بقلم : نبيل السهلي
طرحت التحولات في المشهد العربي أسئلة عديدة حول آفاق الاقتصاد المعرفي، فضلاً عن معوقات الثورة المعرفية بشكل عام، وإمكانية اتساع ظاهرة المجتمعات الافتراضية. فعلى رغم ارتفاع مجموع المستفيدين من الخدمات الاجتماعية، وتحسن المؤشرات في عدد كبير من الدول العربية، مثل: معدلات القراءة بين البالغين والشباب، إضافة إلى معدلات الالتحاق بمراحل التعليم المختلفة، ومتوسط العمر المتوقع وتراجع معدلات الوفيات؛ وكذلك التحسن الملحوظ في مستويات التعليم والصحة وفق التقارير الاقتصادية الصادرة عن صندوق النقد العربي خلال العقدين الماضيين، فإن الثابت أن ثمة أزمات حقيقية ما زالت ماثلة للعيان؛ تهدد إلى حد كبير الإنجازات المشار إليها؛ وكذلك تعتبر في الوقت ذاته من المعوقات الأساسية للثورة المعرفية في العالم العربي. ومن تلك الأزمات انتشار وتوسع ظاهرة الفقر والفقر المدقع والبطالة والأمية.
وفي هذا السياق يمكن القول إن ظاهرة الأمية الآخذة في التفاقم بسبب معوقات التعليم والارتفاع الكبير في مجموع السكان- حيث يتعدى معدل النمو السكاني في غالبية الدول العربية 3 في المئة سنوياً- تعتبر من المشكلات المستعصية في الدول العربية، وقد سعت غالبية الدول إلى الحد من اتساع تلك الظاهرة، لكن ببطء شديد. وقد أشارت معطيات تقارير التنمية البشرية الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي خلال الفترة الممتدة خلال الأعوام (1991-2017)، وكذلك التقارير الاقتصادية العربية الصادرة عن الجامعة العربية وصندوق النقد العربي خلال الفترة ذاتها، إلى تدني معدلات التنمية البشرية في غالبية الدول العربية، حيث تقاس بمؤشر يتمثل في معدلات التعليم والعمر المتوقع، ومتوسط دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. ومن بين أكثر من 170 دولة في العالم تضمنت التقارير مؤشرات عنها، لم تتبوأ أية دولة عربية مراتب متقدمة.
في مقابل ذلك تصدرت دول النرويج والسويد واليابان وأميركا والدنمارك وفرنسا وبريطانيا وكندا مراتب متقدمة في تقارير التنمية البشرية السنوية الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي نظراً لأنها حققت معدلات مرتفعة في مستويات دخل الفرد من الناتج المحلي المتحقق والعمر المتوقع وكذلك التعليم. إضافة لما تقدم سجل مؤشر الأمية بين الشباب العربي بشكل عام نحو (20) في المئة من إجمالي مجموع الفئة المذكورة، التي تصل نسبتها إلى نحو 20 في المئة، من إجمالي سكان الدول العربية خلال عام 2017.
وبطبيعة الحال تتفاوت المعدلات بين دولة عربية وأخرى، وقد سُجّل المعدل الأدنى في دول مجلس التعاون الخليجي، نظراً لارتفاع معدلات التنمية البشرية المتحققة مقارنة ببقية الدول العربية، في حين كانت معدلات الأمية مرتفعة جداً في كل من الصومال وموريتانيا والسودان. وعموماً يتركز معظم الأميين في الأرياف العربية التي تستحوذ على القسم الأكبر من مجموع السكان في الوطن العربي؛ وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى أن نسبة سكان الأرياف تصل إلى نحو 60 في المئة من سكان غالبية الدول العربية، وترتفع النسبة في الدول العربية الإفريقية.
وعلى سبيل المثال تبلغ نسبة الأميين من الشباب في الريف ضعفيْ ما هي عليه في المدن في كل من الجزائر والمغرب ومصر وتونس. كل ذلك ينعكس سلباً على مستوى الأداء الاقتصادي بالمعنى العام وبمعناه المعرفي أيضاً. وتشير دراسات متخصصة إلى وجود أزمات مستعصية تعاني منها المجتمعات العربية، حالت دون الاستفادة بالشكل المطلوب من تكنولوجيا المعلومات وثورة الاتصالات، وتعزى الفجوات الكبيرة في هذا المجال بين الدول العربية وبعض الأقاليم في العالم إلى أسباب عدة؛ من أهمها الكلفة العالية لهذه التكنولوجيا مقارنة بمتوسط الدخل المنخفض في بعض الدول العربية، ناهيك عن ارتفاع معدلات الأمية وضعف الإلمام باللغات الأجنبية والمهارات المطلوبة لاستخدام هذه التكنولوجيا حتى بين المتعلمين.
لكن بداية الألف ميل تبدأ بخطوة باتجاه الأمام في ظل وجود القدرات الكامنة بين الشباب العربي، حيث يصل عددهم إلى نحو (85) مليون شاب وشابة من أصل (370) مليون هم سكان الوطن العربي خلال العام الحالي 2018.
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع