بقلم : فهد سليمان الشقيران
بعد الحادث الإرهابي على «أرامكو» في بقيق بدأت تتضح أزمات دول ومجتمعات وتياراتٍ وأحزابٍ مع السعودية؛ وآية ذلك أن الثعابين بدأت تنفث سمها في «السوشيال ميديا»، وعبر المداخلات الفضائية، والتدوينات الهاتفية. لم يعد الإرهاب موضع تجريم جمعي لدى العرب والمسلمين، بل إن ثمة من يؤيد ويفرح ويغتبط بالجريمة، ويعتبرها انتصاراً له. منذ تأسيس المملكة العربية السعودية أضمر جمع من العرب والمسلمين العداء المستحكم لهذه الأرض، وبعد أن تفجّرت الأرض عن طاقاتها ومعادنها أشرب العداء الأول بحقدٍ دفين لاحق، وشخصياً خضت حواراتٍ مستفيضة مع جمعٍ من مثقفين اشتهرت بلدانهم وأحزابهم ومنظماتهم بالمواقف العميقة الكارهة للسعودية ينكرون ذلك علناً، ولكن ما إن تتقصى إلا ويأتيك القول شاهداً عليهم.
إن عملية بقيق الكارثية فتحت المجال لنا لننظر بشكلٍ دقيق لآثار الحادث، وسنعرف سريعاً من الذي فرح واستمتع بهذه الهجمة الإرهابية من قبل دول الشر والجماعات المارقة.
منذ خمس سنواتٍ والسعودية تخوض مرحلة تنويرية وسط محيطٍ إقليمي مشبع بالدول الفاشلة، وبالجماعات الإرهابية، وبكياناتٍ مجتمعية أمية وجاهلة، وسط هذا الزخم السعودي التحديثي تصاعدت مقاومة متطرفة شرسة تعارض المد الحديث، تفضّل للسعوديين البقاء في غياهب التاريخ، ولا تريد لهم أن يضارعوا أحدث ما وصلت إليه البشرية على كل المستويات الدنيوية. تلك المعارضة تأتي بشكلٍ أساسي من أنظمة قمعية شمولية شريرة مثل النظام الإيراني، وهو معروف بأنه نظام أصولي واستئصالي، ويعبر عن أقصى ما وصلت إليه الأنظمة من طغيان وقمع، ويعيش فيه الرجال والشيوخ والأطفال تحت التعذيب اليومي بسبب تسلط الأصولية الدينية، أما المرأة لديهم فتعامل بدرجة أحط من الحيوانات، والأرقام تشهد على هذه الحالة الأصولية المتصاعدة. ويدور في فلك هذا النظام الجماعات الدموية مثل جماعة «الإخوان»، و«حزب الله»، وتنظيمات «القاعدة» و«داعش» وحركة «حماس»، و«بوكو حرام»... كلها كيانات إرهابية تعارض التطوّر والتنوير الذي تقوده السعودية في هذه المنطقة المنهارة والفاشلة والموبوءة من هذا العالم.
فرح بهذا العمل التخريبي ما تبقى من عربٍ يعتقدون أن قضيتهم هي محور كل شيء، وأن كل تنمية وخطة وفكرة تحديثية يجب أن تنطلق من أخذ تلك القضية في الاعتبار، ويعتبرون القضية هي قطب رحى أي دولة عربية وإسلامية، والواقع أن القصّة شهدت تحولاتٍ ضرورية كبيرة، ولم تعد القضايا القديمة أساسية بالنسبة للمجتمعات المنشدة نحو المستقبل، ولا تناسب تلك الخطابات تطلعات الشعوب الشغوفة بالتطور والتحديث والراغبة فيهما، وبخاصة حين تكون القضية محاطة بالأعداء والإرهابيين والمتطرفين، أو حين ينشئ بعض المعنيين بالقضية حركات إرهابية تحت اسم المقاومة، كما تفعل حركة «حماس»، وكما هو تصرف «حزب الله» ضد دول مدنية ومجتمعاتٍ مطمئنة. أحد أصحاب القضية تمنى أن تقصف محطات تحلية المياه في السعودية ليموت السعوديون عطشاً، فهذه أخلاقيات أصحاب ما يعرف عادة باسم «القضية»، التي لم يبق منها إلا اسمها ورسمها.
ومن بين الفرحين أيضاً أولئك أصحاب الإدانات الناقصة، الذين يحيلون الجريمة البشعة لما يسمونه بموضوع «حرب اليمن»، أو التبرير الصريح كما هو الموقف التركي الذي يعتبر الحادث من الأمور الطبيعية التي أحدثتها الأزمة اليمنية (!) لقد كان بإمكان أولئك اللوذ بالصمت، أو الوقوف بشكلٍ صريح مع إيران والجماعات الإرهابية، والتأييد لجماعة الحوثي، فهم بذلك يحمون مصداقيتهم ويعبرون عن المكنون من المشاعر، والدفين من المواقف، ولعل العالم كله شهد وقوف الدول الكبرى، ذات الامتداد الحضاري، مع السعودية، وبخاصة المجتمع الغربي، أما مواقف الدول الراعية للإرهاب ومدى إنصافها للسعودية فأمر لا قيمة له، بل منحت مواقفهم المتابع فرصة ليميز الخبيث من الطيب، الإرهابي من المدني، الأصولي من الحداثي. وهذه طبيعة الأحداث الجسام.
آخر التيارات الفرحة بهذا العمل الخبيث من يعتبرون أن السعودية تختبئ وراء القوة الأميركية، وتراهم يسعون وبغباء نادر ذهاباً وجيئة عن مدى حماية أميركا للسعودية، وهذا القول الرائج إنما يفضح مستوى العته الشديد الذي يتسم به بعض الجيران العرب، فالسعودية بقوتها استطاعت خوض حروبٍ ناجحة شديدة التأثير على مستقبل المنطقة، وتحركت عسكرياً من خلال قوات «درع الجزيرة» فحمت البحرين، وسحقت الحوثيين باليمن وأعادتهم ألف سنة إلى الوراء، واليوم السعودية كما هي بالأمس تستطيع أن تخوض حروبها بقوتها الذاتية، وتصريحات الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تبين وبوضوح أن العلاقات مع الحلفاء مفيدة ولكن الدفاع عن الأرض ومقاومة دول الشر المارقة والجماعات الإرهابية أمر سعودي بحت.
في آخر المطاف فإن هذا العمل التخريبي كشف عن مستوى الخزي لدى البعض من العرب والمسلمين، فلا يمكن أن تعوّل على مجتمعاتٍ بهذه الهشاشة والتفاهة، وقدر السعودية أنها وجدت بكل ما تحمله من ضوءٍ ونور وسط دول معتمة تعاني من فشلٍ وانهيار وتيه وضياع.