توقيت القاهرة المحلي 21:31:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الانتصار للتنمية والواقعية السياسية

  مصر اليوم -

الانتصار للتنمية والواقعية السياسية

بقلم : فهد سليمان الشقيران

الروح التي تشع في السعودية اليوم بعد «رؤية 2030» الشاملة تبدو مذهلة؛ إنها ببساطة تشرح عودة الحياة إلى مجتمع لم يكن إلا كذلك، ولأرضٍ لطالما كانت مصدر تحريك للمحيط ومحور تأثيرٍ عليه، وما كانت «الرؤية» محدودة بالسياسة والاقتصاد، بل أسست لمعنى استعادة المجال العام من الانفلات أو الترهّل وإعادته إلى المؤسسات... قديماً، تمر على الحدائق وهي ذابلة، والمسارح وهي خاوية، ومعارض الكتب وهي محتقنة، أما اليوم ثمة مناخ آخر، وفضاء آخر، وجوّ آخر.
لا تفاجئك الأخبار حين تتابع فعاليات وبالتوازي، بين معرض للكتاب، وتدشين مواسم ترفيهية في أصقاع البلاد، وافتتاح معارض أسلحة هواة القنص والصيد. إن هذا الوهج الجديد لم يكن يتوقعه المتابع قبل سنواتٍ قليلة. باتت السعودية محركة للحيوية الدنيوية بما تحمله من فنٍ وتثقيف وترفيهٍ وتجديد. وما كانت الأمور لتتم بهذا التجدد الواعد من دون رؤية فلسفية عميقة سبرت أغوار المجتمع بآماله وآلامه طوال السنين. الهبّة المجتمعية نحو الحياة أساسها الرغبة في الانتماء للعالم؛ فالخليجيون لم تضربهم علاقة سيئة بالغرب كما فعل قادة الآيديولوجيات عبر العقود، بل الاستثمار والبناء والتطور كان ثمرة التلاقي بين الخليجيين والمؤسسات الغربية الصاعدة آنذاك منذ رحلات اكتشاف المياه، وإلى الطبابة، وليس انتهاءً باكتشاف النفط. إسهامات العرب كانت موضوع إتاحة من الطرف التنموي وليس تكرماً من الطرف المتاح له، من لم يقرأ قصص السنين العجاف وكيف التقى الخليجي لأول مرة بالبريطاني والأميركي حين تأسست الاكتشافات المعدنية والنفطية، أو لجهة تدريب الكوادر الإدارية، بل وحتى بناء القواعد العسكرية، والمطارات المدنية، لن يعرف معنى التلاقي بين الخليج والغرب. لم يحدث خدش في العلاقة مع الغرب قط، بل فتحوا أول المستشفيات، ودعموا التعليم، وساهموا في التحاور وقيادة أسس الفهم بينهم وبين الخليجيين عبر ما عُرف بـ«أدب الرحالة».
تلذع البعض خطب القدامى من الزعماء العرب الذين يرمون الدول الملكية بكل نقيصة، ولكن ماذا بقي للعرب اليوم؟ ماذا تبقى لهم بعد كل ذلك الضجيج والصراخ والزعيق؟ لا شيء سوى نجاح من اختار طريق المصلحة والواقعية السياسية والتنمية الاقتصادية.
تنمية وتنوّع لا ينحصر بالسعودية، بل على امتداد الخليج من المهرجانات الكبرى في أبوظبي، وصولاً إلى «إكسبو» في دبي، ورسائل التسامح في البحرين، كلها علامات تدل على أن التنمية والمصلحة والواقعية السياسية أساس كل نجاح سياسي واقتصادي وثقافي واجتماعي.
ولو تأملنا لوجدنا أن المراحل المظلمة والمأساوية على الخليجيين إنما كانت تحت تأثير سياط القوى المحيطة، كما في صعود خطاب العداء للغرب دينياً مع وهج الثورة الإيرانية وما تلاها، أما حين تهدأ المنطقة تجد الخطاب الدنيوي المدني يتصاعد تأثيره، وذلك حين يتاح له المجال بالمنازلة والمحاججة. الآن، نحن اليوم أمام مرحلة استثنائية تعتبر التنمية فلسفة وليست مجرد خطة، وهنا يكمن الفرق العميق.
البعض يقول لقد انطلقنا في رحلتنا، والقطار على السكة، فلماذا ننصت ونظل نردد حجج العصور القاتمة، وأدبيات سكنة الكهوف، وخطابات طيور الظلام؟!
وهذا كلام عليه الملام، بل سداد الطريق وكماله في الحرب بيد، والغرس بيدٍ أخرى، والحرب على الفيالق الغازية بغية إجهاض الأحلام لا بد أن تستمر، لقد برزت حججهم تجاه الترتيبات الترفيهية والثقافية عبر معسكراتهم البديلة، ولعل أبرزها وسائط السوشيال ميديا، كما يجد أيمن الظواهري في تطبيق تقني مثل «تليغرام» المساحة لبث كلمته لأنصاره، يجد المحرّضون على الترفيه والتنمية طرقهم للتحريض من خلال التطبيقات الكامنة، وعلى رأسها «واتساب»، حيث تحفل تلك الكتائب بكل رقمٍ كاذب، أو شائعة مقصودة، أو تهمة جائرة.
لم تكن صناعة التنمية بالخليج إلا ذات طابع شمولي، تبدأ بالتنمية وتتفرع عنها الثقافة بما تشمله من أفكار وكتابات وفنون، والترفيه ضروري بما يؤمّنه من حقوق دنيوية، ومهرجانات فنية، وفضاءات حية يستجم بها الإنسان مع أسرته ومن يحب في أيام الارتياح وفترات الاسترخاء من الأعمال، ومواسم الاصطياف لغرض التنزه والبهجة.
إن الاستثمار بما يوفره المجال العام من فضاءات لغرض الترفيه والجمال يأتي ضمن ما يعبر عنه أهل أصول الفقه بمنطقة المباح، والمباح في الشريعة لا يمكن انتهاكه بالتحريم الاعتباطي؛ وفي الآية «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ»، وأذكر بما ذكرتُه من قبل في مقالاتٍ حول المباح في الشريعة بهذه الجريدة، حين قال الإمام الشاطبي (القرن الرابع عشر الميلادي) في «الموافقات»، وتحديداً بالقسم الثاني منه وتحت عنوان «كتاب الأحكام» موقع «المباح»، وتوضيح مكانته في أحكام التكليف الشرعية، معتبراً «المباح من حيث هو مباح لا يكون مطلوب الفعل، ولا مطلوب الاجتناب... والمباح عند الشارع هو المخيّر فيه بين الفعل والترك، من غير مدحٍ ولا ذم، لا على الفعل، ولا على الترك، فإذا تحقق الاستواء شرعاً والتخيير لم يتصوّر أن يكون التارك به مطيعاً لعدم تعلق الطلب بالترك، فإن الطاعة لا تكون إلا مع الطلب، ولا طلب، فلا طاعة». ثم يضيف «الترك عند المحققين فعل من الأفعال الداخلة تحت الاختيار، فترك المباح إذا فعل مباح». («الموافقات» - المجلد الأول من ص 172 إلى 215). وللوزير تركي آل الشيخ تصريح مهم ودال حين قال «الملك وولي العهد، مثلما هما شديدان بإيقاف المحرمات، هما أيضاً لديهما الشدة للحفاظ على المباحات، وهذا الموضوع بات واضحاً».
مهرجانات أسبوعٍ واحد رسمت المسافة المهولة بين دول التنمية والواقعية السياسية؛ وبين دول «الصواريخ» و«القضايا» ومنابر الويل والوعيد والتهديد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الانتصار للتنمية والواقعية السياسية الانتصار للتنمية والواقعية السياسية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon