بقلم : نبيل السهلي
صادق البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) قبل أيام بالقراءتين الثانية والثالثة على قانون يخوّل وزير داخلية الاحتلال سحب هويات المقدسيين بحجة «خرق الأمانة لدولة إسرائيل». ويأتي القانون كخطوة انتقامية من الفلسطينيين في القدس، ويتناقض مع مبادئ القانون الدولي الذي يقرّ بأن الفلسطينيين في القدس هم أصحاب الأرض الأصليون ويمنع طردهم من وطنهم، والأخطر من ذلك أن سحب هويات المقدسيين يعتبر بحد ذاته تطهيراً وتهجيراً صامتاً للمقدسيين.
فمنذ احتلالها مدينة القدس، أصدرت إسرائيل العديد من القوانين العنصرية من أبرزها قانون ضمّ القدس في صيف عام 1980، وترسيم حدود المدينة ومصادرة أراضي الفلسطينيين لبناء مستوطنات عليها، ومن ثم هدم مئات المنازل، إلى جانب بناء جدار الفصل العنصري الذي صادر آلاف الدونمات، علاوة على عدم وضع مخططات بناء للفلسطينيين في القدس الشرقية بغية إجبارهم على ترك مدينتهم، وصولاً لتحقيق المشروع الإسرائيلي الهادف إلى أن يبلغ عدد اليهود في القدس 88 في المئة من نسبة السكان مقابل 12 في المئة فقط من العرب في حلول 2020.
واللافت أنه في فترة حكومة نتانياهو الحالية تسارعت وتيرة الاستيطان في القدس تسارعاً غير مسبوق. وقد صدرت قوانين إسرائيلية عديدة خلال الأعوام الماضية هدفها الإخلال في الواقع الديموغرافي لصالح اليهود في المدينة في نهاية المطاف، وقد كان قانون تهويد التعليم وكذلك قانون الغائبين في القدس من أخطر القوانين الإسرائيلية الصادرة، فالقانون الأول يرمي إلى طرد أكثر من ثلاثين ألف طالب مقدسي إلى خارج مدينتهم، في حين تسعى المؤسسة الإسرائيلية من وراء القانون الثاني إلى السيطرة على أملاك المقدسيين الذين طردوا خلال العقود الماضية من الاحتلال.
واللافت أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ اتفاقات أوسلو في أيلول (سبتمبر) 1993 سعت إلى تهويد الجزء الشرقي من مدينة القدس لمحاصرة آمال الفلسطينيين، خصوصاً تلك المتعلقة بجعل الجزء الشرقي عاصمة الدولة الفلسطينية المنشودة، حيث ارتفعت وتيرة مصادرة أراضي الفلسطينيين ومحالهم التجارية وعقاراتهم في مدينة القدس، وتبعاً لذلك باتت النسبة الكبرى من المستوطنين اليهود تتمركز في المستوطنات الإسرائيلية وفي أحياء داخل مدينة القدس، حيث تلف المدينة بعدد من الأطواق الاستيطانية، ناهيك عن الأحياء اليهودية التي أقيمت داخل مدينة القدس نفسها. وتسعى حكومة نتانياهو إلى فرض هيمنة ديموغرافية يهودية مطلقة في القدس بحلول عام 2020 مستغلة قرار ترامب نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.
ويمكن الجزم بأن إسرائيل ستعتمد الزيادة المقترحة لليهود في المدينة من خلال استيعاب اليهود القادمين من الخارج، عبر محاولات فتح قنوات للهجرة اليهودية الكثيفة بعد تراجعها من الدول الأوروبية، فضلاً عن الإعلان عن مغريات مالية إسرائيلية للعائلة اليهودية التي تقطن في القدس، وذلك بغية ارتفاع مجموع اليهود في المدينة، فضلاً عن اعتماد سياسة إجلائية مبرمجة إزاء العرب المقدسيين لترحيلهم بصمت عنها، عبر إبطال شرعية إقامتهم في مدينتهم من خلال اتباع الإجراءات التالية: إذا عاش الفلسطيني خارج القدس سبع سنوات متتالية، أو إذا حصل على جنسية أخرى، وكذلك الحال إذا سجل العربي المقدسي إقامته في بلد آخر. وتبعاً لهذه الحالات فإن المصادر الإسرائيلية تقدر عدد العرب في القدس المعرضين لفقدان بطاقة الهوية العائدة لهم بنحو ستين ألف عربي، وهذا يعني ترحيلهم من مدينة القدس أو إبقاءهم خارجها بحلول عام 2020.
ويشار إلى أن كافة الإجراءات الإسرائيلية لترحيل عرب القدس وضعت وفق أحكام القانون الإسرائيلي الدقيق والمخططة سلفاً، فصاحب الأرض -وفقاً لنسق تطور الملكية والسكان- معرض في أي لحظة لسلب حقه وإقامته، بينما يكفي لليهودي الآتي من دول العالم المختلفة أن يعلن نية القدوم إلى فلسطين المحتلة حتى يصبح مواطناً في القدس، ولا يفقدها حتى لو غاب عشر سنوات أو سبعين سنة أو حمل جنسية أخرى، على عكس العربي صاحب الأرض الذي تفرض عليه قوانين إسرائيلية جائرة، لاستلاب أرضه لفرض جغرافيا وديموغرافيا قسرية، ولهذا يبرز إلى الأمام سؤال جوهري حول سبل مواجهة أخطار تهويد القدس وبالتالي تثبيت المقدسيين من جهة، والعمل على تدويل قضية القدس من جهة أخرى، خصوصاً أن هناك قرارات دولية تؤكد على أنها أرض فلسطينية محتلة، وكافة المتغيرات الديموغرافية والجغرافية التي فرضتها الإجراءات الإسرائيلية لاغية وباطلة.
نقلًا عن الحياة اللندنية