توقيت القاهرة المحلي 05:32:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل هى حالة أمريكية أم بداية لمرحلة تاريخية؟

  مصر اليوم -

هل هى حالة أمريكية أم بداية لمرحلة تاريخية

بقلم : أمينة شفيق

في البداية لابد من الاعتراف بأن تيارا سياسيا شعبويا يجتاح عددا من الدول الغربية التي كانت تتبع نظاما ديمقراطيا ليبراليا راسخا، أو ما كنا نعتقد انه نظام راسخ. نظام يسمح لكل البشر الحاملين لهويته الوطنية ولغير هويته بالحق في التعبير والتنظيم والانتماء. نظام يبشرون به ويحكمون على الآخرين بمقاييسه ومعاييره التي وضعوها. من هذه البلدان الغربية تتقدم الولايات المتحدة الأمريكية كحالة خاصة بسبب ظروفها الخاصة جدا. فبعد أن عشنا قرنا ويزيد، من سيادة قيم الحالة الديمقراطية الليبرالية التي ترسخت في عدد من البلدان وفي مقدمتها قطعا، البلدان الاوروبية المتقدمة صناعيا، نجد أنفسنا أمام صعود تيار سياسي ينجح بغالبية اصوات صناديق الانتخابات الحرة ويتنازل اراديا عن قيم إنسانية عالمية، هي صلب الديمقراطية الليبرالية، التي لا تنحاز للدين أو الجنس أو الموقع الجغرافي. بل بات هذا التيار يتمسك بعكسها.

يمكن القول إنه تيار يخرج على القواعد التي وضعتها الديمقراطية الليبرالية. والسبب الذي يتذرعون به هو الهجرة البشرية التي حلت عليهم والتي تهدد هويتهم وثقافتهم وعاداتهم. وسط هذه التغييرات الكبيرة تظهر الولايات المتحدة الامريكية كحالة خاصة جدا. حالة يصيغها الرئيس ترامب الجالس على عرش البيت الأبيض. يشعل الرئيس ترامب الحرائق الصغيرة حيثما ذهب أو توجه دون أن يصل بنا او يشير إلى السبب او النتائج لتلك الحرائق. وأقل ما يمكن ان توصف به تلك الحرائق الصغيرة التي تتكرر كل يوم أنها تحمل في طبيعتها حالة من اللاتوقع. فالرئيس ترامب رئيس لدولة كبيرة محورية في السياسات العالمية، ولكننا لا يمكن أن نتوقع فعله الثاني او الثالث، كما اننا لم نتوقع في الأصل فعله الاول.

جاء الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض من خارج المؤسسات المجتمعية أو الأحزاب ومنتميا لذات التيار الشعبوي. جاء بأفكاره الخاصة من قطاع المقاولات والتي تلتقي مع أفكار الرجل الأمريكي العادي الذي لا يشغله في حياته إلا دخله وبيته وسيارته وأقساطه المستحقة. المواطن الذي لا يهمه شئون الشرق الأوسط أو الأدنى. وقد لا يكون عارفا بأسماء الدول التي تحيطه من الشمال او من الجنوب. ومن هنا التقى هذا المواطن مع شعار «أمريكا اولا» بما يعني «المواطن الامريكي اولا». لذا كسر ترامب كل القواعد السياسية التي نعرفها والتي تمثل خطورة على العلاقات بين الدول. فعندما خرج ترامب عن اتفاقية باريس للمناخ ومن الاتفاق النووى المبرم مع إيران فإنه وضع مبدأ جديدا يشير إلى ان توقيع أي رئيس دولة على أي اتفاقية لا يعني استمرارها، لان للرئيس التالي له ان يخرج عليها ويسحب توقيع دولته. اذا لا ضمان لاستمرارية اي مفاوضات أو اتفاقيات.

والخطورة في الحالة الأمريكية انها تأتي وتطبق في البلد الذي يرى نفسه أقوى وأكبر البلدان نفوذا وقوة. كما ان الخطورة في أن هذا التوجه الذي يتبلور خارج المؤسسات والاحزاب يلقي استحسانا في القواعد الشعبية التي جاءت بترامب إلى البيت الأبيض. وهو الاستحسان الذي يترسخ نتيجة لنجاح السياسة الاقتصادية التي يتبعها ترامب خاصة في تلك المناطق التي استمرت فريسة للخراب الاقتصادي نتيجة لنقل أو لهجرة الاستثمارات ووحدات العمل الصناعية الكبرى الامريكية منها إلى خارج الحدود إلى بلدان شرق آسيا أو بلدان أوروبا الشرقية رافعة رايات «العالم الذي بات قرية صغيرة».. انخفضت البطالة في الولايات المتحدة الامريكية إلى أقل من نسبة 4 % وهي ادنى نسبة تصل اليها سوق العمل الامريكية منذ عدة عقود وكذلك منذ عدة ولايات رئاسية. وتأتي خطورته في أن الرجل الأبيض الأمريكي يتوقع ان يفقد غالبيته العددية السائدة عام 2050 لصالح الأقليات الحالية من الملونين واللاتين الزاحفين من الجنوب اللاتيني.

كما أنه البلد الذي تشكل غالبية مجموعات مواطنيه من المهاجرين الأوروبيين واللاتين أي من مواطني دول امريكا اللاتينية. فالرئيس ترامب شخصيا ليس من السكان الأصليين الأمريكيين وإنما هو ابن سلالة أسرة هاجرت من غرب أوروبا إلى الولايات المتحدة بحثا عن العمل وفتحا لقارة جديدة. فهو ضمن الخمسين مليون أوروبي الذين تركوا أوروبا إلى القارة الجديدة كمهاجرين باحثين عن الثراء والأرض والذهب على حساب السكان الأصليين.

هذه الحالة الرئاسية الأمريكية اتسعت حتى طالت ما يخص الوضع الداخلي. فعادة ما يساعد الاستقرار في تطبيق القوانين على الاستقرار المجتمعي العام الذي يساعد على التطوير وتحقيق الضمان للمستفيدين من هذا القانون أو ذاك. فعندما دخل الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض أثار اول ما أثار مشروع «أوباما كير» أو ما تم الاتفاق عليه بين الحزبين من بنود ليخرج قانون التأمين الصحي كما خرج وطبق فترة ولاية باراك أوباما. كما اتسعت حالة اللااستقرار في عهد ترامب حتى طالت اختياراته من المسئولين في إدارته حتى لو كانوا من النشطاء في حملته الانتخابية.

عندما نتتبع خطوات ترامب فإننا قد نخرج بانطباع أنه يسعي في كل خطوة منه ليس فقط إلى الرجوع عما وقع عليه باراك اوباما من اتفاقيات او قرارات تنفيذية وانما كل ما كان مستقرا في علاقات الولايات المتحدة بالعالم وبحلفائها وبالمنظمات الدولية التي شاركت كزعيمة الرأسمالية في وضع بنودها. لا يجنح ترامب الى الانعزالية بل يطبقها ضاربا عرض الحائط بالشعارات المصاغة من بلاده بدءا من بدايات العقد الثمانيني مثل «حرية حركة المال والسلع والأفراد» ومثل تجارة حرة وعادلة واستبدلها بفرض الجمارك على السلع المستوردة وببناء الاسوار بينه وبين جيرانه منعا للهجرة غير الشرعية بعد ان اغلق باب الهجرة الشرعية. إننا امام حالة شعبوية خاصة تتقدم من خارج مؤسسات الدولة الامريكية ولكنها تكتسب زخما شعبيا لأنها تتجه الى غرائز جماهير لا ترفع شعار «امريكا اولا» وإنما شعار «امريكا البيضاء أولا». وهذه هي الحقيقة.

نقلا عن الآهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل هى حالة أمريكية أم بداية لمرحلة تاريخية هل هى حالة أمريكية أم بداية لمرحلة تاريخية



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon