توقيت القاهرة المحلي 09:03:43 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أثر الهجوم على سياسات الفلسفة

  مصر اليوم -

أثر الهجوم على سياسات الفلسفة

بقلم : فهد سليمان الشقيران

لطالما ظلّ فضاء الفلسفة مولّداً للكثير من الأسئلة الحيوية، وبخاصةٍ ونحن نعيش ضمن حومة من الأحداث المفصلية الكبرى، والتحديات الأخلاقية، والصراعات السياسية. والمعنى الرئيسي للفلسفة هو السؤال، ولا يمكن فصل أي فلسفةٍ عن سؤالها؛ إذ الفلسفة تعمل على أسئلة كاتبها، وعلى وعي متلقيها، هذا هو الترابط المؤسس لأي موضوع فلسفي مطروح.

قلتها مراراً إن الفلسفة كما يرى لويس ألتوسير في كتابه المهم «تأهيل الفلسفة للذين ليسوا بفلاسفة» أن: «أي فلسفة تريد أن تعرف نفسها حقّاً، بصدق، وتعرف المكان الذي تشغله في عالَم الفلسفة، وما يميّزها تخصيصاً عن سواها من الفلسفات، فعلى هذه الفلسفة أن تقوم بالالتفاف الكبير حول تاريخ الفلسفة، وأن تُقدِم على أفعال قريبة وبعيدة، وأكثرها بُعداً عنها؛ كي تتمكّن من الرجوع إلى المنزل محمّلة بالمقارنات، ومن اكتشاف ما يجعل معرفتَها بنفسها أفضل قليلاً. كلّ الفلسفات الكبرى تقوم بهذا الالتفاف الكبير: كانط راح يبحث لدى أفلاطون البعيد ولدى ديكارت القريب، عمّا يتعرّف به إلى نفسه. وماركس راح يبحث في نهاية العالَم لدى أرسطو ولدى الأقرب».

في مقالةٍ مهمةٍ نشرتها مجلة «حكمة» ومؤسسها الراحل الدكتور يوسف الصمعان، بعنوان: «ضرورة الهجوم على الفلسفة» كتبتْها إيرين غوميز أولانو، والحقّ أن فيها الكثير من التأملات المهمة؛ فهي ترى أننا: «إذا تأملنا بالفكر الفلسفي المعاصر فسنجد أن أكثر الذين انتقدوا الفلسفة كانوا ينتمون إلى حقول خارجة عن الفلسفة، ولكن أصبحوا فلاسفة بانتقادهم، فهذا أشهر فيلولوجي في القرن التاسع عشر، فريديريك نيتشه ينتقد بشدة الميتافيزيقا لا لشيء إلا لأن الفلسفة انجرفت كلياً إليها، فسعى إلى إذكاء جذوة الفكر ومعارضة تاريخ الفلسفة».

ماركس انتفض ضد النزوع التأملي للفلسفة (على طريقة نزعة هيغل)؛ إذ يقول إن «الفلسفة لم تفعل شيئاً أكثر من التأمل في العالم وإصدار تأويلات حوله، في حين أنه يجب تغيير العالم»، إضافة إلى أن ماركس قد عرى عن الطابع الآيديولوجي الذي تخفيه الفلسفة».

أما عن الفلسفات الشذرية التي نمت بها أفكار العديد من الفلاسفة، ومنهم نيتشه في بعض كتبه وليس كلها، فتقول عنها: «إذا تأملنا الفكر الفلسفي المعاصر فسنجد أن أكثر الذين انتقدوا الفلسفة كانوا ينتمون إلى حقول خارجة عن الفلسفة، ولكن أصبحوا فلاسفة بانتقادهم، فهذا أشهر فيلولوجي في القرن التاسع عشر، فريديريك نيتشه ينتقد بشدة الميتافيزيقا، لا لشيء إلا لأن الفلسفة انجرفت كلياً إليها، فسعى إلى إذكاء جذوة الفكر ومعارضة تاريخ الفلسفة. وهذا أيضا ماركس انتفض ضد النزوع التأملي للفلسفة؛ إذ يقول: إن «الفلسفة لم تفعل شيئاً أكثر من التأمل في العالم، وإصدار تأويلات حوله، في حين أنه يجب تغيير العالم».

الخلاصة أنَّ الفلسفة نجحت بمهمة «نزع السحر عن العالم»، كما يقول ماكس فيبر. لقد تمكَّنت الفلسفة من طرح الرؤى القديمة على أنَّها أفكار اعتيادية، وفي نظر «هابرماس» فإنَّ هيغل: «أول من طرح مسألة قطيعة الحداثة مع الإلهامات المعيارية للماضي التي هي غريبة عنها في صيغة مُشكل فلسفي». ثم إنَّ مفعول الفلسفة يتطوّر تبعاً لتطوّر منابع الإشكاليات الفلسفية، وذلك بتغيّر العصر، كما أنَّ «أثرها» لا يبدو واضحاً للعيان، وتحتاج إلى عبقرية تشبه عبقرية الفيلسوف الرياضي «فريجه»، الذي لم يحفل علماء عصره بما كتب، فكتب إلى ابنه يتوسل إليه ويطلبه أن يحتفظ بهذه الوريقات، فسيأتي يوم ما من يرى فيها ما يفيد، وهو ما حصل فعلاً مع قراءة بيرتراند راسل لها. إنَّ أثرها سيختلف عن المفاعيل الأخرى كالجهود السياسية، أو الأعمال العادية من ناحية سرعة التأثير، بل التدمير، بل وظيفة الفلسفة مبنيّة على سؤالها؛ إذ لكل فلسفة أسئلتها الخاصة، فالفلسفة فضاء ممتد خالٍ من المضامين، وبطرح السؤال تتكوّن الفلسفات وتتخلّق، وعليه فإنَّ التأهيل الحقيقي لأي مشروعٍ فلسفي كامن في التشجيع على السؤال، والاستفادة من حيوية العقل البشري الجبّار الذي يمكّن الإنسان دوماً من طرح الأسئلة الجديدة التي تشجع من فاعلية المجال الفلسفي، في سبيل تطوّر قوّة الإجابة أو محاولة الإجابة عن السؤال.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أثر الهجوم على سياسات الفلسفة أثر الهجوم على سياسات الفلسفة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon