توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مانشيني... خرافة الحرب العادلة

  مصر اليوم -

مانشيني خرافة الحرب العادلة

بقلم : فهد سليمان الشقيران

للحروب نزواتها ونزعاتها، ولها أخطاؤها وأخطارها، ولكنها في التوصيف الأخير أحد أسس التداول بين البشر عبر التاريخ. والعجيب أن لا أحد يفضّل الحرب، ولكن تنزلق الجيوش نحو هذه الحرب أو تلك لسبب سياسي معيّن. ليست كل الحروب غير ضرورية بل بعضها أساسي لحماية الأمن القومي، أو لإضعاف خصمٍ معين، أو لكسب نفوذ إقليمي منشود. والحرب جزء من السياسة، لا يمكن وجود كيان سياسي لا يضع على طاولته خيار الحرب، وهذا ما يبرهن عليه التاريخ وأضرب مثلاً بما ألفه كريس مكناب، حين طرح كتاباً مهماً بعنوان «مختصر تاريخ الحروب»، وفيه يتناول كما في ديباجة الكتاب قصة الحرب منذ أقدم تجسيد لها في النزاعات القبلية ما قبل التاريخية مروراً بحروب الإمبراطوريات العظيمة والعالمية، وصولاً إلى صراعات محاربة التمرد والصراعات «الهجينة»، ويدرس تاريخ تطور الجيوش من قوات تشكل في حينها وقوات موسمية إلى جيوش ثابتة ومهنية وفي مرحلة لاحقة وفي عصر الصراع العالمي وصولاً إلى التجنيد الجماهيري.

يوضح كريس مكناب ارتباط الحروب بقصة تطوّر الإنسان، وهذا يذكّرني بمقولة هيراقليطس «الحرب هي ربّة الأشياء». جزء كبير من القوانين والمواثيق التي ينعم بها الإنسان الآن جاءت بعد حروبٍ طاحنة.

يضرب مكناب أمثلة عن الحروب عبر العصور بضمنها المعارك المبكرة مثل معركة أكتيوم (معركة بحرية هزم فيها أنتوني وكليوباترا سنة 31 ق. م - المترجم) وماراثون Marathon (معركة وقعت في سنة 490 ق. م انتصر فيها جيش أثينا وحلفاؤه على جيش الفرس - المترجم)، مروراً بالصراعات الكبيرة في بداية الحقبة الحديثة بضمنها حرب الزهور، وحرب المائة عام في أوروبا، بالإضافة إلى تأثير الشعوب المقاتلة العظيمة مثل المغول. وتبلغ ذروتها في الحربين العالميتين في القرن العشرين وفي العديد من الحروب الإقليمية التي تلت وتستمر حتى وقتنا الحاضر.

مجلة «المجلة» ممثلة بـ«أمارجي» أجرت حواراً مع الفيلسوف روبرتو مانشيني الذي حمل على عاتقه سؤال السلم والعدل ودرَس فلسفات الحرب، يجيب عن كثيرٍ من الأسئلة التي تشغل المهتمين بسياسات الحرب.

يرى مانشيني أن «لا سلام من دون عدالة. من الشائع جداً في العلاقات الدولية وجود اختلالات في التوازن وأخطاء وهيمنة لأحد الطرفين على الآخر، واستمرار هذه الاختلالات يهيئ الظروف للجوء إلى العنف، وهكذا تظل كل حرب وقعت أرضاً خصبة لحروب مقبلة. أما ثالث الأسباب فمؤداه أن الهويات البشرية (للأفراد والجماعات على حد سواء) لا تزال، حتى الآن، تتطور بوصفها هويات حصرية بغرض الانفصال عن أولئك الذين يُنظَر إليهم على أنهم (الآخرون): المختلفون، والأجانب، والكفار، والأعداء. يشق على البشرية أن ترى نفسها عائلة واحدة تعيش على الكوكب نفسه». لكن حين نسأله هل من حربٍ عادلة؟!

هذا سؤال مقلق، يجيب عنه بحذر: «تشير الوقائع التاريخية، بما لا يدع مجالاً للشك، إلى أن الحرب مؤسسة قديمة جداً ومهيبة، تنفجر بعد أن تكون قد استعدت لذلك طويلاً في القلوب والعقول والعلاقات الاقتصادية والعلاقات الدولية والمسارات التعليمية، في المفاهيم الخاطئة التي لازمتنا أمداً طويلاً، مثلما تتحول كرة صغيرة من الثلج، شيئاً فشيئاً، إلى انهيار جليدي مَهول. فالأمر، إذاً، يتعلق بكسر هذه الدورة قبل أن ينفجر العنف في صورة حرب. وفقاً لهذه النظرة الواقعية إلى ديناميات الوقائع، يتبين لنا أن نظرية الحرب (العادلة) كذبة تمنعنا من رؤية دور ومسؤولية كل شخص على مستوى الفرد والجماعة والمؤسسة. إن التزام رؤية وتمييز ديناميات التاريخ يساعدنا على عدم فصم العروة بين الضمير والفعل، بين العقيدة والفاعلية. إنه التزام فحواه، في الدرجة الأولى، المسؤولية الفاعلة. وأقصد بالتحديد مسؤولية أن يضطلع كل فرد بدوره لكي يصبح العالم أقرب ما يكون إلى السلام وأبعد ما يكون عن الحرب. ومهما اتسمت أحداث العالم بالعنف والمآسي، فإن هذا لا يبرر لنا تقاعسنا عن القيام بدورنا في تحسين الوضع».

وعن نظريات «اللاعنف» التي تقرن بـ«غاندي» أو «مانديلا» (مع أنه اشترك في أعمال هجومية) يرى مانشيني أنه وعبر التاريخ «نضجت تجارب اللاعنف في حركات جماعية، حتى لو أصبح أفراد بعينهم رمزاً لها. هذه هي الحالة النموذجية التي يجسدها غاندي بصفته رائداً اختبر اللاعنف منهجاً في الحياة والممارسة الروحية والعمل السياسي. لذا فإن حقيقة وجود رجال ونساء تمكنوا بشكل فردي من أن يجسدوا ذروة الإنسانية في حياتهم لا ينبغي أخذه دليلاً على عدم ملاءَمة اللاعنف للجماعات والمؤسسات. لقد صنع غاندي نقطة التحول تلك منذ اجتماع جوهانسبورغ في سبتمبر (أيلول) 1906. هناك اجتمع المضطهَدون من قِبل المستعمرين الأوروبيين في جنوب أفريقيا لإيجاد شكل جديد من النضال».

الخلاصة؛ أن الحروب بما فيها حروب العصرين البرونزي والحديدي هي جزء من تاريخ التشكيل البشري، ومع كل التقدم الذي وصل إليه الإنسان على جميع المستويات، فإن أداة الحرب تعد من أهم أسلحة حفظ المصالح المطروحة على الطاولة، وما يشهده العالم اليوم من نزاعات وصراعات، إنما هو امتداد لاستحالة وجود حروب عادلة بالمعنى المطلق، ولا إيجاد حربٍ أخلاقية، فالحرب هي الحرب، لكن هذا لا يعني عدم محاولة تحسين وضع الحرب، هذه هي مهمة النظرية الأخلاقية الدارسة لأساليب الحرب وأدوات الصراع، بل يمكن للمؤسسات الدولية أن تتقدم أكثر في سبيل حماية المدنيين، وتقوية تحديد قواعد الاشتباك، لكنها نظريات وقواعد وقوانين من السهل أن يتم تجاوزها، لأن الحرب حين تنشب لا يمكن ضبطها، إنها تحوّل الإنسان من حالته المدنية إلى حالة الطبيعة وأخلاق الغاب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مانشيني خرافة الحرب العادلة مانشيني خرافة الحرب العادلة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء

GMT 10:26 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

" لفات الحجاب" الأمثل لصاحبات الوجه الطويل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon