توقيت القاهرة المحلي 16:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أحداث فرنسا وغيرها

  مصر اليوم -

أحداث فرنسا وغيرها

بقلم : أمينة شفيق

ماذا يجرى فى أوروبا. القارة التى عرفناها ودرسنا تاريخها وثوراتها ونضالها السياسى والنقابي. القارة التى عرفناها فى ديسمبر من كل عام على انها القارة المتألقة بأعيادها ومتاجرها وأنوارها وفنونها. لم تعد القارة التى عرفناها. تراجعت فيها احزاب اليسار والوسط والخضر وتقدمت احزاب اليمين والشعبوية. انكمشت فيها حركة النقابات التى اسهمت فى بناء الحياة الديمقراطية. كان للقارة اخطاء تبلورت فى حربين عالميتين كبيرتين، لكنها فى الوقت نفسه قدمت نماذج طيبة للعلوم وللفنون وللآداب وللفلسفة وللحياة السياسية التى تمخضت عن تعاون اقتصادى يسمى الاتحاد الأوروبى الذى تخلخل الآن كما تتخلخل مقومات القارة ذاتها.

فى ديسمبر عام 2018 تراجعت اخبار الاعياد والاحتفالات الأوروبية لتتقدم اخبار البريكست التى تؤكد أن الزواج السهل الذى حدث منذ 45 عاما بين بلاد البريطانيين وبلدان الاتحاد الاوروبى لحقه انفصال متعثر عام 2018. واثبتت الاحداث البريطانية أن «دخول الحمام ليس كالخروج منه» تماما كما يقول المثل الشعبى المصرى. ثم جاءت اضطرابات باريس ومدن اخرى فرنسية وشارع الشانزليزيه السياحى الجميل. وانبرت الآراء تسمى احداث باريس على انها ربيع فرنسا او خريفها وأخرى لتذكرنا بالثورة الفرنسية البورجوازية فى نهاية القرن الثامن أو بكميونة باريس عام 1871 أو بأحداث الطلبة عام 1968. لكن الذى تم الاتفاق عليه دون اى معارضة هو ان هذه الأحداث حدثت من خارج المؤسسات التقليدية التى استمرت الوعاء الشرعى الديمقراطى الذى يجمع وينظم ويقود حركة الجماهير الفرنسية، النقابات والاتحادات ومعها الاحزاب السياسية. تماما كما خرج الرئيس ايمانويل ماكرون نفسه بعيدا عن هذه المؤسسات وتقدم الى الشعب الفرنسى طالبا اصواته للوصول الى قصر الاليزيه ومكونا حركة هى أقرب الى الحركات الشعبوية وأبعد عن كونها منظمة سياسية ديمقراطية تؤسس على برنامج اجتماعى يعبر عن طموحات طبقة اجتماعية وتخضع لقواعد الحوار الداخلى الديمقراطى وتصنع قيادتها فى مواجهة السلطة. وكما خرج دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الامريكية من غير عباءة مؤسسات بلاده ليقود الولايات المتحدة أربعة اعوام وربما لأكثر. وتماما كما خرجت حركات شعبوية يمينية بعيدا عن الأحزاب التقليدية التى تعودنا عليها خلال القرن العشرين مثل ما حدث فى النمسا وإيطاليا على سبيل المثال، وغيرها، لتصل الى سدة الحكم فى بلادها.

الغريب فى هذا الشأن الفرنسى أن الرئيس إيمانويل ماكرون استدعى قيادات النقابات والأحزاب الفرنسية» لأول مرة منذ توليه الحكم » لمناقشة الحالة الطارئة وتداول الآراء بشأنها. وهى المؤسسات التى عبرت عنه احدى الفرنسيات المتظاهرات قائلة «they are out the game» أى انهم خارج اللعبة. فكيف سيتحكمون فى هذه الآلاف؟.

تشاء الظروف أن ازور لندن العاصمة البريطانية عام 1993 وأطلب مقابلة احد المسئولين فى التنظيم النقابى العمالى فى المملكة المتحدة. والمعروف ان الـ tuc البريطانى هذا كان واستمر من اقوى المنظمات النقابية طوال القرن العشرين بالإضافة إلى انه التنظيم الذى صاغت الطبقة العاملة الإنجليزية ملامحه وتنظيمه ومساره وهى الطبقة التى بنت اللبنات الأساسية للثورة الصناعية مع اصحاب العمل «وكان ذلك قبل ان تنضم الممالك الأربع التى كونت المملكة المتحدة» يومها فى عام 1993 ناقشت مع القيادة العمالية حال الوضع النقابى فى بلادهم. كما ناقشنا الوضع فى بلادنا بصراحة وبوضوح، لأنهم يعلمون كل شيء ورأيت من العيب ان ابالغ فى حالة الحريات او الحقوق العمالية. اما ما صرح به المسئول العمالى البريطانى فكان صادما لي. قال ان العضوية النقابية فى المملكة المتحدة فى حالة تراجع منذ عام 1980 اى منذ ان جاءت مارجريت تاتشر الى الحكم وبدأت فى تقليص دور الدولة فى الاقتصاد ومحاصرة النقابات وإعادة هيكلة الاقتصاد.. قبل تاتشر كان عدد النقابيين المسجلين فى اتحاد النقابات يصل الى 15 مليون عامل - العضوية هناك اختيارية - بينما تناقص هذا العدد الى 5.7 مليون عام 1993. وتتعدد الأسباب:

منها ما هو قانونى يتعلق بتلك التعديلات التى اجرتها الحكومة والبرلمان - برلمان المحافظين - على قوانين النقابات. وهى القوانين التى حدت من حركة النقابات فى التعبير عن رأى اعضائها وحركتهم ووسائل المفاوضة الجماعية باسمهم. اجرت الحكومة هذه التعديلات بحجة تزايد قدرة النقابات فى حالة التفاوض الجماعى ثم بسبب استياء الطبقة الوسطى من كثرة الإضرابات وما تتحمله الدولة من جراء توقف الانتاج. ومنها ما هو متعلق بإعادة هيكلة الصناعة وبالتالى الاقتصاد نتيجة لعولمة الاقتصاد وتحويل العالم الى قرية اقتصادية.

كذلك، منها ما هو نتيجة لهذه الهيكلة الاقتصادية على مستوى العالم التى نقلت صناعات كبيرة اساسية من المملكة المتحدة الى البلدان التى توفر العمالة الرخيصة وفى الوقت نفسه تضع النقابات تحت سلطة الحكومات بحيث تستطيع هذه الشركات فرض شروط وظروف عملها. وعلى حد تعبير النقابيين «يتخلص اصحاب الأعمال من الصداع النقابى» لتتعاظم ارباحهم.

حدث ذلك فى الوقت الذى بدأت فيه الدولة تبشر لمشروعات الوحدات الصغيرة والمتوسطة «الملكيات الصغيرة» لإغراء العمال للحصول عليها ثم الاندماج فى هذا النظام الجديد الذى لا يتيح لهم الانضمام للنقابات لتحولهم الى اصحاب اعمال صغار. وفى النهاية يأتى دور الثورة التقنية وما احدثته من تحول فى علاقات الإنتاج. فقد عادت التقنية الحديثة المتسارعة فى تقدمها بفوائد هائلة على العملية الانتاجية لكنها فى نفس الوقت ازاحت من طريقها أعدادا من الكوادر الفنية العاملة التى شكلت العمود الفقرى للصناعات القديمة التى كانت بالطبيعة كوادر نقابية او سياسية. كما ان هذه التقنية ازاحت اعدادا من الوحدات الكثيفة العمالة لتزيد من اعداد الوحدات الكثيفة رأس المال.

ما حدث فى المملكة المتحدة تكرر فى بلدان العالم الصناعى بما فى ذلك فرنسا. لذا لا نتعجب عندما نعلم ان الغالبية من المتظاهرين لم تكن من المتعطلين وإنما كانت من العاملين ولكن غير المنظمين فى نقابات. مناصرو النيوليبرالية انتقموا من صداع النقابات والأحزاب الديمقراطية دون ان ينتبهوا لفضائلها.

نقلا عن الاهرام

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أحداث فرنسا وغيرها أحداث فرنسا وغيرها



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon