بقلم : فهد سليمان الشقيران
لم يكن أحد بحاجة لانتظار التحقيق حول تفجير مرفأ بيروت ليتّهم «حزب الله». المسألة أعمق من ذلك بكثير، الحمل الثقيل الذي وضعه «الحزب» على كاهل اللبنانيين فاق طاقتهم. التململ وصل إلى بيئة «الحزب» ومراكز أساسية بمواقع نفوذه وبنقطة تمدد صلاته.
الحديث اليوم ينصب على موقع «حزب الله» من المعادلة الإصلاحية المزمعة، وكيف سيواجه اللبنانيين، وما السبل المطروحة لمواجهة الجنون والكوارث المرتكبة باسم الدفاع عن القدس، أو مواجهة «داعش»، أو الدفاع عن المقامات المقدسة.
الخطر الذي يواجهه «الحزب» اليوم داخلياً يتمثل في فقدانه السيطرة على قطاع غير قليل من أنصاره، والتململ داخل بيئته ومحازبيه بدأ يظهر للعلن، وفي كلماته الأخيرة بمحرم تطرق الأمين العام لـ«الحزب» حسن نصر الله إلى موضوع بيئته كثيراً ومدى صحة ما يتداول عن الانفلات، تحدث عن مواقع إلكترونية مدعومة من دول خليجية لاستهداف بيئة «حزب الله»، ومن ثم أعاد الحديث عن القتال في سوريا، وذكر أن قتلاه بالآلاف، ولكن قوله المضمر يثبت أن واقع «حزب الله» داخلياً بحالة اضطراب غير مسبوقة، ولعل أبرز دلائل ذلك المظاهرات المناوئة في قلب مناطقه، وقبل ذلك نزع القداسة عن شخص الأمين العام وتعليق صورته على مشنقة في المظاهرات التي سبقت استقالة الحكومة.
الدفع الدولي لإيقاف انهيار لبنان يمثله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيارتيْه. لديه مصالح ذاتية من زياراته واستعراضه الشعبي، واستثمار الفلكلور اللبناني فناً وأدباً في الزيارات والكلمات. وجهة نظره حول «الحزب» تختلف عن موقف واشنطن. ماكرون يتعاطى بما يعدّه الواقع؛ «حزب الله» ممثل بالبرلمان وجزء من النظام، وما دام هذا النظام قائماً فسيتعاطى معه على هذا الأساس. ويعدّ سامي الجميل في حوارٍ معه قبل أيام أن تعاطي ماكرون هذا مع «حزب الله» بسبب عدم وجود تيار مدني يمكن البناء عليه لتأسيس نظام مختلف. تعويم ماكرون لـ«حزب الله» أعجب مناصريه، حتى إن حليفهم وئام وهاب عدّ الرئيس الفرنسي هو المحامي عن «حزب الله» وأن دفاعه عنه جعله الرابح الأكبر من الزيارات الفرنسية.
منع انهيار النظام اللبناني بالنسبة لفرنسا يعني ضمان عدم مواجهتها موجات هجرة ضاغطة، وتعويمها «الحزب» في العملية الإصلاحية إجراء واقعي (!) كما فسر! ولكن الخطر بدأ يظهر تدريجياً من خلال استئناف «الحزب» سلوكه الميليشياوي داخل لبنان عبر «فيتواته» ضد أسماء رشحت لرئاسة الحكومة، فالدولة اليوم تحت حكم السلاح بتغطية دولية. يسأل الدكتور رضوان السيد في مقالته الأسبوع الماضي تحت عنوان: «لماذا تركتم الدستور وحيداً»، ويقول: «قيل لي إنهم ناقشوا في مجلس الحريري كل الأسماء الممكنة وغير الممكنة. وسقط أول ما سقط الدكتور نواف سلام بحجة أن (الحزب) لن يقبله. لكن: ماذا إن لم يقبله المسلحون؟».
على النقيض، فإن واشنطن تضع نزع سلاح «حزب الله» من الأهداف الأساسية في المرحلة المقبلة، ووضعت أسماء على لائحة العقوبات من الداعمين للحزب والمساعدين له في التمويل والاستثمار (يوسف فنيانوس من «تيار المردة» وعلي حسن خليل من «حركة أمل»). بالنسبة للحزب هذه الحكومة طريق نحو نتيجة الانتخابات الأميركية، والواقع أن نزع سلاح «حزب الله» لن يقتصر على إدارة ترمب، ذلك أن ضمان أمن إسرائيل ليس هدفاً حزبياً وإنما جزء من الاستراتيجية الأميركية.
من الداخل إلى الخارج يثير «حزب الله» السؤال حول سحبه آلاف المقاتلين من سوريا، القرار إيراني وليس حزبياً. كتب جوني فخري في موقع «العربية.نت» ناقلاً عن مصادر متعددة، لا سيما من منطقة البقاع القريبة من الحدود اللبنانية – السورية، أن «حزب الله» بدأ خطة الانسحاب التدريجي من سوريا منذ أسابيع، وتحديداً من الجبهتين الجنوبية والشرقية الجنوبية، حيث سحب أكثر من 2500 مقاتل وخبراء وقادة عسكريين... وقالت المصادر إن «عدداً كبيراً من مقاتلي (الحزب) عادوا إلى لبنان في الأسابيع الأخيرة، والتحقوا بالمراكز العسكرية فيه، لا سيما في الجنوب المحاذي للحدود مع الأراضي المحتلة، وذلك بعد التصعيد الذي شهدته الجبهة الجنوبية في الفترة الأخيرة بين (حزب الله) وإسرائيل».
من ناحية عسكرية؛ يقرأ العميد خالد حمادة هذا الانسحاب على أنه «مؤشر لا يمكن فصله عن التغيير الكبير الذي يطال النفوذ الإيراني في المنطقة والذي يبدأ من العراق مروراً بسوريا وحتى لبنان. فهناك مشهد واحد يتعمم بدءاً من العراق؛ حيث يقوم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بترتيبات تتّجه نحو تجريد الميليشيات غير الشرعية من سلاحها والحدّ من النفوذ الإيراني، بالإضافة إلى السيطرة على المعابر البرية، مروراً بسوريا؛ إذ يبدو (ذلك) من خلال التخفيف من عناصر (حزب الله) وانسحاب أعداد كبيرة من الميليشيات الإيرانية».
الدفع باتجاه انسحاب «الحزب» من معارك الخارج جزء من خطاب ماكرون مع قيادات «الحزب». الخلل الذي سببه انخراط الحزب في معارك الخارج على لبنان كانت نتيجته كل الكوارث التي حلت بلبنان. كل حديث عن إنقاذ لبنان من دون اشتراط انسحاب «الحزب» من معارك الخارج لن تكون له أي قيمة أو مردود.
«حزب الله» يعيش حالياً أسوأ أيامه في الداخل، معظم اللبنانيين يعدّون الكوارث سببها بشكلٍ أو بآخر «حزب الله»، ويدرك اللبناني اليوم أن الحزب لا يقاتل في سوريا، بل يقتل اللبنانيين اليوم بشكلٍ تدريجي؛ بالموت البطيء. جملة قالها ماكرون، ويقولها الجميع: «الكرة بملعب اللبنانيين»... هذا صحيح، لكن ماذا يمكنهم فعله أمام حزب السلاح؟! ربما لا شيء.