توقيت القاهرة المحلي 11:21:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ما بعد الغنوشي... وسياسات حزب النهضة

  مصر اليوم -

ما بعد الغنوشي وسياسات حزب النهضة

بقلم : فهد سليمان الشقيران

بإصدار الدائرة الجنائية المختصة في قضايا الفساد المالي بالمحكمة الابتدائية في تونس، حكماً بسجن زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي ثلاث سنوات مع النفاذ العاجل بتهمة تلقي تمويل أجنبي، يسدل الستار على قصةٍ مرعبة مرّت بها البلاد منذ تأسيس حركة النهضة وضخّ حراكها من لندن وعموم أوروبا؛ وهي حركة أمسكت بزمام الأمور لمدةٍ لحسن الحظّ أنها لم تطل، وما نفعت عبارات التنمية، ولا مزاعم العلمنة في طمأنة المجتمع التونسي من غدر الإخوان، بل سرعان ما تكشّفت الأوضاع، وتبيّن تورط القوم باغتيالات، وبتمويلٍ أجنبي، وبكشف الدولة للخارج باعتبارها دولة تابعة للجماعة، بل أشبه بالدولة المحتلّة من قبل التنظيم، ولكن اليقظة القانونية والسياسية، و«السستام» الرائع المبني منذ أيام الحبيب بورقيبة حرس «مفهوم الدولة» من الانهيار، وحمى الدولة من عواقب الاحتلال الإخواني الجهنمي.

شكّلت قرارات 25 يوليو (تموز) في تونس نقلة نوعية للدولة والمجتمع معاً، وحراسة للمؤسسات، وصيانة للتاريخ. لذلك أحيل إلى نتائج دراسات استراتيجية نوعية مهمة طرحها كتاب بعنوان: «بعد قرارات 25 يوليو في تونس - الإسلاموية والدولة» صدر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث. هدف الكتاب مناقشة وتحليل تداعيات القرارات الرئاسية على حركة النهضة ضمن مقاربات عدة، فإلى جانب المقاربة التاريخية، التي ساعدت على فهم تشكل الإسلاموية التونسية والالتباس المرافق لمراحل التأسيس، والفصام الآيديولوجي بين الدعوي والسياسي، والعزلة عن المجتمع ومعاداة التحديث؛ أبانت المقاربة النقدية، المخاطر المترتبة على سعي «إخوان تونس» إلى أخونة المجتمع وفرض قوالب اجتماعية متطرفة وأدوات تمكين ونفوذ تهدد، ليس البنى الاجتماعية فحسب، وإنما مقدرات الدولة وهويتها الحداثية.

الأكاديمي التونسي محمد الحداد يعتبر أنه من المهم إدراك الاختلاف بين الانتفاضة والثورة. تختلف الانتفاضة الاجتماعية عن الثورة بطابعها المطلبي، فهي لا تطرح فلسفة جديدة للحكم، وإنما تطلب من الحكم تحقيق مطالب معينة. يورد الحداد أن الرئيس قيس سعيد مصرّ على ألا يلتزم بفترة انتقالية لا محدودة ولا محدّدة. ولا يوجد في الفصل 80 من الدستور ما يفرض على الرئيس أن يتقيّد بأي فترة زمنية. وأشار إلى ما ردّده قيس سعيد بأن الديمقراطية التمثيلية انتهت في العالم، لكن يرى الباحث في الواقع أنّ كل النظم الديمقراطية ما زالت تعتمد هذا النظام، على الرغم من أنه محلّ الكثير من الانتقادات من مثقفين وجمعيات مدنية، متسائلاً: هل ينبغي أن يُنظَر خارج الغرب، إلى روسيا – مثلاً - حيث النظام ليس ديكتاتورياً كما في العهد الشيوعي، لكنه أيضاً ليس ديمقراطياً على الطريقة الغربية؟

بينما تناولت دراسة منذر بالضيافي أزمة الثقة التي لا تزال تميز علاقاتهم (الإخوان) بالعديد من قوى المجتمع، خصوصاً النخب، ما يجعلهم مطالبين بتفنيد كل المخاوف عبر التعاطي بإيجابية وبتفاعل عقلاني مع المجتمع التونسي، من خلال الانتصار إلى «إسلام تونسي» يأخذ في المقام الأول خصوصية التجربة التحديثية التونسية، التي تعود إلى حركة الإصلاح في القرن التاسع عشر، وتعد دولة الاستقلال استمراراً لها. كذلك العمل من أجل التأسيس لتوافق بين هوية المجتمع وعلمانية الدولة، والابتعاد عن الأخطاء القاتلة التي طبعت تجارب حكم الإسلاموية.

أحمد نظيف يرى أن «التمكين» في المشروع الإخواني يأخذ موقعاً تتويجياً في البعد الخلاصي لهذه السردية، ذلك أنه منتهى آمال وجهود عمل الجماعة، سواءً كان جزئياً، أو كلياً بكل ما يعنيه من سيطرة على السلطة والثروة والمجتمع. وفي هذا الشأن لا تختلف الجماعة كثيراً عن بقية التيارات الخلاصية يساراً ويميناً. وفي تونس، لم يكن فرع الجماعة شاذاً عن القاعدة الإخوانية في سلوك مشروعه الخاص للتمكين، الذي شهد – بدوره - تحولات جذرية طبعتها التحولات التاريخية والسياسية التي عاشتها البلاد، منذ نشأة «الإخوان» نهاية الستينات حتى اليوم، حيث انطلقت الجماعة في مسار طويل من محاولات تقويض الدولة القائمة وإعادة بنائها وفقاً لمشروعها الآيديولوجي، إلا أن تلك المحاولات فشلت جميعها، لينتهي التنظيم الإسلاموي إلى الشتات مع بداية التسعينات. لكن مع عودتها إلى الفعل السياسي العلني والمباشر، في أعقاب سقوط نظام زين العابدين بن علي، سلكت الجماعة الإخوانية التونسية مسلكاً جديداً في تنفيذ مشروع التمكين، لا يقوم على تقويض الدولة وإعادة بنائها، بل على الدخول ضمن المصالح المشتركة للطبقات السائدة، ومحاولة الاستيلاء على الدولة من خلالها.

وقد دأبت في هذا الاتجاه على سلوك مسلكين هما: بناء حزام نخبوي نافذ، وبناء شبكات اقتصادية قوية. غير أن لحظة 25 يوليو 2021، نسفت كل هذه الخطط، لتعيد قرارات الرئيس قيس سعيد، الجماعة إلى نقطة الصفر.

بينما ناقش أسامة سليم - كاتب وصحافي تونسي - في دراسته، جدلية أحزاب الإسلام السياسي عموماً وحركة النهضة خصوصاً، بالتركيز على الجماعة وخزّانها الانتخابي، حيث انطلقت جذور الحركة من الأحياء الشعبية والمناطق الداخلية، التي كان المنتسبون إليها من ذوي الدخل المحدود والفئات الهشّة، أصبحت قياداتها من أثرى أثرياء تونس. يقول عبد الفتاح مورو، أحد قادة حركة النهضة، خلال إحدى الحملات الانتخابية في الجنوب التونسي بالانتخابات الرئاسية السابقة سنة 2019: «والدتي هي عاملة خياطة، ووالد راشد الغنوشي عامل بناء، وعلي العريض والده كان عاملاً يومياً، نحن فقراء وأبناء فقراء، وهذه الحركة حركة فقراء». وعلى الرغم من أن تصريح مورو كان صحيحاً، فهو يختزل جزءاً فقط من الصحّة، حيث إنّ ثراء قيادات الحركة ازداد خلال فترة وجيزة فقط بعد الثورة، وكان هذا الثراء على حساب عديد من المنخرطين والمناضلين الذين استثمرت الحركة في مظلمتهم ومآسيهم وتخلت عنهم، وما غضب القواعد والشعب من الحركة إلا تأكيد على نهاية الحركة أو اقترابها من النهاية.

الخلاصة؛ أن الحكم على الغنوشي لا يعني نهاية حركة النهضة، ولا ضمور «الإخوان» في تونس، وفي حديثٍ مع صديقةٍ كانت تعمل داخل حزب النهضة قبل أن تنقلب عليهم، فإن الحركة تعتمد كثيراً على الغموض، والضمور، وادعاء الانكسار في كثيرٍ من الأحايين، بل ويتم توجيههم بذلك، إن هذه الحيل الحركيّة يجب ألا تنسينا الأفكار التنظيمية العالية المتحوّرة لدى تنظيم «الإخوان»، وهذا يجب علينا وعلى المتابعين الوعي به، كما على الحكومات أن تستعد لأي موجات إسلاموية غادرة... ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما بعد الغنوشي وسياسات حزب النهضة ما بعد الغنوشي وسياسات حزب النهضة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 02:08 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعقد اجتماعًا أمنيًا لبحث التطورات في سوريا
  مصر اليوم - نتنياهو يعقد اجتماعًا أمنيًا لبحث التطورات في سوريا

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 21:40 2019 الخميس ,26 أيلول / سبتمبر

هزة أرضية بقوة 6.5 درجات تضرب إندونيسيا

GMT 02:54 2019 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

خبراء يكشفون عن مخاطر تناول العجين الخام قبل خبزه

GMT 23:10 2019 الجمعة ,05 إبريل / نيسان

نادي برشلونة يتحرك لضم موهبة "بالميراس"

GMT 07:26 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

حسابات التصميم الداخلي الأفضل لعام 2019 عبر "إنستغرام"

GMT 06:56 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

أب يُصاب بالصدمة بعدما استيقظ ووجد ابنه متوفيًا بين ذراعيه

GMT 11:35 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

تشيزني يبيًن ما دار مع رونالدو قبل ركلة الجزاء هيغواين

GMT 09:16 2018 الإثنين ,22 تشرين الأول / أكتوبر

زوجة المتهم بقتل طفليه "محمد وريان" في المنصورة تؤكد برائته

GMT 17:55 2018 الإثنين ,24 أيلول / سبتمبر

فستان ياسمين صبري يضع منى الشاذلي في موقف محرج
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon