بقلم : نبيل السهلي
مع تفاقم العنصرية في إسرائيل خلال السنوات الأخيرة، برزت أسئلة حول أسباب استمرار إسرائيل كدولة أبارتهايد على حساب الشعب الفلسطيني وأرضه. وقد استطاعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1948 استحضار حليف خارجي له وزنه في إطار العلاقات الدولية؛ وذلك بغية المزاوجة بين إمكاناتها الذاتية وبين الدعم الخارجي لها وتعزيز شكل من أشكال القوة، واستثمار تلك القوة في اتجاهين: الاتجاه الأول يتمثل في محاولة استكمال بناء المؤسسات الإسرائيلية؛ والعمل على توفير المقومات الاقتصادية والبشرية والعسكرية الضامنة لبقاء واستمرار إسرائيل كدولة غير طبيعية في المنطقة العربية. أما الاتجاه الثاني فيكمن في استحضار القوة للتصدي للتحديات الخارجية، ونقصد هنا هاجس الخوف الإسرائيلي من القوة العسكرية العربية.
يذكر أن إسرائيل اتجهت إلى التحالف مع فرنسا في منتصف الخمسينات من القرن العشرين كمصدر أساسي لتسليح الجيش الإسرائيلي، كما استطاعت بناء علاقة وطيدة مع ألمانيا الغربية سابقاً، واستفادت من الدعم الألماني المتميز في المجالات العسكرية والاقتصادية حتى منتصف السبعينات من القرن المنصرم، وقد سبق تلك العلاقات اعتماد الحركة الصهيونية ووليدتها إسرائيل على الدعم البريطاني في المجالات الديبلوماسية والسياسية والعسكرية. وبعد إنشائها في عام 1948 استطاعت إسرائيل استحضار حليف قوي، بريطانيا وفرنسا وتالياً استحضار الحليف الأميركي القوي، حيث تميزت العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل بأنها علاقة خاصة بالمقارنة مع علاقات الولايات المتحدة الأميركية مع الدول الأخرى في العالم، ويكمن السبب في رسم تلك العلاقات في الدور الذي تقوم به إسرائيل في إطار المصالح الأميركية السياسية والإستراتيجية في الشرق الأوسط من جهة، فضلاً عن نشاط اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة ودوره في المحافظة على التأييد الأميركي لإسرائيل في كافة المستويات العسكرية والسياسية والديبلوماسية من جهة أخرى. وتعتبر حرب حزيران (يونيو) في عام 1967 حداً فاصلاً بين المرحلة التي كانت فيها إسرائيل تلعب دوراً هاماً في إطار المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، والمرحلة التي أصبحت فيها إسرائيل تلعب الدور الرئيسي، الأمر الذي ترك بصماته على علاقات الولايات المتحدة المتميزة وغير العادية مع إسرائيل. ومولت إسرائيل حروبها وعدوانها على الدول العربية بالاعتماد على المساعدات الأميركية السنوية اللوجستية والطارئة. وتجاوبت الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ عام 1967 مع الإستراتيجية التي تقوم على تطوير التحالف مع إسرائيل وترسيخه في مختلف الميادين السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والديبلوماسية، وقد تجلى ذلك بالدعم الأميركي لإسرائيل في أروقة المنظمة الدولية واستخدام حق النقض الفيتو ضد أية محاولة لإصدار قرار يدين ممارسات إسرائيل واعتداءاتها المتكررة على الدول العربية، وذهبت الإدارات الأميركية إلى أبعد من ذلك في إفشال إصدار أي قرار دولي يدين الأعمال التعسفية لإسرائيل في المنطقة.
ووصلت قيمة المساعدات الأميركية لإسرائيل خلال الفترة (1948- 2018) إلى 131 بليون دولار، نحو 60 في المئة منها نسبة المساعدات العسكرية، و40 في المئة نسبة المساعدات الاقتصادية، والملاحظ أن المساعدات الأميركية لإسرائيل كانت اقتصادية بمجملها قبل عام 1967. ومن المقدر أن تصل قيمة هذه المساعدات إلى 170 بليون دولار بحلول عام 2030؛ وإذا احتسبنا المساعدات غير المباشرة وكذلك مساعدات الجالية اليهودية في الولايات المتحدة لإسرائيل السنوية، فإن قيمة المساعدات الأميركية الإجمالية المباشرة وغير المباشرة ستصل إلى نحو 210 بليون دولار أميركي بحلول العام المذكور.
ويبقى القول إن إسرائيل ومنذ نشأتها في عام 1948 استطاعت استحضار حليف قوي، وكان التحول الكبير بعد عدوان حزيران 1967، لكن لا بد من الإشارة إلى أن استمرار العلاقة الإستراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة سيبقى مرهوناً بمدى الدور الذي تلعبه إسرائيل في إطار المصالح الأميركية في الشرق الأوسط.
* كاتب فلسطيني
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الحياة