توقيت القاهرة المحلي 07:53:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مفاوضات القاهرة... أسئلة الاستحالة والإمكان

  مصر اليوم -

مفاوضات القاهرة أسئلة الاستحالة والإمكان

بقلم : فهد سليمان الشقيران

من البديهي عدّ حرب غزة غير سهلة كما كان يتوقّع البعض. إنَّها حرب متحرّكة وشرسة، ولم يقتصر أثرُها على المحيط الفلسطيني الإسرائيلي، بل امتدّ إلى البحر الأحمر ومضيق باب المندب، حرب اشتعلت فيها المحاور، وتشابكت المشاريع.

حرب السفن فاجأت الولايات المتحدة، لم تكن بوارد أن تؤثر هذه الحرب إلى مدى استعمال الحوثي صواريخ باليستية، وإغراق السفن، واستهداف الملاحة؛ وهو استهداف عزّز من نشاط القرصنة في البحار، وشجَّع على تمكين مشروع الفوضى من التغلغل.

لا يمكن التنبؤ بمدى مثل هذه الحروب التي تكبر مثل كرة الثلج، وإذا كان تصرّف من معتوه أشعل حرباً عالمية، فمن الممكن أن تكون هذه الحدّية في الحرب بين الطرفين واختيار أقاصي الخيارات أن يزيدا من آثار هذه الحرب ومن المأساة الإنسانية، وتوسع مداها. إنها حرب كبيرة رغم ما يخيّل للبعض أنها محدودة بساحلٍ وأرضٍ معقّدة، وسط سعي إسرائيلي أمني حثيث للزحف الجغرافي، وإمكانات توسّع الحرب البرية نحو رفح، وربما امتدّت هذه الحرب لأشهرٍ قادمة.

المفاوضات تواجه انسداداتٍ كبرى، الفلسطينيون منقسمون عمودياً، وداخل كل من القسمين أقسام وأمشاج. «حماس» ليست كتلة واحدة، ثمة أجنحة عسكرية متطرفة داخلية ترفض تقديم التنازلات، حتى كتابة هذه المقالة ثمة تصريحات تتحدَّث عن «إزالة الكيان الإسرائيلي» بوصفه هدفاً لـ«حماس» من هذه الحرب، بينما إسرائيل تطرح هدفين أمنيين أكثر من كونهما سياسيين، هما: القضاء على «حماس»، وتحرير المختطفين، وبرغم قول بعض الإسرائيليين المهتمين بالموضوع بأن على حكومة الحرب الاكتفاء بالهدف الثاني لتفادي المزيد من الإنهاك العسكري، والخسائر الميدانية، فإن نتنياهو ماضٍ بهذه الحرب حتى النهاية. وبرغم أن هذه الحرب بالنسبة لنتنياهو مشتبكة بين الشخصي حيث يريد تعزيز حظوظ بقائه، وبين العسكري، إذ يريد أن يثبت للداخل الإسرائيلي قدرته على الانتصار، فإنه سيسير في التعنت والمناورة في التفاوض حتى لو خسر الانتخابات. ثمة حشد نفسي كبير في الداخل الإسرائيلي ليس لنتنياهو بشخصه وإنما للحكومة، لا نحو الاستمرار بالحرب، ولا نحو تحقيق هدف القضاء على «حماس»، وإنما نحو «الانتقام». هذه الحرب ليست أمنية فقط، وإنما يصعّب نهايتها اتجاهها نحو العقائدية... إنها ليست حرباً للتأديب، ولا لكسر شوكة «حماس» فقط، وإنما من أجل الانتقام؛ حين نفهم هذه النقطة نعرف مدى الانسداد الذي تواجهه مفاوضات القاهرة، وصعوبة وصولها إلى اتفاق.

لأول مرة منذ قيام إسرائيل يشعر المجتمع داخلياً أنه تحت التهديد. صحيح أن ثمة أهدافاً جزئية حققتها إسرائيل، منها تفتيت البنية الهيكلية التحتية لـ«حماس»، والقضاء على الترسانة الصاروخية، وملاحقة كبار القادة، غير أن هذا الهدف غير كافٍ من أجل الاقتناع بزوال الخطر. المطلوب في نظر إسرائيل تفريغ حكومة «حماس» من القدرات الإدارية في الداخل، ومن ثم النقاش حول الجهة التي ستقوم بإدارة القطاع، ومن بعد ذلك ضمان عدم وجود أي نسبة خطر من غزة على إسرائيل. الحرب ليست تقليدية وإنما مختلفة كلياً عن الحروب التي خاضتها إسرائيل على جنوب لبنان، أو على الانتفاضة الفلسطينية، أو حرب غزة عام 2008... هذه الحرب حرب وجود، والحديث عن حرب وجود لا يعني أن بإمكان «حماس» أن تقضي على إسرائيل، ولكن معلوم أن الحركات تستطيع أن تهزّ كيانات كبرى، ولذلك يشبّه الإسرائيليون ما حدث في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، بما حدث لأميركا في 11 سبتمبر (أيلول)، لم تسقط «القاعدة» أميركا، ولكن الاهتزاز يشكّل خطراً على الأمن القومي. إن الحديث عن خطر وجود يعني تحريك كل إمكانات حماية الأمن القومي الإسرائيلي، هكذا يفكر الإسرائيليون بحكومتهم وشعبهم. يصف بعض المتابعين هذه الحرب بأنها تشبه حرب «الاستقلال الثاني»، أي أنها حرب تأسيس ثانية تتضمن بنود تعامل جديدة مع القضية الفلسطينية برمتها، وإعادة صياغة وتوصيف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

تصريحات بايدن وهاريس حول الحرب تركز على نقطتين هما: أولاً: المساعدات الإنسانية، والضغط «قدر الإمكان» على إسرائيل لتسهيل دخولها، حيث أثمر ذلك عن صمت إسرائيلي على مضض عن الإنزال الجوي للمساعدات. والنقطة الثانية: الدخول في مفاوضات ربما تثمر عن أحد أمرين أحدهما محتمل مثل الهدنة أو التهدئة، والآخر صعب للغاية أقله في الوقت الحالي هو وقف إطلاق النار والتوصل لاتفاق لإيقاف الحرب كلياً، وهذا لن يتم خلال هذه الأشهر على الأغلب.

المربك أن خطاب «حماس» السياسي، هو خطاب المكتب السياسي، الذي يحاول أن يتوازن مع ضغوط حلفائه في المنطقة نحو إيجاد كوّة في الجدار، ولكن خطاب الجناح العسكري والفصائل المتنوّعة معه تطرح خطابات غاية في الحدة، مما يجعل فهم المطالب التي تريدها «حماس» من إسرائيل صعبة الفهم. إنها مرحلة معقدة من الخطاب السياسي «الحمساوي»، فبينما يتحدث خالد مشعل وموسى أبو مرزوق عن الاستعداد للتفاوض، رغم أنهم يطرحون أحياناً أن من شرط التفاوض العودة إلى ما قبل 7 أكتوبر، وهذا ما ترفضه إسرائيل، نجد الطرف الداخلي يتحدث بطريقة عقائدية تجعل الحرب أبدية ولا أمد لها، حين يتحدثون عن زوال الكيان من جذوره؛ هذا هدف يعرف قادة «حماس» كلهم أنه مستحيل التحقق. لقد شكّل هذا الانقسام حجر عثرة أمام الاتفاق على نقاط ينطلق منها الوسيط من أجل إيجاد ورقة يمكن التعديل والإضافة عليها.

الخلاصة... إن هذه الحرب بكل حدية أطرافها، وبكل المجازر التي ارتكبت، والضحايا الذين سقطوا، سيبقى أثرها على المنطقة طويلاً، الأهم الآن التركيز على المساعدات الإنسانية؛ لأن التوصل إلى اتفاقٍ أو هدنة أمر غاية في الصعوبة إلا إن تحققت معجزة، أو إن تغيّرت أساليب الاشتباك. للأسف إن أكثر ما جعل المتناحرين عبر التاريخ يتجهون نحو اتفاقٍ مبرم، إما أن تحدث مجزرة غير اعتيادية تهزّ العالم، فتجعل الكل ينتفض مثل اتفاق «دايتون» أو أن يشعر الطرفان بالإنهاك، مما يجعل فرص الاتفاق أكبر، ولكن في كلتا الحالتين الخاسر الأكبر هم المدنيون الذين يقعون تحت نير هذه الحرب الطاحنة، وما من حربٍ عاقلة، ولا أخلاقية، ففي الحروب تتحرك النزعات والغرائز ويُعرج بالعقول.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفاوضات القاهرة أسئلة الاستحالة والإمكان مفاوضات القاهرة أسئلة الاستحالة والإمكان



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:21 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

برشلونة يحتفل بذكرى تتويج ميسي بالكرة الذهبية عام 2010

GMT 11:32 2020 الجمعة ,25 كانون الأول / ديسمبر

دبي تهدي كريستيانو رونالدو رقم سيارة مميز

GMT 04:41 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

وزارة الصحة الروسية تسمح بتغيير نظام اختبار لقاح "Sputnik V"

GMT 21:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

أول تعليق من نيمار بعد قرعة دوري أبطال أوروبا

GMT 06:29 2020 السبت ,17 تشرين الأول / أكتوبر

حمادة هلال يهنئ مصطفي قمر علي افتتاح مطعمه الجديد

GMT 07:23 2020 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الجبس في مصر اليوم الجمعة 16 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 14:35 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

سموحة يعلن سلبية مسحة كورونا استعدادًا لمواجهة المقاصة

GMT 01:05 2020 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

الزمالك يقبل هدية الأهلي لتأمين الوصافة ويُطيح بحرس الحدود

GMT 15:44 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

سموحة يبحث عن مدافعين لتدعيم صفوفه في الميركاتو الصيفي

GMT 07:13 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الجبس في مصر اليوم الإثنين 12 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 06:34 2020 الأربعاء ,07 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حفل عقد قران هنادى مهنا وأحمد خالد صالح

GMT 15:02 2020 الأربعاء ,30 أيلول / سبتمبر

خيتافي وفالنسيا يتقاسمان صدارة الدوري الإسباني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon