توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حروب لبنان على الآخرين

  مصر اليوم -

حروب لبنان على الآخرين

بقلم : فهد سليمان الشقيران

الموج المتلاطم في لبنان وبمحيطه يبدو عالياً؛ يدرك الساسة والمسؤولون أن الدولة اللبنانية تنخلع تدريجياً من محيطها العربي نحو النفوذ الإيراني القبيح. البيانات التي تصدر بعد اللقاءات حول الإجراءات الخليجية دون مستوى المسؤولية، واللعب بالدستور والقانون والديمقراطية التوافقية على أشده. لعل هذا الحدث بكل حمولته يمثل فرصة للعرب أن يدلوا بدلوهم تجاه لبنان، مرت العلاقات السعودية - اللبنانية بكثير من المنعطفات اقترب الساسة من السعوديين وابتعدوا تبعاً لتعارض المصالح وتطور الملفات بالمنطقة.
مثّل لبنان نقطة صراع منذ بواكير العلاقات معه نظير موقعه الاستراتيجي، مروحة الصراعات والأحلاف وخلافات الناصرية وطبيعة العلاقة مع الأتراك جعلت الهزات الدبلوماسية مع لبنان قائمة، ولم تكن هذه العقوبات الأولى من نوعها، بل سبقت بما يقاربها في عهد الملك سعود، بقيت السعودية - على عكس الدولة الثيوقراطية التي ستنبت لاحقاً بالمنطقة - تراهن على تعددية لبنان باعتباره مصدر غنى للعرب، لذلك حتى وإن ابتعد ساسة الدروز عن السعودية في بعض المنعطفات السياسية آنذاك ظلوا منضوين للامتداد العربي وللسعودية باعتبارها العمق الطبيعي لهم، ثمة فرق بين الدروز وثباتهم وبين ساستهم وتحولاتهم، وما كان اليمين المسيحي ليلجأ للسعودية وليستعين بها لولا يقينه بأنها دولة غير طائفية. بشير الجميل على سبيل المثال طالب بالاعتذار من السعودية حين اهتزت العلاقات، موقف يذكرنا بشبيهه لدى سمير جعجع العروبي، وعليه فإن الاضطراب السياسي ليس جديداً مع لبنان بحكم موقعه وتوافره على مزايا تجعل منه ساحة للصراع بين الدول والأحلاف... نتذكر موقف لبنان من «حلف بغداد»، لكن ما ميز مراحل لبنان المتوترة حينها وجود ساسة كبار مثل كميل شمعون الذي كان وزير خارجيته الفيلسوف شارل مالك، تلميذ هيدغر وصاحب «المقدمة» الفلسفية الشهيرة… ويا للفرق!
في عام 1984 ألّف غسان تويني كتابه «دعوا شعبي يعيش»، وفي العام الذي يليه طرح كتابه «حروب الآخرين» ويسمى حيناً «حروب الآخرين على لبنان»؛ هذه النظرية التي تجعل لبنان بموقع المظلومية كانت محقة في زمنٍ مضى؛ لا شك أن الاستعمال المجرم للبنان من قبل فصائل حزبية شيوعية وبعثية وفلسطينية وقومية وسورية جعل لبنان يعاني الويلات، جعلته يرزح تحت تحدياتٍ لم ينجُ منها حتى اليوم، وقد كان تويني وهو المنفتح بعروبته، الليبرالي بفكره وأسلوبه وسياساته، يعتبر المعنى من حروب الآخرين لا يبرر انطلاق حروب من لبنان على الآخرين، والعجب أن العديد من السياسيين لا يزالون يستخدمون عبارة تويني التي لا تصح على وضع لبنان حالياً. وليد جنبلاط لا يزال يكرر هذه العبارة رغم استنفاد صلاحيتها، فلبنان لديه حروبه على الآخرين، وهذه أساس مشكلته مع دول الخليج. لبنان يدرب ويسلح ويتدخل في سوريا والعراق والبحرين واليمن، فكيف يعتبر الآخرين يديرون حروباً عليه، إننا مضطرون لتحويل شعار تويني ليكون «حروب لبنان على الآخرين»... هذا هو الوصف الأدق لوصف المشهد الحالي.
ثمة شعاران توارى خلفهما ساسة لبنان حتى مَن هم حلفاء للخليج في بعض المنعطفات؛ أولهما: قولهم نحن مختطفون، «حزب الله» نفذ ضدنا مجزرة في 7 مايو (أيار) 2008، وقام بالتمثيل بالجثث والاعتداء على الحرمات والأعراض، ونفذ عمليات شنق واغتصاب، ونحن لا نمتلك السلاح لنواجهه. هذه الحجة كررها أولئك لتبرير خضوعهم للحزب الذي وضعهم أمام إغراء الفساد المباح والمحمي من قبله، ومكنهم من إبرام شراكات تجارية مهولة أتاحت لهم فرص النهب، وهذا الإغراء أخذهم بعيداً لدرجة التواطؤ مع «حزب الله» واللوذ به والدفاع عنه وإن في المجالس المغلقة والحوارات الخاصة.
ثاني تلك الحجج: أن لبنان لا يتحمل المزيد من الانقسام الشديد، ولذلك لا بد من التفاهم مع «حزب الله» والخضوع له من أجل السلم الأهلي. هذه المقولة مكّنت الحزب من رقاب جميع زعماء لبنان، باستثناء مَن قرر المواجهة ورفض الوصاية الإيرانية على لبنان، كما فعل أهالي عين الرمانة ضد جحافل «حزب الله» الغازية لمناطق المسيحيين، حينها حاول البرابرة الغزاة اقتحام البيوت ولكن واجههم الناس ببنادقهم درءاً عن أنفسهم ودفاعاً عن بيوتهم.
إن المقولات التبريرية للضعف من قبل زعماء كانوا في فترة ماضية يتملقون للخليج، تعبر عن استحكام الفساد وتغليب مصالح الذات مقابل التفريط في مستقبل الطوائف وبمؤسسات لبنان وكيانه وعروبته، لتعبر عن فضائحية يجب أن تواجه بالمحاججة والدحض.
لبنان اليوم بين عدد من التحولات؛ الحرب السورية تضع أوزارها، والإقليم يعاود رسم التفاهمات، والنظام السوري لديه مفاوضاته مع دول المنطقة بناءً على مواثيق وأسس، النظام السوري لديه فرص عديدة للعودة للمنطقة، بدأ بالتحدث مع الخليج، لديه فعالياته مع دول عربية عديدة، وثمة أحاديث عن توق النظام السوري لفهم إسرائيل أكثر بغية تطوير موقفه معها لأجل استمالة آراء ومواقف دولية تعنيه. من دون تنبه اللبنانيين للتحولات المحيطة فإن الصعوبات التي ستواجههم عديدة، حتى حلفاء سوريا في الداخل سيواجهون تغييرات يسببها تنوع مصالح النظام السوري مع الدول العربية، وهذا مأزق آخر ينضاف لمشكلات لبنان مع الخليج.
برع المعلقون اللبنانيون الكبار من مفكرين وكتاب بتوصيف الأزمة الحالية؛ إنهم يعلمون مستوى الخداع الممارس من قبل الساسة بمن فيهم مَن يلتصق بالخليج في بعض المحطات، خاصة مَن أسهم في تصديع تكتل «14 آذار» بذريعة الضعف والانهزام وانتصار المحور الإيراني، كيف لسياسي لبناني من قادة «14 آذار» أن يقول «لقد انهزمنا» وهو لم يكمل جولة الحرب بعد؟ إننا أمام مرحلة مصارحة مع السياسيين اللبنانيين الذين اختاروا الضعف وذهبوا إليه قبل أن يأتيهم.
في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2014 وبعد مأدبة غداء في معراب أهدى سمير جعجع لوليد جنبلاط كتاب «فلسفة التاريخ» للفيلسوف هيغل، وكتب في الإهداء على طرة الغلاف: «للتاريخ اتجاه واحد لا يجب تجاهله»... عبارة تستحق التأمل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حروب لبنان على الآخرين حروب لبنان على الآخرين



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon