توقيت القاهرة المحلي 09:24:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الديمقراطية ليست الحل السحري

  مصر اليوم -

الديمقراطية ليست الحل السحري

بقلم : فهد سليمان الشقيران

سأقف هذه المرة تتمة للمقالة الماضية حول الشغب الانتخابي والديمقراطية، وعن إمكان تحققها في مجتمعات أميّة.

كارل بوبر يقول: «يجب حماية الديمقراطية من غير الديمقراطيين»، والسجال بين الفلاسفة حول التطبيق للديمقراطية على المجتمعات لا يزال شديداً ومحتدماً. برتراند راسل يقول: «الديمقراطية تكاد تكون مستحيلة التطبيق في شعب جاهل، وهي ترتبط بالتعليم والثقافة». كارل بوبر جاء بعد هيغل، وهو من أشرس نقاد فلسفة هيغل وفي نظريته «المجتمع المفتوح وأعداؤه»، ربط بين الديمقراطية ومستوى تحضر الشعب بحيث يصل إلى حال احتياج للنظام الديمقراطي، فالثقافة الديمقراطية لدى بوبر تسبق تطبيق الديمقراطية الآلي.

أما الفيلسوف الألماني هيغل فهو نقيض رؤية بوبر وراسل، يكتب: «إن الشعوب ليست قاصرة ولم تكن قاصرة في أي مرحلة من المراحل على الإطلاق». يستمر هيغل: «إن تطبيق الديمقراطية بين شعب تغلب عليه الأمية ستكون عرجاء أو فاسدة أو ناقصة، لكنها ستكون ديمقراطية على أي حال، وسيكون وجودها أفضلَ بكثير من انعدامها، فالناس تمارس الديمقراطية وتخطئ». يرى هيغل أن «أفضل علاج لأخطاء الديمقراطية هو المزيد من الديمقراطية، فالممارسة تصحح نفسها باستمرار وتعدل من أخطائها إلى أن تصل إلى الحد الذي نرجوه، إننا هنا أمام تدريب يشبه تدريب المواطن على قيادة السيارة لا يمكن أن يؤجل بحجة أنه يقع في أخطاء، لا وصاية على الشعب حتى ولو كان أمياً متخلفاً، لأنه هو في النهاية صاحب المصلحة الحقيقية».

كتبتُ من قبل عن رؤية إريك هوبزباوم حول آلية الانتخاب وصدقيتها في تمثيل الشعب، لكنني اليوم أعرض الخلاف والسجال بين الفلاسفة حول الحاجات الأولية من أجل تطبيق الديمقراطية على المجتمعات. الحال العربية التي تعصف بينها وبين نفسها غلياناً وهياجاً تعبر عن أسى عميق من الرداءة التي أحاطت بحياة الشعوب، وهو غليان مفهوم للغاية. لكن الطريق إلى الديمقراطية المدنية التي تحصّنت ضد الاختراق الآيديولوجي، ومن استغلال غير الديمقراطيين للديمقراطية هي الرحلة التي لم تبدأ بعد.

هيغل المناصر لتطبيق الديمقراطية على كل المجتمعات في أسرع وقت، هو ذاته الذي طالب بـ«ثورة علمية» تسبق «الثورة العملية». بغض النظر عن السجال الدائر والحامي حول إيجابية الثورات الحاصلة وسلبياتها، فهذا ليس موضع نقاشي الآن، فإن الثورات العلمية هي الطريقة الأولى والأساسية للدخول في أي عملية إصلاح مدني وديمقراطي. المجتمعات الأمية ستكون صدقية انتخابها مهزوزة، لأن الاستقلال الذاتي في الانتخاب واتخاذ القرار يأتي مع الاطلاع والمعرفة والقدرة على التجرد والاختيار الشخصي المبني على تفكير طويل تجاه الشخصية المنتخبة. حين طبقت الديمقراطيات التي جاءت عبر الانقلابات الديمقراطية هيمن عليها العسكر، وصار الرئيس يفوز بنسبٍ خيالية، وبات «التوريث» أحد وجوه «الجمهورية»، فطمس الفرد وأزهق مفهوم الديمقراطية من أساسه.

إن الحصانة الأولى لأي مفهوم أن يسبق بمعرفة طبيعته، والمجتمعات التي تعجبها المفاهيم لا يكفي أن تراها وتنتمي إليها بوصف أنها حل سحري

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الديمقراطية ليست الحل السحري الديمقراطية ليست الحل السحري



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon