توقيت القاهرة المحلي 11:29:49 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل هى حالة أمريكية أم بداية لمرحلة تاريخية؟

  مصر اليوم -

هل هى حالة أمريكية أم بداية لمرحلة تاريخية

بقلم : أمينة شفيق

في البداية لابد من الاعتراف بأن تيارا سياسيا شعبويا يجتاح عددا من الدول الغربية التي كانت تتبع نظاما ديمقراطيا ليبراليا راسخا، أو ما كنا نعتقد انه نظام راسخ. نظام يسمح لكل البشر الحاملين لهويته الوطنية ولغير هويته بالحق في التعبير والتنظيم والانتماء. نظام يبشرون به ويحكمون على الآخرين بمقاييسه ومعاييره التي وضعوها. من هذه البلدان الغربية تتقدم الولايات المتحدة الأمريكية كحالة خاصة بسبب ظروفها الخاصة جدا. فبعد أن عشنا قرنا ويزيد، من سيادة قيم الحالة الديمقراطية الليبرالية التي ترسخت في عدد من البلدان وفي مقدمتها قطعا، البلدان الاوروبية المتقدمة صناعيا، نجد أنفسنا أمام صعود تيار سياسي ينجح بغالبية اصوات صناديق الانتخابات الحرة ويتنازل اراديا عن قيم إنسانية عالمية، هي صلب الديمقراطية الليبرالية، التي لا تنحاز للدين أو الجنس أو الموقع الجغرافي. بل بات هذا التيار يتمسك بعكسها.

يمكن القول إنه تيار يخرج على القواعد التي وضعتها الديمقراطية الليبرالية. والسبب الذي يتذرعون به هو الهجرة البشرية التي حلت عليهم والتي تهدد هويتهم وثقافتهم وعاداتهم. وسط هذه التغييرات الكبيرة تظهر الولايات المتحدة الامريكية كحالة خاصة جدا. حالة يصيغها الرئيس ترامب الجالس على عرش البيت الأبيض. يشعل الرئيس ترامب الحرائق الصغيرة حيثما ذهب أو توجه دون أن يصل بنا او يشير إلى السبب او النتائج لتلك الحرائق. وأقل ما يمكن ان توصف به تلك الحرائق الصغيرة التي تتكرر كل يوم أنها تحمل في طبيعتها حالة من اللاتوقع. فالرئيس ترامب رئيس لدولة كبيرة محورية في السياسات العالمية، ولكننا لا يمكن أن نتوقع فعله الثاني او الثالث، كما اننا لم نتوقع في الأصل فعله الاول.

جاء الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض من خارج المؤسسات المجتمعية أو الأحزاب ومنتميا لذات التيار الشعبوي. جاء بأفكاره الخاصة من قطاع المقاولات والتي تلتقي مع أفكار الرجل الأمريكي العادي الذي لا يشغله في حياته إلا دخله وبيته وسيارته وأقساطه المستحقة. المواطن الذي لا يهمه شئون الشرق الأوسط أو الأدنى. وقد لا يكون عارفا بأسماء الدول التي تحيطه من الشمال او من الجنوب. ومن هنا التقى هذا المواطن مع شعار «أمريكا اولا» بما يعني «المواطن الامريكي اولا». لذا كسر ترامب كل القواعد السياسية التي نعرفها والتي تمثل خطورة على العلاقات بين الدول. فعندما خرج ترامب عن اتفاقية باريس للمناخ ومن الاتفاق النووى المبرم مع إيران فإنه وضع مبدأ جديدا يشير إلى ان توقيع أي رئيس دولة على أي اتفاقية لا يعني استمرارها، لان للرئيس التالي له ان يخرج عليها ويسحب توقيع دولته. اذا لا ضمان لاستمرارية اي مفاوضات أو اتفاقيات.

والخطورة في الحالة الأمريكية انها تأتي وتطبق في البلد الذي يرى نفسه أقوى وأكبر البلدان نفوذا وقوة. كما ان الخطورة في أن هذا التوجه الذي يتبلور خارج المؤسسات والاحزاب يلقي استحسانا في القواعد الشعبية التي جاءت بترامب إلى البيت الأبيض. وهو الاستحسان الذي يترسخ نتيجة لنجاح السياسة الاقتصادية التي يتبعها ترامب خاصة في تلك المناطق التي استمرت فريسة للخراب الاقتصادي نتيجة لنقل أو لهجرة الاستثمارات ووحدات العمل الصناعية الكبرى الامريكية منها إلى خارج الحدود إلى بلدان شرق آسيا أو بلدان أوروبا الشرقية رافعة رايات «العالم الذي بات قرية صغيرة».. انخفضت البطالة في الولايات المتحدة الامريكية إلى أقل من نسبة 4 % وهي ادنى نسبة تصل اليها سوق العمل الامريكية منذ عدة عقود وكذلك منذ عدة ولايات رئاسية. وتأتي خطورته في أن الرجل الأبيض الأمريكي يتوقع ان يفقد غالبيته العددية السائدة عام 2050 لصالح الأقليات الحالية من الملونين واللاتين الزاحفين من الجنوب اللاتيني.

كما أنه البلد الذي تشكل غالبية مجموعات مواطنيه من المهاجرين الأوروبيين واللاتين أي من مواطني دول امريكا اللاتينية. فالرئيس ترامب شخصيا ليس من السكان الأصليين الأمريكيين وإنما هو ابن سلالة أسرة هاجرت من غرب أوروبا إلى الولايات المتحدة بحثا عن العمل وفتحا لقارة جديدة. فهو ضمن الخمسين مليون أوروبي الذين تركوا أوروبا إلى القارة الجديدة كمهاجرين باحثين عن الثراء والأرض والذهب على حساب السكان الأصليين.

هذه الحالة الرئاسية الأمريكية اتسعت حتى طالت ما يخص الوضع الداخلي. فعادة ما يساعد الاستقرار في تطبيق القوانين على الاستقرار المجتمعي العام الذي يساعد على التطوير وتحقيق الضمان للمستفيدين من هذا القانون أو ذاك. فعندما دخل الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض أثار اول ما أثار مشروع «أوباما كير» أو ما تم الاتفاق عليه بين الحزبين من بنود ليخرج قانون التأمين الصحي كما خرج وطبق فترة ولاية باراك أوباما. كما اتسعت حالة اللااستقرار في عهد ترامب حتى طالت اختياراته من المسئولين في إدارته حتى لو كانوا من النشطاء في حملته الانتخابية.

عندما نتتبع خطوات ترامب فإننا قد نخرج بانطباع أنه يسعي في كل خطوة منه ليس فقط إلى الرجوع عما وقع عليه باراك اوباما من اتفاقيات او قرارات تنفيذية وانما كل ما كان مستقرا في علاقات الولايات المتحدة بالعالم وبحلفائها وبالمنظمات الدولية التي شاركت كزعيمة الرأسمالية في وضع بنودها. لا يجنح ترامب الى الانعزالية بل يطبقها ضاربا عرض الحائط بالشعارات المصاغة من بلاده بدءا من بدايات العقد الثمانيني مثل «حرية حركة المال والسلع والأفراد» ومثل تجارة حرة وعادلة واستبدلها بفرض الجمارك على السلع المستوردة وببناء الاسوار بينه وبين جيرانه منعا للهجرة غير الشرعية بعد ان اغلق باب الهجرة الشرعية. إننا امام حالة شعبوية خاصة تتقدم من خارج مؤسسات الدولة الامريكية ولكنها تكتسب زخما شعبيا لأنها تتجه الى غرائز جماهير لا ترفع شعار «امريكا اولا» وإنما شعار «امريكا البيضاء أولا». وهذه هي الحقيقة.

نقلا عن الآهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل هى حالة أمريكية أم بداية لمرحلة تاريخية هل هى حالة أمريكية أم بداية لمرحلة تاريخية



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 00:01 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

"لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا"
  مصر اليوم - لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا

GMT 14:55 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 07:29 2020 الأربعاء ,17 حزيران / يونيو

ارمينيا بيليفيلد يصعد إلى الدوري الألماني

GMT 13:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"فولكس فاغن" تستعرض تفاصيل سيارتها الجديدة "بولو 6 "

GMT 18:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الإيطالي يتأهب لاستغلال الفرصة الأخيرة

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 22:13 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

بسبب خلل كيا تستدعي أكثر من 462 ألف سيارة

GMT 00:02 2023 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات فولكس فاغن تتجاوز نصف مليون سيارة في 2022

GMT 08:36 2021 الخميس ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أيتن عامر تحذر من المسلسل الكوري «squid games»

GMT 20:44 2021 الأربعاء ,15 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تتعرض للخيانة الزوجية من صديقتها المقربة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon