بقلم -نبيل السهلي
بعد قرار إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خفض المساعدات المالية السنوية لوكالة «أونروا» قبل فترة، من 125 مليون دولار إلى 60 مليون دولار، بدأ مشرّعون أميركيون أخيراً العمل لسن قانون جديد من شأنه تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين عبر الاعتراف بـأربعين ألف لاجئ فلسطيني، يمثلون نحو واحد في المئة من أصل أكثر من خمسة ملايين. ولهذا تحرّك عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي لسن قانون يتعلق في إعادة النظر بالمساعدات السنوية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، بحيث يتم اعتماد عدد جديد للاجئين الفلسطينيين الذين تتولاهم الوكالة، وعليه سيتم تحديد المساعدة المالية وفقاً لعدد هؤلاء اللاجئين المعترف بهم رسمياً. وثمة تقديرات بأن نسبة اللاجئين الفلسطينيين الذين ولدوا في فلسطين لم يتجاوز (2) في المئة من مجموع اللاجئين خلال العام الحالي 2018.
ولهذا باتت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في وضع صعب جداً، خصوصاً أنها بصدد تقليص خدماتها الصحية والتعليمية والإغاثية لنحو ستة ملايين لاجئ فلسطيني، يقيمون في خمس مناطق لجوء، هي سورية ولبنان والأردن والضفة الغربية وقطاع غزة، حيث تعاني الوكالة أصلاً من عجز مالي كبير. والملاحظ أن القرار الأميركي سياسي بامتياز، هدفه الضغط على الفلسطينيين، وإخضاعهم لقبول ما تسمى «صفقة القرن» التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية بتفاصيلها المتشعبة، وفي المقدمة منها قضية اللاجئين الفلسطينيين عبر تغييب «أونروا» وشطب القرار 194 من أجندة الأمم المتحدة. واللافت أن المسعى الأميركي الجديد يتساوق إلى حد كبير مع التوجهات الإسرائيلية الرامية إلى تغييب دور «أونروا» عبر تصفيتها، وبالتالي تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، حيث هناك إجماع في الساحة السياسية الإسرائيلية بعدم تحمل إسرائيل أي مسؤولية سياسية أو قانونية أو أخلاقية إزاء قضية اللاجئين الفلسطينيين، ووجوب حلها بتوطينهم أو إعادة تهجيرهم إلى دول جاذبة اقتصادياً في أميركا وكندا وأستراليا ودول أوروبية.
والملاحظ أن مسعى إدارة ترامب لتغييب «أونروا» والأساس القانوني لحق العودة، ترافق مع إلغاء مساعدات مالية قبل عدة أيام للسلطة الفلسطينية بقيمة (200) مليون دولار أميركي، فضلاً عن مطالبات إسرائيلية في إنهاء عمل الوكالة في الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل سريع، خصوصاً أن التوقيت فرصة ذهبية لتنفيذ ذلك، في ظل أزمة الوكالة المالية.
وثمّة إجماع بين المتابعين على أن «أونروا» لا تبحث عن حلٍّ لأزمة عجزها المالي، بل تعتبرها عاملاً مساعداً لإيقاف خدماتها للاجئين الفلسطينيين. وبالتالي، إنهاء قضية اللاجئين التي تحاول إسرائيل تصفيتها وفق مشاريع تهجير وتوطين، يتم الإعلان عنها بين فترة وأخرى. وثمة تسريبات إعلامية تشي بأن الوكالة تسعى ليصبح اللاجئون فئتين: لاجئ مسجل وآخر مسجل ومستحق، وهذا يعني أن ليس كل لاجئ مسجل في سجلات «أونروا» يستحق الخدمات التي تقدمها، من تعليم وصحة وإغاثة، ما يؤدي إلى حصر الخدمة بالحالات الصعبة. وبذلك يتم إغلاق نسبة كبيرة من برامج الخدمات، لأن تعريف المستحق سيصبح مرتبطاً بالحد الأدنى للأجور في مناطق عمليات «أونروا»، في دول اللجوء الخمس المشار إليها. الأخطر من ذلك هو الحديث الإعلامي في شأن وجود ضغوط دولية قوية لإعادة تعريف صفة اللاجئ الفلسطيني، بحيث يصبح اللاجئ هو من خرج من فلسطين عام 1948، وأن صفة اللجوء لا تورّث. وإضافة إلى ذلك سيتضمن التعريف الجديد أن اللاجئ الذي يتمتع بأي جنسية أو إقامة دائمة في أي بلد ستسحب منه صفة اللاجئ، وبذلك تصبح «أونروا» مسؤولة فقط عن حوالى 30 ألف لاجئ فلسطيني، تزيد أعمارهم على 70 سنة، وتتخلى قانونياً عن ستة ملايين لاجئ مسجلين في سجلاتها.
في مقابل ذلك، تعرّف «أونروا» اللاجئ الفلسطيني منذ انطلاق عملياتها في عام 1950، بأنه كل من كان يقيم في فلسطين ما بين حزيران (يونيو) 1946 وحتى مايو (أيار) 1948، والذي فقد بيته ومورد رزقه نتيجة حرب 1948. ولهذا، يجب أن تكون الخدمات التي تقدمها «أونروا» متاحة للاجئين كافة الذين يقيمون في مناطق عملياتها، وينطبق عليهم هذا التعريف، والمسجلين لديها ويحتاجون إلى المساعدة. كما أن ذرية أولئك اللاجئين الفلسطينيين الأصليين يستحقون أيضاً أن يتم تسجيلهم في سجلات الوكالة. عندما بدأت الوكالة عملها في عام 1950، كانت تلبي حاجات نحو 850 ألف لاجئ، واليوم هناك ما يقارب ستة ملايين لاجئ فلسطيني يستحقون الحصول على خدماتها، أكثر من 50 في المئة منهم أطفال دون الخامسة عشرة من العمر، ما يعني أن فئة الأطفال الفلسطينيين ستكون الأكثر تضرراً من تقليصات خدمات الوكالة.
ولمواجهة المسعى الأميركي– الإسرائيلي لتغييب وكالة الأونروا وشطب القرار 194، لا بد من اتخاذ منظمة التحرير الفلسطينية موقفاً عملياً للضغط من خلال علاقاتها الدولية على الأمم المتحدة، خصوصاً في وقت كثر فيه الحديث عن مشاريع توطين لعدد من اللاجئين في دول الجوار الجغرافي العربية، أي سورية ولبنان والأردن، والعمل على تهجير عدد آخر باتجاه كندا وأستراليا، وبعض الدول الأوروبية.
نقلا عن الحياه اللندنيه
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع