بقلم : إميل أمين
على بعد أيام قليلة من المعركة الكبرى «طيور أبابيل»، والتي تهدف لتخليص ليبيا من شر الإرهاب القائم والقادم في الغرب من الدولة الشقيقة، يتساءل المرء «إلى متى يراهن الغرب بمحوريه، الأوروبي القريب والأميركي البعيد على (الإخوان المسلمين)، ومشاغبة بقية الجماعات الإرهابية الفاعلة في طرابلس، بقيادة جماعة الوفاق، التي سلمت مقاليد الأمور للرئيس التركي وإرهابييه وميليشياته التي يتزايد عددها يوماً تلو الآخر؟
علامة الاستفهام المتقدمة تثبت لنا وبما لا يدع مجالاً للشك صحة مقولة إن واشنطن بنوع خاص، وبالتبعية أوروبا في ركابها بدرجة أو بأخرى، خاضعة لدافع قسري مهلك يحملها دوماً على تكرار الأخطاء نفسها، على الرغم من دروس الماضي الرهيبة، في التعاطي مع جماعة «الإخوان المسلمين» الموصومة بالإرهاب.
يعنّ لمن يتابع المشهد الليبي أن يسأل الرئيس الأميركي ورجال الخارجية الأميركية: «هل الوفاق والسراج وأحد عشر ألفاً من إرهابيي إردوغان هم الرهان الصحيح في ليبيا، ورفض الجيش الوطني وقيادته المتمثلة في المشير خليفة حفتر وأحرار ليبيا؟
منذ منتصف خمسينات القرن الماضي ويوم أن التقى الجد آيزنهاور في البيت الأبيض مع سعيد رمضان زوج الابنة الصغرى لمؤسس «الإخوان المسلمين» حسن البنا، وحتى الساعة، تلاعبت الجماعة الإرهابية بالأميركيين حول العالم، وبدا واضحاً أن الحكيم بريجنسكي وهو ينسج خيوط خطته لطرد السوفيات من أفغانستان، قد نسي أو تناسى سيناريو اليوم التالي لتحول أفغانستان إلى حاضنة للإرهاب.
لم يتعلم الأميركيون الدرس في نيويورك عام 1993، وكانت الطامة الكبرى في سبتمبر (أيلول) 2011، والآن يغض العم سام بصره عما يجري في ليبيا... هل المكايدة السياسية مقصود بها الروس حلفاء المشير حفتر؟
يضحى من الجنون المطبق أن يصدق المرء ذلك، لكن ما العمل وواقع الحال الأليم يخبرنا بأنه في كل مرة يكاد الحبل يلتف على رقبة الإرهاب في ليبيا بقيادة تلك الجماعة الدوغمائية، وما يتفرع عنها من مجموعات مختلفة الاسم، إلا ويجد الأيادي الغربية تسعى لتخليص «الطاعون الأسود»، المعاصر، وتحريره، وإطلاق يده في غرب ليبيا تحت مسميات كاذبة من الحوار، والعملية السياسية ومصطلحات الرطانة التي لا معنى لها، ولا فائدة من ورائها، سوى تسويف الوقت وإتاحة الفرصة للسراج وإردوغان لتحويل ليبيا إلى مستنقع سوري، يكمل ما فشلت سلسلة الربيع المغشوش في إدراكه.
لماذا يتم الحفاظ على وجود تنظيمات إرهابية في الداخل الليبي، وهل هناك ملامح أو معالم مستقبلية لدور أكثر غموضاً لتلك الكيانات الظلامية، ربما عطلته قليلاً أزمة «كورونا» مؤخراً؟
في بعض الأحايين يكون سوء الظن من حسن الفطن، لا من قبيل الشك أو الظن الآثم، لا سيما إذا تعلق المشهد بالأيادي الملوثة بالدماء.
هل يخفى عن أعين الاستخبارات الغربية أميركية كانت أو أوروبية هذا التدفق غير المسبوق من إرهابيي تركيا وقطر على ليبيا في الأسابيع الأخيرة، وقد وصل عدد هؤلاء وأولئك إلى أكثر من أحد عشر ألفاً، والعهدة هنا على عدد من جمعيات حقوق الإنسان في بريطانيا؟
الازدواجية الأوروبية القاتلة تتبدى بشكل غريب في موقف إيطاليا، التي جدد وزير خارجيتها لويجي دي مايو في اتصال تليفوني مع السراج دعم بلاده للوفاق، ولما يسميه المسار السياسي، متفقاً مع رجل الغرب الساعي في طريق «تتريك وقطرنة» ليبيا على تنسيق الجهود بين البلدين..... هل منافسة فرنسا على نفط وغاز ليبيا هو الأهم؟
من يخدع السيد دي مايو، نفسه والإيطاليين من حوله، أم يخدع العالم الذي يدرك حقيقة ما يحدث في ليبيا؟
يبدو أن استخبارات إيطاليا تغط في نوم عميق، ولم يبلغها أخبار الجماعات الإرهابية الداعشية التي وصلت إلى ليبيا قادمة من سوريا، بعد أن دعمتها تركيا جواً وبحراً، ولم تقضِ إلا ساعات على شواطئ ليبيا، لتتوجه من ثم إلى إيطاليا بحراً، استعداداً لتنفيذ الشق الأهم من خططها الإرهابية في القارة العجوز التي هزمتها «كورونا» مرة جديدة، وهو أمر مؤسف إنسانياً في كل الأحوال. هناك ازدواجية أوروبية في التعاطي مع المشهد الليبي، ففي حين ترصد الأعين التي لا تنام قطع إردوغان البحرية وطائراته التي تجلب الإرهاب والإرهابيين إلى الغرب الليبي، تفاخر البحرية الأوروبية ببدء العملية التي أطلقت عليها «إيريني»، وهدفها مراقبة الحظر على الأسلحة إلى ليبيا.
لعل السفير الأميركي في بنغازي السيد ريتشارد نورلاند، قد بلغته أنباء الهزيمة الاستراتيجية التي تعرضت لها حكومة الوفاق وعرابها إردوغان، في السيطرة على قاعدة الوطية الجوية قبل أيام؛ ما يعني أن إرادة النصر عند الوطنيين الأحرار من الليبيين سوف تقهر كل الصعاب، وأن تغيير مسار الرياح ربما يقتضي ما هو أبعد من المواقف السياسية، فهل ستحرك واشنطن بيادقها لهزيمة المشير حفتر الذي يناصره أصحاب الحق الذي يعلو على الباطل؟
أحسنت مصر كثيراً جداً حين أشارت إلى أنها تتمسك بالحل السياسي في ليبيا، وبمبدأ البحث عن تسوية سياسية للصراع، على الرغم من وجود خلافات بين الأطراف الليبية، لكن هذا لا يعني ويجب ألا يؤدي إلى التهاون في مواجهة التيارات المتطرفة الإرهابية في ليبيا، أو الدخول معها في مفاوضات حول مستقبل البلد الشقيق.
الرهان على «الإخوان» خطيئة أميركا الكبرى في ليبيا، في حين الأوروبيون يعيدون سيرة أسرة البوربون من جديد، فلا وعوا درس «الإخوان»، ولا تعلموا منه، ولله الأمر من قبل ومن بعد.