توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

معضلة «تأهيل المتطرفين»

  مصر اليوم -

معضلة «تأهيل المتطرفين»

بقلم : فهد سليمان الشقيران

تُفرض تحديات تأهيل المتطرفين على الأرض وبخاصة لدى الحكومات التي اكتوت بلدانها بنيران التطرف. فهي معضلة مركبة وآية ذلك أن المؤلفات حول هذا الموضوع لا تزال تطرح. من هنا جاء هذا المقال ليعرض أحدث الكتب المطبوعة قبل أيام عن مركز المسبار للدراسات والبحوث.

يتناول مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتابه المعنون: «تأهيل المتطرفين في مصر: النماذج والتحديات» (الكتاب الخامس والتسعون بعد المائة، مارس «آذار» 2023)، تجربة الدولة المصرية في إدماج المتراجعين من متطرفي الجماعات الإسلاموية في المجتمع، مروراً بما سُمّي «المراجعات» الفكرية لجماعات العنف والإرهاب الإسلاموية في العقود الماضية، عبر رصد نموذَجي الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد وأوجه القصور في الحد من العنف، وآليات التحديث المطلوبة لهذه «المراجعات».

عرض الباحث المصري أحمد شلاطة؛ في فاتحة الكتاب، الخطوط العامة لاستراتيجيات مكافحة الإرهاب؛ مع التركيز على المسارات «الاستباقية» و«المتوازية مع الحدث الإرهابي»، ثم التالية للمواجهات. أعادت الدراسة النظر في فاعلي الإرهاب والموقوفين؛ فقيّمت البرامج، وطرحت سيناريوهات أوضاعهم بعد المحاكمة، وسبل دمجهم في المجتمع. تحدد الدراسة أزمات التطبيق، وتحدّيات برامج المكافحة، موصية بضرورة «إنتاج معالجات أكثر قدرة وكفاءة في التعامل مع العوامل المركبة المفضية لإنتاج الإرهاب».

تناول المستشار القانوني المصري حسين حمودة مصطفى، سردية «إعادة إدماج عناصر التنظيمات الإرهابية في الحالة المصرية»؛ انطلاقاً من تقويم مفهوم الاندماج نفسه من زاوية دراسات الأمن الفكري؛ متتبعاً أسباب وصول المتطرف لمرحلة الاندماج، فيربط نجاحها بالطريقة التي انتهى بها الفعل الإرهابي؛ عبر واحدة من المسارات الثلاثة: الهزيمة نتيجة الضغط، التفكك، إغراء الاندماج داخل النظام السياسي. ركّزت الدراسة على محاولة إعادة إدماج التائب من الإرهابيين والمتطرفين، وأقرّت بالمشكلات أو العقبات في استراتيجيات الدّمج الفوقي أو البراغماتي؛ فتتبعتها في مصر، منذ عهد الملك فؤاد، وبعد ثورة يوليو (تموز) 1952؛ مروراً بمراحل في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، والرئيس أنور السادات الذي شهد عهده محاولة دمج مطعّمة بأهداف سياسية؛ انقلبت نتيجتها وأدت إلى اغتياله. ثم تناول الباحث محاولات دمج التائب من الجماعات الإرهابية في عهد الرئيس حسني مبارك، التي على نجاحها المحدود، ارتكست بعد ردِة الجماعة الإسلامية التي لحقت بـ«الإخوان» في تبنّي مواقف انتهت بها إلى أن أُدرجت عام 2018 على قوائم الكيانات الإرهابية. تضمنت الدراسة شهادة من رجال الأمن والمفكرين، على رأسهم اللواء فؤاد علام؛ الذين فرّقوا بين إدماج جماعة الإخوان الإرهابية؛ والجماعات الإرهابية الأخرى، في التاريخ المصري.

قدّم أستاذ الطب النفسي محمد المهدي دراسة تقييمية للتجربة المصرية في دمج المتطرفين؛ عبر تشريح منهج تحفيز العقل المتطرف، وبحث نمط التدين الصراعي؛ الذي يتبنى الرؤية الأحادية، ويعتمد الوثوقية الإقصائية، والتعبد بمفاهيم التقية والسريّة واليأس والعنف، وتقديس الخطوات نحو العزلة الشعورية، التي يحميها بالمبالغة في الدفاعات النفسية، كالإنكار والتبرير والتهويل والإزاحة، واستدعاء الكراهية والمحنة والمظلومية والاضطهاد. أبرز الباحث استراتيجيات تفكيك هذه التطرفية المفرطة، في بيئة السجون، التي يحذر من إمكانية تحولها إلى محضن تجنيد وترسيخ، ما لم تؤخذ خطوات التأهيل الإيجابي، عبر برامج يعمل عليها المتخصصون في علم النفس والاجتماع والتربية، مفصّلاً ملامح تطور التجربة المصرية منذ أواخر التسعينات، كما عرض جهود مؤسسة الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية، في مواجهة التطرف، مع توصية حول ضرورة «تدريس أدب الخلاف الديني والفكري والسياسي الاجتماعي ضمن المناهج الدراسية» لتطوير المواجهة الشاملة.

لاحظ الباحث والخبير المصري حسن محمد في دراسته، أن برامج الدمج يجب أن تأخذ في الاعتبار، الخصوصية المجتمعية والتاريخية للمستهدفين، وانطلق من ذلك باستحضار التجربة المصرية، منذ التسعينات من القرن المنصرم، شارحاً هياكل ومؤسسات الدمج وإعادة التأهيل وجانبها الفكري والآيديولوجي؛ بالتركيز على الرعاية الاجتماعية اللازمة لعمليات الدمج والتأهيل. حاول الباحث عكس مراحل التجنيد؛ بدءاً من فكّ ارتباط المتطرف بجماعته؛ وإيجاد الحاضنة البديلة؛ وإعادة بناء الثقة في المجتمع لكسر جدران العزلة الشعورية التي استثمرت فيها التنظيمات المتطرفة.

تشير الدراسة إلى المؤسسات العامة والدينية المشاركة في هذه العمليات، وعلى رأسها مراكز البحوث، ومؤسسات استشعار التطرف، والأزهر الشريف؛ للمساعدة في التأهيل، وتصحيح المفاهيم الداعية للموت وبناء المفاهيم الحيوية. اعتبر الباحث أنّ توظيف المتطرفين في سلك مكافحة التطرف، يقدم لمحة مفيدة، داعياً إلى رعاية برامج «العائدين من التطرف»، وتعزيزها، لإنجاح الإدماج؛ وتحويل التائب، إلى عضو مفيد في مجتمعه الذي يعود إليه، يثري مسار المحتوى البديل؛ عارضاً مجموعة الخطوات الرعائية الاجتماعية التي تحتاج إليها العملية لكي تنجح.

وفي الجانب العملي، المباشر، ناقش الباحث المصري ماهر فرغلي، تجربة اندماج الجماعة الإسلامية المصرية، بالتركيز على جانب المراجعات التي انطلقت عام 1997؛ برعاية اللواء أحمد رأفت، مع قيادات الجماعة، والتي أفضت إلى تجربة حاولت الدول المجاورة استنساخها في مكافحة التطرف وتبريده. تناولت الدراسة مراحل ظهور الجماعة الإسلامية، من الانشقاق عن «الإخوان» في السبعينات من القرن الماضي، إلى التورط في عمليات إرهابية كاغتيال الرئيس أنور السادات، واقتحام محلات غير المسلمين، وتبرير ذلك عبر كتب ومجلات تابعة للجماعة.

الخلاصة أن تأهيل المتطرفين يحتاج إلى ورشات كبرى أمنية ونفسية واجتماعية؛ ومن الخطأ اعتبار المراجعات المنقوصة دليلاً على التجاوز، بل لا بد من الرقابة على المتراجعين لأنهم قد يمثلون دور التراجع ودراما التوبة من الإرهاب، وهنا يأتي دور الحكومات الكبير في تأهيل المتطرفين ودفعهم نحو الخروج الكامل من فضاء التطرف الفكري والميداني.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معضلة «تأهيل المتطرفين» معضلة «تأهيل المتطرفين»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon