توقيت القاهرة المحلي 22:47:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نيوزيلندا وآلام الجمعة الحزينة

  مصر اليوم -

نيوزيلندا وآلام الجمعة الحزينة

بقلم : إميل أمين

يمكن للمرء أن يصف ما جرى أمس في نيوزيلندا بأنه ضرب من ضروب الكراهية والشر المجانيين اللذين باتا يضربان العالم في العقدين الأخيرين، إرهاب مجنون غير عقلاني ولا إنساني، يجذر الكراهيات وينشر العصبيات حول العالم.
حديث التطرف اليميني ليس بالحديث الجديد، غير أنه حين يضرب ذلك البلد الوديع الهادئ القائم في ركن قصي من أركان الأرض، فإن ذلك يعني وجود خلل معولم - إن جاز التعبير - بات ينشر سمومه حول العالم، من أقصى الأرض إلى أقصاها، ومن اليمين إلى اليسار، دفعة واحدة.
لا تتوقف بشاعة الحادث عند عدد الضحايا فقط، بل تتبدى في التخطيط الإجرامي الذي أحاط به، فما جرى لم ولن يكون عملاً فردياً بالمرة، بل هو ضرب من ضروب الخلايا التي ملأت سماوات الغرب، ومرشحة - ومن أسف جديد - للازدياد في قادم الأيام، وبشكل يفقد العالم أمنه وسلامه.
أضحت مشاهد العمليات الإرهابية التي تجري حول العالم مأساة سيزيفية تتكرر صباح مساء كل يوم، ومن دون قدرة حقيقية على وقف إسالة الدماء الذكية البريئة، وبات السؤال المؤلم: من المسؤول عما يجري؟
قبل نحو عقدين من الزمان، خرج علينا أصحاب التنبؤات المكذوبة برؤى تدفع العالم في طريق الآلام والصدام، وكأن المشهد حتمي بالضرورة، وقال آخرون إنه لا مكان للمغاير، نفساً أو جسماً، ديناً أو عرقاً، وبدا وكأن هناك من التقط الادعاءات الزائفة الجوفاء، وحولها إلى حقائق تسعى على الأرض سعياً مريراً قاتلاً.
بشرونا بأن العولمة ستحمل في طياتها تواصلاً إنسانياً خلاقاً، يبشر ولا ينفر، وييسر ولا يعسر، غير أن ما جرت به المقادير، وفي جزء غالب منه، لم يكن كذلك على الإطلاق، والذين قدر لهم مشاهدة صور المذبحة الإنسانية البشعة في مدينة كرايست تشيرش يختلط عليهم الأمر جراء الصور التي لا يدرون إن كانت حقيقية أم هي بعض من ألعاب العنف والموت المنتشرة عبر وسائط التواصل الاجتماعي، التي تحث على الانسلاخ من الإنسانية، وتوجيه الأدمغة في طريق القتل والدمار.
ضاقت نيوزيلندا، بحسب سفاحي المجزرة الأخيرة، عن احتضان المهاجرين، وهي الدولة الكبيرة بمساحتها الصغيرة بعدد سكانها الذين لا يعدون الخمسة ملايين نسمة، مما يبين - وبجلاء - أن الضيق في الصدور وليس في الأرض، فهي تسع أضعاف ما عليها، لكنها جرثومة الكراهية التي تسربت إلى الأراضي البعيدة.
مرة أخرى، يتضح لنا أن هناك ظاهرة حقيقية، هي الإسلاموفوبيا، وأن العالمين العربي والإسلامي قد أخفقا في مواجهة دعاتها بأفكار وأقوال وأعمال تثبت العكس، فالتطرف اليميني - وفي كل أحواله - ليس إلا رؤى ذهنية قبل أن يكون رصاصات غادرة. وحتى إن كانت المعركة بالفعل صعبة عسيرة، فإن الأمر يقتضي تكثيف الجهود لملاقاة ما يعد بليل بهيم للإسلام والمسلمين حول العالم.
أحد الأسئلة المثيرة للتفكير: «لمصلحة من هذا الحادث الإرهابي؟ وفي هذا التوقيت؟».
ليس الطرح من قبيل إعمال نظرية المؤامرة، لكنه بحال من الأحوال لإتاحة المجال لأفكار متباينة، علها ترشدنا إلى طرق الهداية، وتباعد بيننا وبين دروب الغواية.
يطلق سفاح أو سفاحو نيوزيلندا نيران أسلحتهم الآلية على مصلين ركع سجود، لا ذنب لهم سوى أنه ذهبوا ليؤدوا فريضة دينية إيمانية في ذلك النهار، وفي أجواء دولية تبشر بسحق ومحق «دولة الخلافة»، وانتهاء أعمال «داعش» في العراق وسوريا... هل هناك من أعطى الدواعش وبقية التنظيمات الإرهابية قبلة الحياة بعد الحادث المدان؟ وإن كان ذلك كذلك، فمن له مصلحة بعينها في أن يظل العالم مشتعلاً على هذا النحو؟
الجميع يدرك أن القضاء على الإرهاب لن يحدث بسهولة ويسر، بل ستكون هناك ولا شك ردات فعل مضادة في الاتجاه. ومع الحادث الأخير، لا يدري المرء أين ستحدث، ولا كيف، أو كم سيبلغ عدد ضحاياها، ليظل الأمر وكأنه دوامة مهلكة للزرع والضرع، إلى أن يدخل العالم - ومن جديد - في دائرة الحروب الدينية التاريخية، وهو ما لا يتمناه أو يرجوه أحد، لكن يبدو أن هناك من ينفذ سيناريوهات مرسومة بدقة لذلك.
المصاب جلل، والحادث أليم، وأكثر من ذلك خطورة هو التحدي القائم والقادم، وربما في هذا السياق والنطاق المؤلمين لا بد أن يرتفع صوت العقلاء والحكماء من أجل تضييق ساحة ومساحة الفئة الضالة، وعدم السعي إلى إشعال حرائق جديدة.
الحلول الأمنية ستبقى قاصرة، على أهميتها؛ معركة الأصوليات والهويات القاتلة معركة آراء وأفكار، عقول وأفئدة، معركة الطيبين الصالحين في مواجهة الأشرار والخبثاء الساعين لجعل الأرض كرة لهب مشتعلة، مما يدعونا لطرح علامة استفهام: وماذا بعد ضحايا «كريست تشيرش» من المسلمين الأبرياء؟
أصوات العالم ترتفع بالإدانة؛ شيء طيب، لكن دعوات الكراهية وطلقات رصاص الكارهين في حاجة إلى تنادٍ عالمي عاجل للزود عن مستقبل إنسانية باتت في مهب الريح. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نيوزيلندا وآلام الجمعة الحزينة نيوزيلندا وآلام الجمعة الحزينة



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟

GMT 23:31 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

توقيف سيدة تُدير شبكة دعارة داخل شقة سكنية في السويس

GMT 18:19 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

«المركزي» يعلن مواعيد عمل البنوك في رمضان 2021

GMT 12:03 2021 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

قمة نارية بين برشلونة وإشبيلية في نصف نهائي الكأس
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon