بقلم : فهد سليمان الشقيران
لقد كان إعلان نهاية التاريخ النابع من مدرسة هيغل رائجاً على نطاق واسع قبل عقود إلا أن التفسير المفهومي لذلك الإعلان لم ينته بعد بل يتداول حتى اليوم على نطاقٍ واسع وآية ذلك الدراسات التي تصدر حولها تباعاً.
لقيتُ أستاذي الراحل الفيلسوف مطاع صفدي آخر مرة في ندوة في دبي، وقد أهداني بحثه حول هيدغر، الصيرورة والزمان. صفدي من أهم الفلاسفة العرب وبخاصةٍ حين برع في كتابه: «نقد الشر المحض»، والمكوّن من جزأين. وهو فيلسوف وجودي، كتب بالسياسة فلم ينجح، ولكنه بالفلسفة أسهم وقدم العديد من الإسهامات.
أسس صفدي وترأس «مركز الإنماء القومي» (عام 1981) الذي نشر عبره مؤلفاته وترجماته، وترأس تحرير مجلتيْ «العرب والفكر العالمي» و«الفكر العربي المعاصر» فاستقطب لهما عدداً كبيراً من المفكرين في المجال الفلسفي العربي، واهتمتا بنشر ملفات تتناول قضايا الفلسفة والفلاسفة.
صفدي حاول أن يتجاوز القراءات العاجلة والناجزة لمفهوم النهاية المتصل بالتاريخ، خاصةً، وأن تلك النهاية تكونت على فترات متقطعة منذ أكثر من قرن، والتي كان آخر من بلورها بنظرية مستقلة فرانسيس فوكوياما.
يتساءل مطاع صفدي ماذا تعني نهاية التاريخ، وأي تاريخ ذلك الذي يواجه نهايته؟
فإذا كان المقصود بالنهاية الحسّ العام فورياً، فإن التاريخ هو ما يمضي. إنه قائم على حس الانتهاء كل ما فيه مكرّس للانقضاء. فليس التاريخ سوى مسرح لزوال ذلك التاريخ الذي يضم كل أحداث الإنسان لكنه عالم الأحداث الزائلة بامتياز.
ومطاع صفدي وسط استغراقه في تفسير التاريخ يلفت إلى فعل الانتهاء. إن ما يجري هو تجديد فاعل لانتهاء عبر كل توثيق أو تدوين أو تسجيل. والتاريخ بذلك المعنى هو إصطلاح في اتجاه تغيير النهاية.
ويمضي صفدي في الشرح مُبيناً مفهوم النهاية في نهاية التاريخ، فالنهاية بحسب قوله:«أن ألا نفهم كالخاتمة والحدث الأخير. بل هي انغلاق التشكيل. هنا يتم الانقطاع بين مفهوم النهاية الزماني إلى مفهوم النهاية الخطابي».
ومطاع يمضي في بلورة الفرق بين النهاية كخاتمة وبين النهاية بوصفها إحدى النهايات المتصلة بانغلاق التشكيل، فيشرح كيف أن المشروع الغربي المنشغل بفكر النهائية منذ حوالي قرن أو أكثر مايزال مصراً على التفكير في النهاية كخاتمة للتاريخ بشكل مطلق والخاتمة عبارة حيادية جرداء إلى حد ما. والنهاية مشبعة بميتافيزيقا تتجاوز اللسانيات، إنها ترجعنا إلى مملكة الصمت. عبارة النهاية تتمتع برنين وتحظى بشغف اللامتناهي نفسه، وهي في خطاب التشكيل الغربي، تريد أن تجيء لامتناهية بما يعادل الذاتية اللامتناهية التي شرعت، هي نفسها في تلفظ نفحة النهاية.
الخلاصة، أن ثمة خطاب لامتناه يتصيد هو كذلك فكر النهاية، بل النهايات.
مطاع وصل إلى أن الخطاب اللامتناهي حول نهائية التاريخ جاء ضمن ظروف جدلية هيجل، ويرى أن الليبرالية تستند إلى ما يعتبرها البعض انتصارها النهائي على تجارب الأيديولوجيات من فاشية وشيوعية، من حيث إنهما محاولتان فاشلتان للخروج على مثال الدولة الشمولية المتجانسة وبالتالي فإن الليبرالية هي نهاية كل شيء، وذروة التجربة الإنسانية بالعالم.
نقلاً عن "الاتحاد"