توقيت القاهرة المحلي 20:45:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بماذا علّق الفلاسفة على حرب غزة؟!

  مصر اليوم -

بماذا علّق الفلاسفة على حرب غزة

بقلم : فهد سليمان الشقيران

في المقالة الماضية عرجتُ على وجهة نظر الفيلسوف المعمّر إدغار موران حول «العقل المحطّم»، وبما أنه فيلسوف لم يوقفه العمر عن المثابرة في متابعة الأحداث، فإنه أدلى برأيه كغيره من الفلاسفة الآخرين في أحداث غزة مع إسرائيل الدائرة الآن.

قبل ذلك أبدأ بمادة نُشِرت قبل أيام في «بي بي سي» لخَّصت آراء 4 فلاسفة من تحرير جوي سليم حول الحرب في غزة نشرها موقع الوكالة.

البداية بموقف الفيلسوفة الأميركية جوديث بتلر، إذ تصر على ضرورة أخذ تعبير «إبادة جماعية» على محمل الجد، لأنه يصف ما يحدث بالفعل؛ فالهجمات لا تستهدف المقاتلين فقط، وإنما تستهدف أيضاً السكّان والمدنيين في غزة، وهم يتعرضون للقصف والتهجير، وتُعدّ بتلر واحدة من عشرات الكتّاب والفنانين اليهود الأميركيين الذين وقّعوا رسالة مفتوحة إلى الرئيس الأميركي جو بايدن يدعون فيها إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، وهي أيضاً عضو في المجلس الاستشاري لمنظمة «الصوت اليهودي من أجل السلام». وكانت بتلر نشرت مقالاً في 13 أكتوبر (تشرين الأول) في «لوس أنجليس ريفيو بوكس»، تحدثت فيه عن أهمية وضع سياق تاريخي للأحداث الأخيرة، قاصدة بذلك هجمات «حماس» في السابع من أكتوبر. وقالت مؤلفة كتاب «قوة اللاعنف» إنه «لفهم كيفية وقوع حدث ما، أو ما هو معناه، يتعين علينا أن نتعلم من التاريخ. هذا يعني أنه يتعيّن علينا توسيع رؤيتنا إلى ما وراء اللحظة الحالية المروعة، من دون إنكار رعبها، في الوقت ذاته الذي نرفض فيه السماح لهذا الرعب بأن يختزل كل الرعب الموجود»، وأضافت بتلر أن «وسائل الإعلام المعاصرة، في معظمها، لا تفصّل الفظائع التي عاشها الشعب الفلسطيني لعقود من الزمن في شكل تفجيرات وهجمات تعسفية واعتقالات وقتل».

أما الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجك؛ فقد تحدث بحفل افتتاح الدورة الخامسة والسبعين من «معرض فرانكفورت الدولي للكتاب»، واستغرب من الحضور أنه «في اللحظة التي يذكر فيها المرء الحاجة إلى تحليل الخلفية المعقدة للوضع، فإنه يُتهم، كقاعدة عامة، بدعم أو تبرير إرهاب (حماس)»، ومنذ بدء هجوم «طوفان الأقصى»، شبَّه الفيلسوف السلوفيني، المعروف بوصفه واحداً من أشهر المفكّرين المعاصرين الأحياء وأكثرهم تأثيراً، حركة «حماس»، باليمين الإسرائيلي الحاكم في الوقت الراهن (كل ذلك بحسب «بي بي سي»).

أما الفيلسوف الجنوب أفريقي ديفيد بيناتار، فانتقد ما سمّاه «لوم الضحية»، أي «تحميل إسرائيل مسؤولية هجمات (حماس)»، وقال إنه كان يجب «التفكير في العواقب المحتملة لعدم قيام إسرائيل بضرب حماس (أو ضربها بشكل غير كاف) رداً على المجزرة». ورأى مؤلف كتاب «الأفضل ألا نوجد إطلاقاً - الضَّرر الكامن في المجيء إلى الوجود»، أن «إسرائيل ليست مستعمرة لأي بلد ولم يتم إنشاؤها على هذا الأساس»، مضيفاً أن الإسرائيليين «لديهم روابط الأجداد مع هذه الأرض».

بينما على موقعه الإلكتروني، دوّن الفيلسوف الإيطالي جورجيو أغامبين نصّاً مقتضباً بعنوان «صمت غزة». وكتب أغامبين، الذي عُرف باهتمامه بموضوعات متنوعة تراوحت بين فلسفة اللغة وفلسفة الأخلاق والقانون والأدب: «أعلن علماء من كلّية علوم النبات في جامعة تل أبيب، بالأيام الأخيرة، أنهم سجلوا بميكروفونات خاصة حسّاسة بالموجات فوق الصوتية صرخات الألم التي تصدرها النباتات عند قطعها أو عندما تفتقر إلى الماء. في غزة لا توجد ميكروفونات!».

بينما نشرت الوكالات خلاصة الرسالة التي وقَّعها الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس، رفقة 3 آخرين، حول «التضامن المفهوم مع إسرائيل واليهود في ألمانيا»؛ أن «هجوم (حماس) مذبحة مع النية المعلنة للقضاء على الحياة اليهودية بشكل عام». يعلق السيد ولد أباه على هذا الموقف: «ورغم تشبث هابرماس بالنموذج التواصلي المفتوح القائم على التداول البرهاني الحر، فإنه في الحقيقة لم يسعَ يوماً إلى اكتشاف الثقافات الأخرى، بما يبرز جلياً في كتابه الأخير حول تاريخ الفلسفة الذي ينطلق فيه من مركزية اللاهوت الأوروبي في تشكّل المنظومات الفلسفية».

بينما بدا موقف إدغار موران أكثر حكمة، حين كتب خلاصته عمران عبد الله: «فيما يشبه وصايا الحكماء المعمرين، يواصل عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي إدغار موران (1921) دق جرس إنذار الأزمة التي تتخبط فيها حضارتنا»، منبهاً بشكل خاص إلى مخاطر تفاقم العنف والجهل على مصير البشرية، دعا المفكر الفرنسي - صاحب كتاب «هل نسير إلى الهاوية؟» - لاتخاذ موقف و«عدم نسيان القضايا العادلة»، مشيراً إلى أنه يتخذ موقفاً يتمثل في القلق الإنساني تجاه أولئك الذين يعانون «وفي الوقت الحالي هم في غزة، أن الأمر ربما لا يكون سهلاً؛ ففي الواقع ليس الجميع ضد الحرب، وهناك أوقات يجرفنا فيها التيار، ويطلب منا أن نختار جانباً ونتخذ موقفاً. أنا أتخذ موقفاً من قلق الإنسان. إننا نعيش في عالم من عدم اليقين، حيث مصير الإنسان أمر منسيّ تماماً»، وفسر ذلك بقوله «لم تتعرض الإنسانية قط لمثل هذا القدر من المخاطر، لأنه إذا انتشرت الحرب على نطاق واسع واستُخدمت الأسلحة النووية وغيرها، فإننا لا نعرف إلى أين نتجه؟ لأي تراجع، أو لأي انحطاط. إننا بحاجة لمواجهة هذا العالم الذي يبدو فوضوياً، الفوضى تحمل في طياتها قوى التدمير والإنشاء (التكوين)».

اللافت الذي يستحق التوقف أن موران دعا إلى «عدم كراهية العدو»، حين قال: «خضتُ الحرب (العالمية الثانية) من دون كراهية للألمان. كنت أكره النازية وآيديولوجيتها، لكنني أعتقد أن المسألة الحقيقية هي عدم الاستسلام لهذه العملية الحتمية التي تؤدي إليها الفكرة الخاطئة بأننا نواجه وحوشاً دائماً، أو أناساً من الطبقة السفلية، أو حيوانات».

الخلاصة أن مواقف هؤلاء الفلاسفة بقدر ما تتناقض، وبقدر ما يختار كل من أولئك موقعه من الطرفين، فإن ما يهمنا إرباك الحدث بوصفه خارج التحديد النهائي. إنه جزء من أزمة فوضى، وجذره أن القصّة التي أسست للحرب الدموية الدائرة الآن تتعلق بتاريخ مشحون بالعداوة والتطاحن بين «حماس» وإسرائيل. إن الحدث بمعنى آخر يرمز لفشل في المقاربة المتجاوزة، وآية ذلك أن الفيلسوف المعمّر موران يفضّ الاشتباك بين كراهية العدو وحربه، ويدلل على ذلك بتجربته لا الفلسفية فحسب، وإنما التاريخية في الحرب العالمية أيضاً. إن هذه الآراء توضح مستوى تشظّي الحدث وعدم اقتصاره على الصراع على الأرض ولا باستعمال السلاح، وإنما بجوانب الصراع المضمرة الأخرى بين المتحاربين المجترّين لخصومات التاريخ.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بماذا علّق الفلاسفة على حرب غزة بماذا علّق الفلاسفة على حرب غزة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon