توقيت القاهرة المحلي 11:01:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تحديات مفهوم الهوية بالشرق والغرب

  مصر اليوم -

تحديات مفهوم الهوية بالشرق والغرب

بقلم : فهد سليمان الشقيران

بثت قناة «إم.تي.في» قبل أيام ندوة حيوية حول الدولة ومفهومها ومعاني الهوية؛ لم يكن كل الحضور بمستوى تحدي السؤال الشرس، ماذا يعني أن نحدد مفهوم الدولة ولا معنى الهوية ببلد تتناثره الهويات بل وتتقاتل عليه، كما هو معنى كتاب أمين معلوف بكتابه المألوف: «الهويات القاتلة».
كل ذلك سهّل العودة المحقّة إعلامياً لأطروحة صموئيل هنتنغتون «صراع الحضارات؟». أصلها مقالة مطوّلة نشرها مستفهماً في «فورين أفيرز» عام 1993، في السطر الثاني من المقالة ذكر عبارة «نهاية التاريخ» عنوان مقالة لفرانسيس فوكوياما نشرت في العام 1989 بمجلة «ناشيونال إنترست» قبل تطويرها لكتابٍ عام 1992.
صموئيل هنتنغتون لم يتراجع عن نظرية الصدام حتى وفاته في 24 ديسمبر (كانون الأول) 2008. وباستعادة بعض مضامينها يمكن الوقوف على مضامين فصيحة منها: أفترض أن سبب الصراع الأساسي في هذا العالم الجديد لن يكون آيديولوجياً بالمقام الأوّل، أو اقتصادياً بالدرجة الأولى، فالانقسامات الكبرى بين بني البشر والأسباب الطاغية للنزاعات ستكون ثقافية… ستكتسب الهويّة الحضارية أهميّة متزايدة في المستقبل، وستتم صياغة العالم إلى حدٍ كبير، من خلال جملة التفاعلات الجارية بين سبع أو ثماني حضارات، هي الحضارات الغربية، والكونفوشيوسية، واليابانية، والإسلامية، والهندوسية، والسلافية – الأرثوذوكسية، والأميركية – اللاتينية، وربما الأفريقية، ستتم أكثر صراعات المستقبل أهمية على امتداد خطوط الصدوع الفاصلة بين الحضارات، إحداهما عن الأخرى… يصبح العالم أصغر، تتزايد التفاعلات بين أبناء الحضارات المختلفة، وهذه التفاعلات المتزايدة تؤدي إلى تكثيف الوعي الحضاري والإحساس بالفروق بين الحضارات والجماعات… هناك نتيجة مع تقدم الغرب، وهي نوعاً ما ظاهرة العودة إلى الجذور بين صفوف أبناء الحضارات الغربية… من غير المحتمل أن يتضاءل التفاعل القديم قدم القرون بين الغرب والإسلام، قد يصبح الاشتباك بين الطرفين أكثر ضراوة».
مع بلوغ العولمة ذروتها في المجالات الاقتصادية والتقنية، دأبت الماكينات الإعلامية على وصف العالم بالقرية الصغيرة، وذلك إغراقاً في التفاؤل والاغتباط بما وصلت إليه المجتمعات من تعارف، وبسبب ازدياد التبادلات الاقتصادية الحرة، وغرق الفضاء بالأقمار الصناعية، وانفجار ثورة الإنترنت، وصولاً إلى انكسار الحدود بين الأمم، غير أن ما نبّه إليه هنتنغتون بوضوح أن صغر العالم قد يسبب ضربة للتعايش بين الحضارات، باعتبار التقارب والاحتكاك محفزاً لإدراك الفروقات، ومن ثم البحث عن الهويّة الخاصة، وخصائص الذات، ونقائص الحضارات الأخرى.
إن العولمة لم تعزز الفهم بين الأمم والأديان، بل حرست وكررت ونشرت الفهم التقليدي القائم عن الشعوب. وعلى المستوى الثقافي فإن المستفيد الأبرز من ثمرات العولمة التيارات المتطرفة عموماً، وبخاصة «جماعات العنف الإسلامي» بشتى أنحاء العالم، التي ركبت ثبج التقنية واستخدمت أحدث خصائصها بغية الحرب على الآخرين، ورسم صورة دموية عن الحضارة الإسلامية ونجحت بذلك منذ ضرب البرجين في أحداث سبتمبر (أيلول)، وصولاً إلى أعمال «داعش» الوحشية، حتى كادت فروع تنظيم القاعدة تنافس فروع «ماكدونالدز»… نعم لقد عبرَت القارات.
استذكار مقولات هنتنغتون بعد طول سنين ضروري لفهم الذي يجري في الولايات المتحدة وأوروبا. يأتي في ذلك السياق الهوياتي كتاب أثار ضجّة كبرى بألمانيا عنوانه: «ألمانيا تفقد هويتها» من تأليف ثيلو سارازين عام 2010. المؤلف وزير مالية سابق وعضو مجلس إدارة المصرف المركزي الألماني، رصدت ردود الفعل على الكتاب جاكلين سالم بكرّاسة مهمة لها بعنوان: «المواطنة الدينية في الغرب، تحليل لتجارب المسلمين في فرنسا، وألمانيا، والولايات المتحدة» تذكر أن خلاصة الكتاب تتمحور في الآتي: «المجتمع الألماني أصبح أقل ذكاءً، بسبب المهاجرين المسلمين وأولادهم» ويخصّ باحتقاره «الجالية التركية» بوصفها الأكبر بين المسلمين هناك.
الواقع قد يقسو على الأحلام، لكن هذه هي المرحلة المعيشة، إنها نتاج وحصيلة ظروف واشتباك.
اليمين ستكون له صولاته وجولاته، والمرشحون يصدحون بالخطب كل يوم، والإسلام والمسلمون جزء أساسي من المضامين الخطابية. حين فاز دونالد ترامب علّق والد زعيمة حزب الجبهة الوطنية الممثل لأقصى اليمين الفرنسي جان ماري لوبان: «اليوم الولايات المتحدة، وغداً فرنسا» ليردّ عليه نائب زعيم الجبهة فلوريان فيليبو: «عالمهم يتفتت، وعالمنا يبنى».
هكذا تسير الموجة اليوم… بالتأكيد العالم ليس قرية واحدة، تلك عبارة شعرية خاوية.
ليس سراً أن اليمين المتطرف في أفضل حالات انتعاشه حالياً، بسبب من استفزاز الطوفان الآتي، وتغلغل التنظيمات المتطرفة، ووحشية العمليات الإرهابية، هذا بالإضافة لكون المسلمين لم يحددوا بعد دنيوية واقعهم وأصالة براءة الآخرين الذاتية، هذا الاضطراب في فهم موقع الدنيا أسس لموجاتٍ من الاضطراب في العلاقة مع الغرب، ولعل مثال الدكتور طارق رمضان غاية في الوضوح، بوصفه متعلّماً وفصيحاً.
غير أن النتائج التي يطرحها والمقولات التي يدوّرها على الشاشات الفضائية لم تخدم المسلمين بشيء، بل في غالبها تخاطب وجدانهم وتطمئنهم على صواب الانغلاق والانكفاء، وتخدم تلك المقولات اليمين المتطرف.
الحقيقة متوزّعة أمامك، خارج أنفاق هويّتك، إنها في الآفاق من حولك، وقديماً كتب «غوته» – ديوان الألمان الشغوف بالشعر العربي: «ليس بالضرورة دائماً أن يتخذ الحق جسماً، يكفي أن يحوم في الضواحي كروحٍ، ويحدث نوعاً من التوافق مثلما تفعل الأجراس حينما يطوف رنينها في الجوّ، حاملاً السلام».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تحديات مفهوم الهوية بالشرق والغرب تحديات مفهوم الهوية بالشرق والغرب



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon