توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لماذا يتمدد الإرهاب في الساحل الأفريقي؟

  مصر اليوم -

لماذا يتمدد الإرهاب في الساحل الأفريقي

بقلم - أميرة محمد عبدالحلي

تدل الهجــــمات الإرهابية التي شهدتها وأغــادوغو عاصمة بوركينا فاسو، في 2 أذار(مارس) الجاري، وأسفرت عن مقتل 28 شخصاً بينهم ثمانية جنود وتسعة إرهابيين، على خلل استراتيجيات مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، إذ يبدو أن تصاعد الوجود العسكري الدولي- خصوصاً الفرنسي- في المنطقة، لم يكن حائلاً دون تكرار هذه الهجمات، سواء في هذا البلد أو في بلدان أخرى مجاورة ، كمالي والنيجر، الأمر الذي يثير تساؤلاً حول مدى فاعلية تلك الاستراتيجية في معالجة ظاهرة إرهابية تبدو أكثر تعقيداً، وتتجاوز بُعدها الأمني لترتبط بعوامل أخرى تنموية وسياسية وإثنية ومناطقية.

لقد حملت هجمات وأغادوغو رسائل مباشرة لفرنسا من خلال استهدافها السفارة والمعهد الفرنسيين، وهو ما يشير إلى عدم نجاح الاستراتيجيات التي تبنتها فرنسا في مكافحة الإرهاب في الساحل الأفريقي، والتي تقوم على التواجد والتغلغل العسكري الفرنسي في المنطقة، ما يحمي المصالح الاقتصادية الفرنسية، ويحافظ على تدفق الموارد الطبيعية من هذه الدول الغنية بالموارد، لا سيما خام اليورانيوم الذي يغـــذّي الكهرباء في المصانع الفرنسية.

وفي هذا الإطار، اتجهت فرنسا للتدخل العسكري في مالي في عام 2013 تحت غطاء الأمم المتحدة، بهدف محاربة جماعات إرهابية في دولة تتميز حدودها بالهشاشة والانفتاح على جيرانها، فاتجهت هذه الجماعات إلى استخدام أراضي مالي كقاعدة لانطلاق عملياتها لضرب دول المنطقة خصوصاً بوركينا فاسو والنيجر.

كما انتقلت بعض الجماعات الإرهابية إلى هذه البلدان التي تعاني هي الأخرى من أزمات مختلفة تجعل من أراضيها ملاذاً آمناً وبيئة خصبة لاستقرار الجماعات الإرهابية ونموها، ولم يؤد التدخل العسكري الفرنسي إلى استعادة الدولة في مالي، حيث تركز اهتمام فرنسا على مواجهة الإرهاب أكثر من تسوية الأزمة السياسية الداخلية المزمنة، والتي أدت إلى نزوح أعداد كبيرة من السكان من شمال مالي اعتباراً من عام 2012. كما تصاعد الصراع بين الدولة المالية والجماعات الانفصالية من الطوارق التي استعادت السيطرة على مدينة كيدال، وأصبحت إحداها «الحركة الوطنية لتحرير الأزواد».

من ناحية أخرى، استهدفت هذه الهجمات مقر قيادة أركان جيش بوركينا فاسو، ما يدل على تصاعد استهداف الجماعات الإرهابية لجيوش دول الساحل، لا سيما التي انخرطت في تكتلات وتجمعات إقليمية مختلفة لمحاربة الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء، وكان آخر هذه التكتلات القوة العسكرية المشتركة التي أعلنت مجموعة دول الساحل الخمس موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد تكوينها في شباط (فبراير) 2017، وقوامها عشرة آلاف جندي. وقد حظيت هذه القوة بدعم غربي كبير، إلا أن انتقادات كثيرة وُجِّهت لهذا التكتل، في ظل وفرة الأطر والتجمعات المشتركة التي أُنشئت لمواجهة الإرهاب في منطقة الساحل، وكان يمكن توجيه الاهتمام الغربي لدعم التجمعات القائمة، مثل: لجنة الأركان المشتركة، أو عملية نواكشوط التي أنشأها الاتحاد الأفريقي في عام 2013، وتضم 11 دولة. ويشير بعض المحللين إلى أن هذا التجمع محاولة لإبعاد مجموعة الدول الخمس عن محيطها الأفريقي، كما أنها محاولة لتقليص النفوذ الجزائري في الساحل الإفريقي.

عكست هذه الهجمات المشكلات التي تعاني منها استراتيجيات مكافحة الإرهاب في الساحل التي تعتمد على الأبعاد الأمنية دون غيرها من الأبعاد الأخرى الضرورية في مكافحة هذه الظاهرة. فعلى سبيل المثال، تواجه بوركينا فاسو مشكلات خطيرة تجعل بنية الدولة هشة، وتضعف قدراتها في مواجهة الإرهاب، ومن هذه المشكلات عدم قدرتها على إقامة علاقات مع الدول الأخرى لتدعيم اقتصادها ومعالجة العديد من الإخفاقات التنموية لديها من دون أن تتحول هذه العلاقة إلى ما يمكن وصفه بالتبعية. كما يصل معدل الفقر إلى 40 في المئة حسب آخر تحديث للبنك الدولي في تشرين الأول (أكتوبر) 2017. وتعد معدلات التحاق الأطفال بالمدارس من أدنى المعدلات في العالم، حيث بلغت حوالى 4 في المئة في عام 2014. كما تعاني المناطق الريفية من الإهمال الحكومي، وانخفاض الاستثمارات، ومن ثم أصبحت بوركينا فاسو بيئة خصبة للإرهابيين، لا سيما مع ارتفاع نسبة الفقر والأمية. من جانب آخر، تحتل بوركينا فاسو المرتبة 74 على مؤشر الفساد لعام 2017، وتربط حليلات بين انتشار الفساد في الدول الأفريقية وانخفاض الإنفاق العسكري على محاربة الإرهاب، إذ يجري توجيه الأموال في شكل غير صحيح، وقد تعجز بعض الدول الأفريقية عن دفع رواتب الجنود في الوقت الذي تتلقى فيه مساعدات عسكرية كبيرة في إطار مكافحة الإرهاب، ما يدفع بعض الجنود والضباط إلى ترك وظائفهم أو الانخراط في منظومة الفساد، وهو ما أدى إلى تحول إقليم الساحل إلى مركز للجريمة المنظمة، خاصة الاتجار في المخدرات والبشر، وتزايد هشاشة الحدود بين دول الإقليم.

لقد أسفرت العسكرة الفرنسية، فضلاً عن المحفزات المتداخلة للإرهاب والتطرف، عن نشوء تلاقٍ بين الجماعات الإرهابية في الساحل الأفريقي، حتى أن جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» هي التي أعلنت مسؤوليتها عن الهجمات الأخيرة في وأغادوغو، رداً على مقتل عدد من عناصر هذه الجماعة وقادتها، ومنهم «الحسين الأنصاري» القائد العسكري السابق لجماعة «المرابطون» الذي قُتل في قصف للطيران الفرنسي في شمال مالي. وقد بايعت هذه الجماعة التي تأسست العام الماضي تنظيم «القاعدة»، واستطاعت توحيد أربع تنظيمات متطرفة تحت رايتها.

وبصفة عامة يتزايد وجود الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل (والتي ينتمي معظمها إلى تنظيم «القاعدة»)، على رغم التواجد العسكري الغربي في هذه المنطقة، والدعم الغربي لحكومات المنطقة الاستبدادية، وتكوين التجمعات الإقليمية لمحاربة الإرهاب، حيث لا تهتم الدول المتدخلة في المنطقة بطبيعة الأنظمة الحاكمة ومستوى الحريات وحقوق الإنسان في هذه الدول.

ويلاحظ أن الدول الغربية لا تزال رؤيتها قاصرة في فهم أبعاد ظاهرة الإرهاب في الواقع الأفريقي وآليات مواجهتها، حيث تحتاج الدول الأفريقية إلى تفعيل التعاون فيما بينها لمواجهة هذه الظاهرة، ومحاولة البحث عن حلول لمشكلة التمويل الذاتي الذي تعاني منه التجمعات الإقليمية- الأفريقية المشتركة.

أميرة محمد عبدالحليم مركز المستقبل للبحوث والدراسات المتقدمة

نقلا عن الحياة اللندنية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا يتمدد الإرهاب في الساحل الأفريقي لماذا يتمدد الإرهاب في الساحل الأفريقي



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:36 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:09 2024 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

مميزات كثيرة لسيراميك الأرضيات في المنزل المعاصر

GMT 05:00 2024 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

بوجاتي تشيرون الخارقة في مواجهة مع مكوك فضاء

GMT 05:50 2024 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

تسلا تنشر صور للشاحنة سايبرتراك باختبار الشتاء

GMT 13:06 2021 الأحد ,03 تشرين الأول / أكتوبر

منة شلبي عضو لجنة تحكيم الأفلام الطويلة بمهرجان الجونة

GMT 20:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

رسميًا إيهاب جلال مديرًا فنيا لنادي بيراميدز
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon