توقيت القاهرة المحلي 20:16:08 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الفلسفة وسياسات التنمية

  مصر اليوم -

الفلسفة وسياسات التنمية

بقلم : فهد سليمان الشقيران

لم يعد الحديث عن تعليم الفلسفة محدوداً بمجالات التربية وسياسات التعليم، بل أضحى من صميم النقاش التنموي المرتبط بسياسات الدول لتحديد سبل الانتقال بمجتمعاتها نحو الأفضل والأجود.
«رؤية السعودية 2030» - مثلاً - من صميم ما تَرَكَّزَ عليه الانفتاح على العلوم والنظريات، والانطلاق نحو الفهم والنقاش بدلاً من الإضراب عن العلم ومقت العالم. تنص الرؤية في فصل التعليم على الآتي: «تسعى (الرؤية) إلى أن تواكب المناهجُ التطورات العلمية والحضارية؛ كي يكون الطالب على تواصل دائم مع أي تطورات علمية ومعرفية وأي مستجدات». ومن ذلك بالطبع المستجدات العلمية والفلسفية.
في أكتوبر (تشرين الأول) 2020 صدرت نسخة عربية لكتاب الفيلسوف الأميركي ماثيو ليبمان المفيد بعنوان «الفلسفة تدخل المدارس» (ترجمة عائشة يكن)، وليبمان معروف بأنه من مؤسسي تعليم الفلسفة والمنطق للأطفال، وكتَب الرواية الفلسفية، وخبَر طُرق التدريس.
جاء الكتاب بستة فصولٍ والكتاب بأصله مجموعة أوراقٍ ومحاضرات كُتبت في الثمانينات. في المقدمة انتصر لسقراط ضد أفلاطون الذي يحذر من تعليم الأطفال الفلسفة، لأن تعليمهم يجعلهم كالجراء ينهشون من داناهم، ولكن ليبمان يتجاوز هذه الحقبة بنظرياتٍ حديثة تجاوزت ذلك الشطط.
يصف المؤلف الفلسفة بأنها: «من العلوم الناجية. في عصر تم فيه دفع معظم العلوم الإنسانية نحو حائط مسدود، تمكنت الفلسفة بطريقة أو بأخرى من الصمود - ولو بالكاد - إلى حدٍ كبير، من خلال تحولها إلى صناعة المعرفة: على خطى سقراط! ولكن ثمن البقاء كان باهظاً: فقد اضطرت إلى التخلي عن كل الادعاءات - تقريباً - بأنها تمارس دوراً ذا أهمية اجتماعية. ومن المرجح أن يعترف حتى أكثر أساتذة الفلسفة شهرة في الوقت الحاضر، بأنهم لا يظهرون على ساحة الشؤون العالمية الواسعة، إلا كلاعبين صغار أو كأفراد من الجمهور»، حسب رأي المؤلف!
يؤكد ليبمان أن تعليم المنطق والفلسفة مثل تعليم بقية المواد يجب أن يرتبط التعليم بالتفكير بموضوع التعلم. يقول: «مما لا شك فيه أن ديوي هو الذي توقع في العصر الحديث، أن التعليم يجب أن يعاد تعريفه على أنه تعزيز للتفكير وليس نقلاً للمعرفة؛ وأنه لا يمكن أن يكون هناك فرق في الطريقة التي يُدرس بها المعلمون، والطريقة التي يُتوقع منهم التدريس بها؛ وأنه يجب عدم الخلط بين المنطق في أي تخصص من التخصصات، وتسلسل الاكتشافات التي من شأنها أن تشكل فهمه».
يجب التنويه إلى أن ليبمان يتناول تعليم الفلسفة للأطفال في الابتدائية بالإضافة للتعليم في الثانويات وما بعدها، وهو بين هاتين المرحلتين ينبه لضرورة التفريق بين تدريس النص الأساسي (المتن) وبين الشروحات أو النصوص الثانوية، يقول: «استبدال نص ثانوي بنصوص مقتبسة من مصادر أساسية، سيكون مثل دحرجة الصخرة بعيداً عن فتحة الكهف والسماح لأشعة الشمس بالدخول»، هنا يشرح ضرورة اختيار النصوص والمناهج الممكنة وغير المعقدة. وتعليم الأطفال الفلسفة، حَسَبه، «يشبه تشجيع القطة بسهولة أكبر على إيجاد طريقها للخروج من الصندوق، إذا تم تشغيل آلية الإغلاق بواسطة سلسلة بدلاً من مفتاح، كذلك يمكن تشجيع الطفل بسهولة أكبر على المشاركة في التعليم إذا كان التركيز أكبر على المناقشة بدلاً من تمارين الورقة والقلم. وتقوم المناقشة بشحذ التفكير المنطقي ومهارات التساؤل لدى الطفل، كما لا يمكن لشيء آخر فعله».
الخيط الرفيع الجامع لنظرية المؤلف حول تدريس الفلسفة في كتابه المطول، أن تعليمها يجب أن يتجاوز المحاذير القديمة سواء في التراث اليوناني، أو التراثات الأخرى، ويمكن الاعتماد على المتمرسين في التدريس والممارسين لتخصصهم في تعليم الطلاب، سواء للأطفال، أو لطلاب الثانويات، وهو بالمناسبة بقدر تركيزه على الأطفال في كتابه، يتوجه تلقائياً بعد صفحات للحديث عن تعليم الفلسفة للكبار في الثانويات وما بعدها، ويضع حدوداً معقولة للتفريق بين تحديات تعليمها لمختلف الأعمار. تقديم الفلسفة للطلاب عموماً شرطه الأساسي أن تتم مراجعة الفلسفة عبر تاريخها ونظرياتها وتشعبها الطويل من أجل تحديد تسلسل تفصيلي من دون أي مساس بالفضول الشديد أو قمع الاستعداد للنقاش، هذا شرط جوهري.
وتعليم الفلسفة هدفه غرس النقاش والتساؤل، ولا يعني ذلك تدمير الأخلاق بل إن الفلسفة بهذا تعزز من التفاهم بين الإنسان مع معرفته وأخلاقياته وروابطه المجتمعية. وإذا تمكنت المؤسسات من التهيئة النفسية للتعلم الفلسفي فإن الكتاب المدرسي لن يعود ذلك «الكائن الغريب» كما يصفه جون ديوي، بل يضعه أمام ألفة وسلامٍ مع الأسئلة والإشكالات، يمكن للفلسفة أن تكون حليفة له في مواجهة السؤال.
يصح ذلك على تعليم المنطق أيضاً، يضيف ليبمان: «والمنطق، بالطبع، رفيق لا غنى عنه لغرس التفكير المنطقي، لأن المعايير المنطقية هي المعايير الوحيدة التي نمتلكها والتي يمكن من خلالها التمييز بين التفكير الأفضل والأسوأ».
يمكن الاستفادة من طرح ليبمان حول التعليم الفلسفي في رصد ملامح أسس تعليمها بغية تمكين الطلبة عبرها من النجاح في بقية المهن والتخصصات. يرى بتعليمها تحقيقاً لنجاحات يمكنها صقل المؤسسات بكفاءات دربت على المنطق والمقارنة والمحاججة الفلسفية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفلسفة وسياسات التنمية الفلسفة وسياسات التنمية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 19:55 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025
  مصر اليوم - أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 00:03 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 13:37 2020 الأحد ,24 أيار / مايو

الفيفا يهدد الرجاء المغربي بعقوبة قاسية

GMT 12:48 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 19 مايو

GMT 16:51 2020 الثلاثاء ,31 آذار/ مارس

إصابة طبيب رافق بوتين في جولة "فيروس كورونا"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon