توقيت القاهرة المحلي 07:24:37 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إدوارد سعيد في «قصور الاستشراق»

  مصر اليوم -

إدوارد سعيد في «قصور الاستشراق»

بقلم : فهد سليمان الشقيران

ربما انتهى الاستشراق الكلاسيكي بموت برنارد لويس، غير أن السجال حول المجال برمته وتنوعه لم ينته. الاستشراق بكل أثره، وما حمله من معانٍ ومناهج ومفاهيم لايزال موضع اهتمام المؤلفين، فالمجال أعم من تسميته، إذ تظل الدراسات بين الأمم والثقافات أساسية، ولا يشترط معها وجود خطط هيمنة، أو إرادات توسع، كما في المفهوم الأكثر حدة للاستشراق والذي طرحه الراحل إدوارد سعيد، في كتابه: «الاستشراق» 1978 الذي لايزال موضع نقاشٍ وسجالٍ وبخاصة في منهجه، ونتائجه الحاسمة، ومعه كتابه المتمم: «الثقافة والإمبريالية» 1993.
من هنا وجد وائل حلاق الأستاذ في جامعة كولومبيا الفرصة مواتية ليطرح عام 2018 كتابه المهم: «قصور الاستشراق - منهج في نقد العلم الحداثي» وضمنه ملاحظات محورية وجوهرية حول كتاب سعيد. والكتاب موزع على خمسة فصول: (وضع الاستشراق في مكانه، المعرفة والقوة والسيادة الكولونيالية، المؤلف الهدام، السيادة المعرفية والإبادة البنيوية، إعادة صوغ الاستشراق وإعادة صوغ الفرد).
ومضمون الكتاب يتكشف إذا قرأنا العنوان الشارح: «منهج في نقد العلم الحداثي». يبدأ حلاق بتقرير غموض مصطلح الاستشراق، ومشكلة التمييز بين الاستشراق المتحيز والآخر الموضوعي، غير أنه يتفهم هذا من الناحية الإمبريقية العملية، تهادى سعيد بين «المبالغة»: «التي تجد جذورها في أفكار ميشيل فوكو النافي للفاعلية الفردية في تكوين خطابات القوة» وبين مشكلة «التعميم الجارف»، وينتقد منذ بداية الكتاب تبني سعيد لنظرية الحتمية عند فوكو، الخاصة بالتشكلات الخطابية، والتي لا تأخذ بعين الاعتبار الفردانية التأليفية والإسهام الفرداني كما يعبر حلاق، رغم إثبات سعيد لاختلافه مع فوكو حول «البصمة المحددة» التي أخذ بها سعيد، وذلك مفصل في مقدمة كتاب حلاق (ص 38).
ومن ملاحظات حلاق على سعيد استغراقه بالنقد السياسي، فـ«البدء بالسياسة والانتهاء بها كحقل تقليدي... يؤدي إلى إغفال المقدمات التي يمكن نقد مفهوم السياسي نفسه بموجبها»، ثم يسبب لذلك الاستغراق: «بأن سعيد ظل يحرث حقولاً سياسية تقليدية إن لم تكن بدائية وذلك لأن سرديته النقدية افترضت وجود الفرد السياسي نفسه أي الفرد الحداثي وأبقت عليه باعتباره القالب الصلد لتلك الأنماط ومحلها».
النقاط الثماني التي بدأ بها نقده بعد حتمية فوكو والفردانية التأليفية اختصارها بالآتي: «إنكار سعيد لفضل أنور عبد الملك وعبد اللطيف طيباوي، وقوع الكتاب في فخ وجود جواهر للأشياء (essentializing)، إضافة إلى الإجمال والتعميم، وافتقاد الكتاب للمنهج التاريخي بسبب تخصص سعيد الأدبي، واعتماد الكتاب على أدوات نظرية متشعبة ناتجة عن افتراضات معرفية متناقضة. وتجاهل الكتاب لمستشرقين ألمان، واتجاهاتٍ نسوية، ولبعض الشرقيين أنفسهم، وعدم تفسير الكتاب لأنماط الاستشراق. وإضمار الكتاب لتحيزات آيديولوجية معادية للصهيونية واليهودية».
في الفصل الأول يعترض على مقولة سعيد: «كل أوروبي كان في كل ما قاله عن الشرق عنصرياً وإمبريالياً ومتمركزاً بالكامل حول إثنيته الخاصة». يحاجج حلاق بأن: «هذا الحكم جارف وشامل، إذ لا يميز بين كل من تحدث عن الشرق، بدءاً من إيسخيلوس ووصولاً لبرنارد لويس... وإذا أخذنا في الاعتبار نظرية التشكلات الخطابية المحددة تاريخياً وثقافياً عند فوكو، والتي لا يذهب بها أبعد من القرن السابع عشر، واعتراف سعيد بتأثره بفوكو فإن سياحة سعيد في اليونان القديمة وفيينا في بدايات القرن الرابع عشر تثير الشك في مدى فهمه لمقصد فوكو بالتشكل الخطابي» (ص 67). وحول منهج سعيد وفوكو يمكن مطالعة (ص83) وكذلك الفصل الثالث.
في الفصل الثاني ينتقد مقولة سعيد: «الاستشراق نمط تفكير، يقوم على التمايز بين الشرق والغرب»، بل إن: «الاستشراق كان أدائياً ولم يكن تصويرياً، فقد كان موضوعه باعتباره بنية مؤسسية وفكرية هو الشرق نفسه، فضلاً عن محاولة إعادة إنتاجه مادياً ونفسياً ومعرفياً، وهو بذلك يرتبط بالقوة بصورة لا يمكن اليوم الشك فيها».
في الفصل الثالث يناقش «المؤلف الهدام» وهو: «المرادف للزخم الخطابي الكامن، أو الجنيني، في أفضل الأحوال، الذي لا يرتقي أبدا إلى مستوى التشكل المناهض للمنظومة المعرفية المهيمنة»، من هنا يعتبر حلاق: «أنه من الصعب الاستنتاج بأن سعيداً قد فهم تماماً المضامين الكاملة لنظرية المؤلف عند فوكو، كما يبدو، وأن سعيداً ينسب لفوكو انغلاقاً نظرياً، لا يصح اتهامه به». ويذهب وائل حلاق أبعد من ذلك حين يضع ملاحظة حاسمة: «لم يستطع سعيد - وهو أحد رجالات التنوير الأقوياء - أن يرى أين تكمن مشكلة الاستشراق، فقد كانت نظرته للمعرفة محدودة بصورة ليست مستغربة» (ص 272).
في الفصل الرابع، «الإبادة البنيوية»، يلاحظ حلاق أن: «الكولونيالية، بنوعيها الاستيطاني وغير الاستيطاني، إبادية بطبيعتها، وبكل ما تحمله كلمة الإبادة من مضامين تتطلب منا توسيع معنى الإبادة لتتجاوز الأشكال المادية التقليدية. وإذا قبلنا هذا الطرح يلزمنا أن نستنتج أن الأكاديمية الخاصة بالنطاق المركزي، وليس الاستشراق فقط، تنزع بطبيعتها إلى وضع الأسس الخطابية والمادية للإبادة الكولونيالية، يعني هذا أنه لا توجد علاقة منطقية ووجودية لازمة بين الأكاديمية الخاصة بالنطاق المركزي والكولونيالية من جهة، وبين الكولونيالية والإبادة من جهة أخرى». وفي آخر الفصل يضع نقطة على طرح سعيد؛ إذ إن نقده لسياسات الإبادة يشبه نقده للاستشراق، مختلط بالأسطورة، ومحاط بحالٍ من النكران العميق.
في الفصل الخامس يقدم خططاً للعبور نحو صوغ سردياتٍ أخرى، تشمل البيئة، والفظائع الكولونيالية، والعنف، ومصادر الماء، كل ذلك يجعل أسس الفكر الأخلاقي هنا مشتملاً على أشكال المعرفة الحديثة.
تميز كتاب وائل حلاق بالصرامة المنهجية، وبالغنى العلمي والفلسفي، وكشف عن ثغرات منهجية كارثية وأبرزها علاقة سعيد بأدوات ميشيل فوكو، فهي ملاحظة منهجية رئيسية في الكتاب.
لقد ضُخم كتاب إدوار سعيد «الاستشراق» لدى جموعٍ من العرب، وأحبطهم ذلك عن نقده، وما كان السبب معرفياً وإنما لمنطلقات آيديولوجية بحتة، غير أن نقد البروفسور وائل حلاق وضع الكتاب الرئيسي له تحت المساءلة المنهجية، فكان ثمرتها هذا الكتاب النقدي المفيد.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إدوارد سعيد في «قصور الاستشراق» إدوارد سعيد في «قصور الاستشراق»



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:21 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

برشلونة يحتفل بذكرى تتويج ميسي بالكرة الذهبية عام 2010

GMT 11:32 2020 الجمعة ,25 كانون الأول / ديسمبر

دبي تهدي كريستيانو رونالدو رقم سيارة مميز

GMT 04:41 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

وزارة الصحة الروسية تسمح بتغيير نظام اختبار لقاح "Sputnik V"

GMT 21:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

أول تعليق من نيمار بعد قرعة دوري أبطال أوروبا

GMT 06:29 2020 السبت ,17 تشرين الأول / أكتوبر

حمادة هلال يهنئ مصطفي قمر علي افتتاح مطعمه الجديد

GMT 07:23 2020 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الجبس في مصر اليوم الجمعة 16 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 14:35 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

سموحة يعلن سلبية مسحة كورونا استعدادًا لمواجهة المقاصة

GMT 01:05 2020 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

الزمالك يقبل هدية الأهلي لتأمين الوصافة ويُطيح بحرس الحدود

GMT 15:44 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

سموحة يبحث عن مدافعين لتدعيم صفوفه في الميركاتو الصيفي

GMT 07:13 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الجبس في مصر اليوم الإثنين 12 تشرين أول /أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon