توقيت القاهرة المحلي 20:21:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

النرويج... حصاد خطاب الكراهية

  مصر اليوم -

النرويج حصاد خطاب الكراهية

بقلم : إميل أمين

وقت كتابة هذه السطور كانت الشرطة النرويجية تعلن أن ما جرى في أحد مساجد أوسلو العاصمة النرويجية، من هجوم، هو حادث إرهابي، ناتج عن تصرف يميني متطرف.
ربح خطاب الكراهية في النرويج مرة جديدة، ولو قدر للمهاجم أن يدلف إلى داخل المسجد لربما سقط ضحايا كُثر، لولا شجاعة من مُصلٍّ سبعيني استطاع التصدي للإرهابي صاحب المسدس والبندقيتين، ما يحاكي إرهابي مدينة كرايستشيرش في نيوزيلندا قبل عدة أشهر.
أين الخطأ، وهل الأمر حادثة جديدة أم إرهاصات كارثة أوروبية، وعولمية، سيما أنها جاءت بعد أقل من أسبوعين من هجمات تكساس وأوهايو بالولايات المتحدة الأميركية؟
إنها الكراهية في كل الأحوال، تلك التي تطفو على السطح بملامح ومعالم دينية تارة كما في حالة الإسلاموفوبيا في أوروبا، وتتبدى للناظر انطلاقاً من العِرق تارة أخرى كما الشاب الأميركي الساعي للخلاص من اللاتينيين، حيث يرى فيهم مهدداً لتفوق الرجل الأبيض.
هل هي عودة مقنعة لزمن الفاشية والنازية مرة أخرى؟
أخطأت النرويج كما عموم أوروبا في قراءة علامات الأزمنة لا سيما منذ مجزرة أوسلو التي ارتكبها أندرس بريفيك في 22 يوليو (تموز) 2011 وراح ضحيتها العشرات، وذلك عندما اعتقدت أن البيان الذي تركه في ألف ورقة، توجه يخصه بذاته، ولم تميز أنه تيار قاتل من أحادية التوجه الفكري، ذلك المرض العقلي العُضال، الذي يتوهم صاحبه أن الحقيقة المطلقة هي ملك يديه، وأن الآخر ليس إلا الجحيم، كما أشار إلى ذلك ذات مرة في ستينات القرن الماضي الفيلسوف الفرنسي الوجودي الأشهر جان بول سارتر.
في أعقاب مذبحة أوسلو قبل ثماني سنوات حذر وزير الخارجية النرويجي وقتها إسبن بارت، من تنامي الأحزاب اليمينية المتطرفة في بلاده خاصة، وفي أوروبا بوجه عام، واستند في تحذيره إلى ركائز عقلانية تدعو لفتح النقاش الواسع حول الطاعون الفكري الجديد الذي يضرب أوروبا، فقد ذهب بريفيك إلى أن المتطرف الإرهابي النرويجي استهدف أشخاصاً ومؤسسات تكافح العنصرية وكراهية الأجانب.
هي الكارثة وليست الحادثة، وهو أمر متوقع ومن أسف سوف تتزايد نوعية تلك الحوادث طالما وجد هناك من يكتب في سياقات الحث على البغض والترويج للعداء، ونشر الرؤى والتنظيرات التي تجعل من الواقع جحيماً مقيماً، ومن عينة تلك الكتابات، ما ضمنه الفرنسي رينو كامو في كتابه المثير للجدل «الاستبدال العظيم»، الذي هو الوجه المؤدلج لفكرة «أسلمة أوروبا»، أي تفريغها من محتواها الديموغرافي المسيحي واليهودي واستبدالهما من خلال المسلمين، عبر التمكين البطيء شيئاً فشيئاً.
في هذا الإطار لا يعد غريباً أو عجيباً أن يصب المتطرفون من أهل اليمين جام غضبهم وأحقادهم على رؤوس المسلمين واليهود، الغجر والأقليات الاجتماعية المختلفة، بدعوى الاحتفاظ بالنقاء العرقي، وحماية أنفسهم وأبنائهم من التلوث بالاختلاط مع الآخرين.
لم يكن بيان بريفيك أفكاراً مضللة من شخص موتور أو فاقد للرشد، إذ تثبت لنا الأحداث المتصاعدة أوروبياً كل يوم أن هناك سمات آيديولوجية سياسية تعكس بدقة النقاش الانعزالي الذي تعيشه أوروبا، والمتمثل في تصاعد المد الشعبوي الأوروبي، وتنامي القوميات الضارة، والعودة إلى رفع رايات الهويات المتباينة تارة والمتقاتلة تارة أخرى.
حين تعلو نبرة نقاء الجنس فإننا إزاء عودة جديدة إلى قصة الشعب الآري، أي النموذج النازي، ذاك الذي كبد أوروبا والعالم أكثر من سبعين مليون قتيل، وست سنوات من الحرب الضروس التي أهلكت الزرع والضرع.
عقلاء أوروبا من أصحاب الضمائر الحية تنبهوا جلياً لما فات النرويج أن تدركه، وفي مقدم هؤلاء، يأتي البابا فرنسيس بابا روما، ولعله من مصادفات القدر أن يتحدث إلى صحيفة «لا ستامبا» الإيطالية قبل وقوع حادث أوسلو الأخير بأقل من ثمان وأربعين ساعة، محذراً مما سماه النزعة السيادية المبالغة التي تقود إلى الحروب.
في حديثه يؤكد بابا الفاتيكان على أن أوروبا أمام «خطابات تشبه خطابات هتلر سنة 1934»، أي «نحن أولاً»، ويوجه نقداً لاذعاً لأفكار الشعبوية التي تريد أن تفرض توجهاتها على الآخرين وصولاً إلى مرحلة التسيد ثم التسلط»، وهي أفكار في غالب الظن ستقود إلى نهج توتاليتاري قاتل كان عند نقطة زمنية يمثل استرجاعه ذهنياً خوفاً رهيباً لأوروبا والأوروبيين، والآن بات واقعاً متجسداً في أشخاص لا قِبلَ لهم بقبول الآخر أو التعايش معه.
يخشى المرء أن تكون ينابيع الغمر العظيم، المتمثلة في وسائل التواصل الاجتماعي اليوم قادرة على تحويل العالم الآمن المطمئن إلى دروب من القلق في النهار والأرق في الليل، فالتحقيقات النرويجية أشارت إلى أن الشاب كان يرتاد مواقع اليمين المتطرف على الإنترنت، لا سيما عبر الجزء المظلم فيه، الذي لا يرتاده إلا دعاة الإثم والعدوان...
من ينقذ عالمنا من خطاب الكراهية هذا؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النرويج حصاد خطاب الكراهية النرويج حصاد خطاب الكراهية



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon