توقيت القاهرة المحلي 07:30:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مع رشيد الخيون حول ابن خلدون

  مصر اليوم -

مع رشيد الخيون حول ابن خلدون

بقلم : فهد سليمان الشقيران

كتب الصديق الدكتور رشيد الخيون مقالةً في جريدة «الاتحاد» بعنوان: «ابن خلدون بين التبخيس والتقديس» 7 يونيو (حزيران) 2023 وحرضني للتعليق عليه مقولتان هما لب ملاحظات الدكتور رشيد:

الأولى: ”يظن المقدسون أنْ ما كتبه ابن خَلدون لم يسبقه سابق، مثلما قال: «وأكملت المقدّمة على ذلك النَّحو الغريب، الّذي اهتديتُ إليه في تلك الخلوة، فسالت فيها شآبيب الكلام، والمعاني على الفِكر» (المقدمة). يقصد خلوته بقلعة بني سلامة (776هج)، غير أنّ مقدمته، على فصاحتها، لم تكن «نحو غريب»، ولا تُقصد ببيت كعب بن زُهير(ت:25هج): «ما أرانا نقول إلا مُعاراً/أو مُعاداً مِن قولنِا مكرورا» (ابن عبد ربه، العقد الفريد)، ففيها الجديد ومنها تطبيقات آراء السّابقين على الدّول والمجتمعات التي أدركها. كان ابن خَلدون حريصاً، يذكر مصادره، مشارقةً ومغاربةً، إلا رسائل إخوان الصَّفا، التي ظلالها وارفة على مقدمته”.

الثانية: ”كان ابن خَلدون، ابن عصره عظيماً، في كتابة التاريخ والأسلوب الذي كتب به مقدمته، لكنه ليس الأول الذي أستهل تاريخه بمقدمة فكريّة، سبقه ابن الطّقطقي (ت: 708هج) في «الفخريّ»، مع الاختلاف، وأنْ ما ورد في مقدمته كان استيعاباً للرسائل المذكورة. لسنا مع تقديس عليّ الورديّ (ت: 1995) عندما اعتبر المقدمة: «مِن فيض الخاطر» (منطق ابن خلدون)، ولا ساطع الحصريّ (ت: 1968): «تدفق مفاجئ بعد حدس باطنيّ» (دراسات في المقدمة). بالمقابل لسنا مع تبخيس سامي شوكة (ت: 1986)، مدير المعارف العراقيّة: «لو كنَّا وطنيين حقَّاً لنبشنا قبر ابن خَلدون، وأحرقنا كتبه» (الحصري، مذكراتي). فالعِلم ليس إلهاماً وفيوضَات، تراكم معرفيّ. كذلك لو أمتلك شوكة حِجةً لقدمها، ابن خَلدون ابن زمانه، لا يُحاسب بروح زماننا هذا”.

وملاحظة رشيد جريئة لأن التقديس لابن خلدون تجاوز كل الحدود المعرفية؛ وإذا تصفّحنا المؤلفات العربية الفكرية التي ازدهرت منذ ستينات القرن الماضي سنعثر على عناوين عدة خصصت لدراسة مقدمة ابن خلدون، وإذا أخذنا الأسماء الفكرية العربية الكبرى فإن معظمها خصصّت مؤلّفاً عن ابن خلدون بوصفه منظّراً للعمران وفاحصاً للمجتمعات وعالماً بمفاصل التاريخ وتقلباته ونكباته.

أسماء كثيرة خصّصت مؤلفاتٍ وصلت إلى حد التبجيل لابن خلدون، مثل علي أومليل ومحمد الجابري ومحمد جابر الأنصاري وعلي الوردي وغيرهم عشرات من المفكّرين الذين أخذوا على عاتقهم بثّ النظرية الخلدونية وحقّ لهم ذلك، بسبب كون هذا العبقري كان سابقاً لعصره في المقدّمة، لقد أسهم بشكلٍ كبير لإثراء البشرية، غير أن أنماط التبجيل عجزت عن نقد فكر ابن خلدون وذلك بغية الإفادة المضاعفة من فكره. وممارسة النقد ضد فكر ابن خلدون هي امتداد للمدرسة الخلدونية نفسها وإلا كنا ضمن الأعطال التي حذّر هو منها. نقد ابن خلدون شرط لممارسة الأدوات الخلدونية النقدية التي تحثّ على التجاوز باستمرار.

طوال العقود الماضية بقي فكر ابن خلدون مقدّساً وكأنه لم يخطئ ببعض مواقفه وأفكاره، غير أن المفكّر الراحل محمد أركون كان سبّاقاً لأن يشرّح ابن خلدون تفصيلياً في كتابه الضخم «نحو تاريخ مقارن للأديان التوحيدية» الذي طبع بعد رحيله، كان ابن خلدون هذه المرة موضع تشريحٍ، وذلك ضمن رؤية «نقد النقد» التي استعملها أركون مستمداً إياها من فلسفات «العقل المنبثق الصاعد»، أو فلسفات ما بعد الحداثة، بحيث يصبح النقد موضعاً للنقد، والأداة تضرب الأداة، وهكذا تعود الأدوات ضد أطرافها إلى ما لا نهاية. سأقف سريعاً مع نقد أركون لابن خلدون وهو نقد يحتاج إلى بحث مستقل.

ثمة نص لابن خلدون أرّق أركون كثيراً لنقرأه: «والملة الإسلامية لمّا كان الجهاد فيها مشروعاً لعموم الدعوة وحمل الكافة على دين الإسلام طوعاً أو كرهاً اتخذت فيها الخلافة والملك لتوجه الشوكة من القائمين بها إليهما معاً، وأما ما سوى الملة الإسلامية فلم تكن دعوتهم عامةً ولا الجهاد عندهم مشروعاً إلا في المدافعة فقط».

يتعجّب أركون من الحال التبجيلية لمقدمة ابن خلدون ويتعجّب أكثر ممن وصل به الحد إلى اعتبار ابن خلدون عالم أنثربولوجيا، أو أنه «مؤسس علم الاجتماع»، أو أن تتم مقارنته بميكافيللي، ذلك أن هذه العبارات مجرد مبالغات وإسقاطات، وابن خلدون في مقدمته بدا ضمن السياق الديني القروسطي معتمداً الحدود المشتركة للموقف اللاهوتي التقليدي. يكتب أركون: «لا ينبغي أن نبالغ بحداثته كثيراً، أو أن نسقط عليه مواقف الحداثة الفكرية، أي ما ليس فيه»، ويضيف في ختام نقده له بأن ابن خلدون ضمن السياق الأصولي التكفيري.

في الفصل الـ24 من المقدمة يكتب ابن خلدون: «في إبطال الفلسفة وفساد منتحلها»، ثم يبدأ الفصل: «هذه العلوم عارضة في العمران، كثيرة في المدن، وضررها في الدين كثير فواجب أن يصدع بشأنها ويُكشف عن المعتقد الحق بشأنها»، ثم راح يتفّه من هذا العلم ويحذّر ويشترط على قارئ الفلسفة شروطاً لا تختلف عن الشرط الأصولي الحالي للاطلاع على علوم «الكافرين».

حين تنتقد هذه الشخصيات الكبرى يشعر البعض بحالٍ من انتهاك المشروعية الوجدانية، ذلك أن انتماء هذا العالم معنا ضمن الهوية المشتركة والدين المشترك يشعرنا بنوعٍ من الزهوّ بالسبق، غير أن نقد أي شخصية طرحت مشروعاً جزء من الهدف العلمي ومن التطور النقدي، وابن خلدون ليس منزّهاً عن النقد وليس بمعزلٍ عنه.

من الضروري تأسيس ورش نقدية لمنتج ابن خلدون ضمن المستجدات العلمية والفلسفية والفكرية التي نعيشها في القرن الـ21، وهذا ليس تنقيصاً ولا تبخيساً وإنما لإثراء فكره وللاستجابة لمشروعه العمراني، لعل هياج التبجيل المستديم الذي غرقنا به يخف، ونبدأ بشجاعة لمواجهة مفكرينا ونوابغنا لترسيخ امتدادهم المعرفي، النقد شرط القراءة، والتبجيل موضوع وجداني لا قيمة له علمياً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مع رشيد الخيون حول ابن خلدون مع رشيد الخيون حول ابن خلدون



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon