توقيت القاهرة المحلي 06:36:58 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حول الحدث واستغلال الزلزال

  مصر اليوم -

حول الحدث واستغلال الزلزال

بقلم : فهد سليمان الشقيران

تبدو الصورة أقل وضوحاً؛ الزلازل، إمكانات الاختلال المناخي، حيوية العنف. كلها تبرهن على ضرورة وضع المسؤولية تجاه الإرهاب وأولوية محاربة استغلال الحدث، وآية ذلك أن الإرهاب عبر التاريخ يؤمن بحيوية الأحداث واستغلالها.
وبرغم الحديث عن الأخطار المناخية، وشحّ الغذاء، وسيل التنبؤات حول جدب الأرض، وغور المياه، فإن الشبح الأكبر بلا منازع هو «العنف» بكل أشكاله، الإرهابي منه، والإجرامي، والسياسي. وبات ترف أي مجتمعٍ يقاس بمستوى أمنه أولاً، ومن ثمّ تأتي بقية المعايير الأخرى. وبرغم مشاهدة أحداث عنف كبيرة بشرق آسيا، ومذابح جماعية لا تعقل في أفريقيا، وحروب أهلية بالشرق الأوسط، ومجازر استثنائية في أوروبا، وغالبها عنف عرقي وسياسي، فإن إرهاب الحركات الراديكالية الذي طبع أواخر القرن العشرين وأبحر سابحاً بالدماء منذ بدء الألفية الجديدة وإلى اليوم يعتبر أكثر شراسة، وذلك لمخاتلته، ولطريقة حركته، وتجدد خططه، فهو ليس عنفاً إجرامياً يمكن حصره ولجمه، بل عنف آيديولوجي ليس له هدف مادي دنيوي محدد، وإنما يغدو القتل هدفاً والانتحار غاية، وإن رفعت شعارات «الدولة الإسلامية»، أو إقامة نماذج متخيّلة من خلافة أو مجتمعٍ حقّ طاهر يحكم الشريعة.
لا تتعلق المسألة بالتحليل الاعتيادي لمعنى العنف، ولا التعليل الاجتماعي، أو النفسي، فضلاً عن السياسي، بل العلاقة بين العنف وفكرته، بين الإرهابي ومقدّسه، وذلك انطلاقاً من أصل التضحية، تلك كانت ميزة مقاربة رينيه جيرار في كتابه «العنف والمقدس» وهو بحث أنثروبولوجي يسبر أصول العنف والتضحية، ليس انطلاقاً من التأويلات للنصوص المؤسسة، بل المتخلّقة برحم الثقافات، وهو يبحث في العلاقات بين التضحية والمقدس والعنف. ضمن هذا المجال، كتب منوبي غباشي ورقة مهمة حول «العنف المقدس» اعتبر فيها أن «الأضحية، القربان الدامي، مَثّل النموذج الأساسي للعنف المقدّس. ولئن كان في الأصل ظاهرة أنثروبولوجية قديمة ارتبطت بالوعي الجماعي البسيط (الوثنيّات القديمة وعقائد التأليه الطبيعية الإحيائية والطوطمية) فإنها تحوّلت فيما بعد إلى ظاهرة اجتماعية سياسية في المجتمعات المركّبة والمتطوّرة التي لم تفقد ظاهرة التقديس»، ثم ينقل عن روجي كايوا، في كتابه «الإنسان والمقدّس» أن «العنف المقدّس» هو العنف «الذي يتمّ التشريع له انطلاقاً من مرجعية دينية أو أسطورية أو آيديولوجية. ولكنّ العنف المقدّس لا يأخذ ملامحه من النصوص التأسيسية فقط، بل يتجسّد في أكثر المظاهر قسوة وفظاعة، في الحرب وفي التعذيب الذي يمارس ضدّ أتباع دين مغاير أو ضدّ معتنقي عقيدة أو مذهب مخالف».
بينما الأطروحة الأكثر رصداً لعلاقات العنف والمجتمع والإرهاب، هي لأستاذ الفلسفة بجامعة «ريتسوميكان» بول دوموشيل، وقد عنونها بـ«التضحية غير المجدية - بحث في العنف السياسي». الكتاب أهداه المؤلف لرينيه جيرار، وقد كان طيف أستاذه ماثلاً في فصول الكتاب، به حلل معنى العنف لدى آكلي لحوم البشر، كما في عَوْده المتكرر لطرح آلان كوربن في كتابه «قرية آكلي لحوم البشر»، الذي يحلل فيه حادثة عنف جماعي حدثت في إقليم دوردوني خلال حرب عام 1870. ومن ثمّ، يدخل على خطّ مفهومي مهم نحتتْه حنة آرندت، وهو «تفاهة الشر». ويشرّحه باعتباره «يعبر عن اندهاش أمام ما يمكن أن نسميه بـ(عدم تقديس الجلاد)، ذلك أن ضخامة الجريمة وبشاعتها لا تمنحان أي عظمة لذاك الذي اقترفها، ولا تحيطانه بهالة مقدسة، ولا تمنحانه أي صفة غير عادية شريرة، تتناسب مع أفعاله، إزاء الإنكار الذي تظهره نفسيته وأساليبه. إن تفاهة الشر تميل بالجلاد إلى مستوى ضحاياه المجهولين الذين لا وجه لهم، إنهم أعداد لا تحصى من أناسٍ غير معروفين، لم يكن ثمة ما يدل على المصير الرهيب المرصود لهم». لقد أبدى دوموشيل، وأعاد وقلّب مفاهيم كبرى حول العنف منذ آرندت حتى جيرار، ولكنه بطريقة رائعة يضع وصفاً للعنف خاصاً به: «إن العنف بمعنى ما، يصل بسرعة مفرطة ليستطيع الاندماج مع النزاعات، والتنافسات التي تحرك الأفراد. لأجل ذلك، فإنه يصدّ بقدر ما هو يجذب، ويثير القلق بقدر ما هو يسحر المشاعر، ولكنه يقترب من أفرادٍ فاعلين ليس عندهم أي التزام في الانخراط فيه... لا فلح العنف بسهولة في أن يعدي بعدواه أولئك الذين هم مشغولون إلى حدٍ كبير بنزاعاتهم الخاصة، وبمنافساتهم الشخصية الخاصة بهم».
كل تلك المفاهيم هي بمثابة مشارط تحاول الوصول إلى جذر العنف، وذلك من خلال المسح الأنثروبولوجي للثقافات، فالعنف جزء من تاريخ البشرية، وهو أساس بتحولاتها الكبرى ومنعطفاتها التاريخية، وعليه فإن الإرهاب بوصفه التجلي الأبرز لظاهرة العنف يجعل مستقبل العلاقات بين الدول والثقافات والشعوب على المحك، حتى مسائل التواصل والسياحة والتعلم ستشوبها تحديات غير مسبوقة، وقد يكون السفر في المستقبل القريب صعباً، مما يعزز من فرضيات الصراع بدلاً من التفاهم والتواصل، ولن يكون زمننا بعد الإرهاب كما هو قبله، قد تنجح الدول بضرب كيانات إرهابية وإنهائها، لكن نزع النزوة العنفية يحتاج إلى صيغ حضارية وتحولات فكرية تعجز عنها معظم دول العالم باستثناء تجارب غربية محددة، وواجب الدول احتكار العنف، ومنع الأفراد من تقييم خيرية العنف، فالدولة وحدها من يمتلك حق الوصف، وكل نزعات العنف تعبر عن خلل بالعقد الاجتماعي، بسبب عدم تنظيم «التفاوتات» بين الناس، ضمن صالح الأقل حظاً بالمجتمع، كما يعبر جون راولز، كل ذلك قد يؤجل نشوب الصراعات الكبرى، ويحد من لهب النار... نار الإرهاب الحارقة.
إن الإرهاب القادم حيوي وشرس ولا بد على المؤسسات أن تستبق الضربة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حول الحدث واستغلال الزلزال حول الحدث واستغلال الزلزال



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon