم، ويجلونه، بل يضعونه في مرتبة عالية، ويكاد لسان حالهم القول " كارتر الذي ضيعناه".

باختصار غير مخل، يمكن النظر إلى كارتر بأنه أحد الرؤساء الأميركيين القلائل الذين عزفوا عن المسير في درب غالبية إن لم يكن كل رؤساء أميركا، درب الحرب التي يظهر فيها كل منهم فحولته العسكرية وتحقيق بطولاته التي تسجلها دفاتر التاريخ.

غير أنه من سوء طالع كارتر، أن اندلعت الثورة الإيرانية في منتصف ولايته الأولى، ثم جاء احتجاز الرهائن في السفارة الأميركية في طهران، وفشل المحاولات المضنية للإفراج عنهم دبلوماسيا وعسكريا، الأمر الذي قاده بالفعل إلى خسارة الفرصة الثانية للبقاء في البيت الأبيض، وهو الأمر الذي مثل لزوجه روزالين، ألما نفسيا طويلا لازمها لعقود أربعة لاحقة.

هل كان لكارتر بالفعل إنجازات على الصعيد الداخلي الأميركي؟

بحسب العديد من المؤرخين المعاصرين لكارتر، ومنهم الأميركي ليف سكو جفورز، فإن جيمي كارتر ربما كان بالفعل فاشلا على المستوى الأسلوبي والسياسي، لكنه كان ناجحا جوهريا وبعيد النظر في كثير من الأحيان.

على الجانب المحلي عانى من واحد من أسوا الاقتصادات في فترة ما بعد الحرب، مع تضخم وأسعار فائدة بلغت 105، وتفاقمت هذه الأزمة بسبب الزيادات في أسعار النفط التي جاءت نتيجة للثورة الإيرانية، غير أنه في النهاية قام بتعيين بول فولكر، رئيسا للاحتياطي الفيدرالي، وفرض فولكر علاجا قاسيا أنهى التضخم، بعد أن سحق رونالد ريغان كارتر في عام 1980.

لكن من جانب آخر، أحدث كارتر ثورة في مكتب نائب الرئيس من خلال وضعه في سلسلة القيادة، ومنحه مسؤوليات كبيرة لأول مرة. لقد أعاد تصور دور السيدة الأولى من خلال جعل روزالين دبلوماسية فعالة، ومستشارة رئاسية كبيرة، ومنسقة لحملة ناجحة لإقناع الدول بالمطالبة بتطعيم جميع الأطفال قبل دخول المدرسة.

يعن للقارئ أن يتساءل: هل كانت هناك مسحة خاصة تغلف رئاسة كارتر؟

الشاهد أن الرجل تتبدى في ولايته حالة التضاد القائمة في كيان الولايات المتحدة، أي الدولة العلمانية الهوية، التي تفرق بحسب الدستور بين ما هو ديني إيماني، وما هو مدنى علماني، موصول بالحريات ومواصلة التعبير والقناعات الروحية.

عاش كارتر خلال سنواته الأربع في البيت الأبيض بأريحية الواعظ أو المبشر.

بصفته باحثا في التاريخ الديني الأميركي، يعتقد البروفيسور ديفيد شوارتز، من جامعة "أسبوري" أن الخطاب الذي ألقاه كارتر في 15 يوليو 1979، كان الخطاب الأكثر عمقا من الناحية اللاهوتية لرئيس أميركي منذ خطاب تنصيب لينكولن الثاني ، في مارس 1865.

كتب شوارتز أن خطبة كارتر المتلفزة على المستوي الوطني شاهدها 65 مليون أميركي، حيث "رتل ما يشبه الرثاء الإنجيلي أو المراثي التوراتية حول أزمة الروح الأميركية".

أعلن كارتر خلال خطابه أن "كل التشريعات في العالم غير قادرة على إصلاح ما هو خطأ في أميركا، ومؤكدا على أن الخطأ الأساسي هو الانغماس في الذات والاستهلاك".

من هنا يمكن القطع أن الأميركيين افتقدوا الرئيس كارتر بنوع خاص في السنوات الأخيرة، تلك التي تكالبت فيها عليهم الرؤى الاستهلاكية المادية من جهة، والتوجهات اليسارية الديمقراطية المتطرفة من جهة أخرى، مع اضمحلال شبه واضح للكثير من القيم الإيمانية والأخلاقية التي بنيت عليها أميركا في الأساس والتي مثلها كارتر بشكل متميز للغاية طوال أربعة عقود ونصف بعد تركه منصبه في البيت الأبيض.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كارتر رحيل غاندي أميركا كارتر رحيل غاندي أميركا



GMT 13:39 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

لماذا نظرية التطور مهمة؟

GMT 13:38 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

لماذا يتفوق العلم؟

GMT 13:35 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

لا تنسوا 420 مليونًا عند “الكردي”

GMT 08:40 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

2024 سنة نجاحات مغربيّة

GMT 07:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

بشار في دور إسكوبار

GMT 07:01 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

«وشاح النيل»

GMT 07:00 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وَمَا الفَقْرُ بِالإِقْلالِ!

GMT 06:59 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

الزمن اللولبي

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 17:09 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

"لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا"
  مصر اليوم - لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا

GMT 00:01 2019 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سمية الألفي تكشف السبب من وراء بكاء فاروق الفيشاوي قبل وفاته

GMT 10:56 2019 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسلات إذاعية تبثها "صوت العرب" فى نوفمبر تعرف عليها

GMT 23:21 2024 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

أهم النصائح للعناية بالشعر في المناطق الحارة

GMT 08:55 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

حارس ريال مدريد السابق يعلن شفاءه من فيروس كورونا

GMT 21:55 2020 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

نشوب حريق هائل داخل محل تجاري في العمرانية

GMT 00:40 2019 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

محمد إمام يفتخر بحضارة مصر الفرعونية في باريس

GMT 23:15 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الزمالك يحيي ذكرى رحيل «زامورا» «سنظل نتذكرك دائما»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon