توقيت القاهرة المحلي 21:26:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل الجامية جزء من الصحوة الإسلامية؟!

  مصر اليوم -

هل الجامية جزء من الصحوة الإسلامية

بقلم : فهد سليمان الشقيران

لن ينتهي الحديث عن الصحوة وسجالاتها وإشكالاتها وتاريخها وأثرها؛ بل الصحوة ذاتها لم تنتهِ، وإنما لاذت بجيوب السوشيال ميديا، ولجأت إلى الكمُون، وهربت إلى الكهوف، فالحركة الإسلامية باقية ما بقي المسلمون، وآية ذلك ما أعلنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن الشبكة الإرهابية التي تخطط للقيام بأعمال دموية لأهداف سياسية، هذا علاوة على الانتعاش الحركي بعد انتصار «طالبان».
الفرق بين الأمس واليوم أن الحكومات وعت بخطر الأصوليات، فأسست برامجها التنموية بيد، وحاربت الصحوة باليد الأخرى، لكن من الضروري الاعتناء والحذر في حال وضع خطابٍ جديد يتجاوز الصحوة وينسي الناس أثرها ونفوذها.
تتفق دول الاعتدال بالمنطقة وفي مقدمتها السعودية على أن الصحوة دمرت المجتمعات، وأعاقت النهوض، وهذا مؤكد، لكن من الخطأ الاستعانة بخطابٍ يحمل ذات الوشوم الصحوية في إرثه التاريخي وسجاله الحركي. لقد تابعتُ كثيراً من القنوات الإسلامية التابعة لدول الحرب على «الإخوان» ووجدتُ خللاً في السياسات المتبعة للحرب على الصحوة، ولعل أبرز تلك الأخطاء الاستعانة بالتيار «الجامي» ورموزه في الفضائيات انطلاقاً من وهمٍ فظيع بأن هذا الخطاب هو المناوئ أو البديل عن التيار الصحوي.. («الجامية» اسم يطلق على قراءة في فقه الطاعة للشيخ محمد أمان الجامي، والطرفان «السروري» و«الجامي» يعتبران هذه النسبة من قبيل التنابز، لكنها صارت تسميات فارزة ومهمة للباحثين).
منذ بداية الاشتباك بين الجاميين وفيالق الصحوة من سرورية و«إخوان» وهم يفتقرون إلى القوة التي تمكنهم من صياغة الخطاب البديل الذي يمكنه التأثير على المجتمع بطريقة لا يحمل معها إرث الصحوة وأدواءها. واليوم مع حضور بعض الجاميين في القنوات يمكن اعتبار ذلك من أكبر الأخطاء المؤسسية، لأن الجامية من الناحية التاريخية والنظرية هي جزء من الصحوة الإسلامية، وإن لم يعِ أتباعها ذلك.
جزء من الصحوة، لأن ما تقوم به من نقد إنما يمثل قراءة داخل الصحوة لتصويبها، لا لنقضها، بدليل أنها تتنازع المشروعية مع السروريين على سبيل الغلبة حتى لو استقوت بالسلطة، بينما الأولى توجيه النقد للصحوة باعتبارها ليست مجرد حركة تحمل مفاهيم خاطئة، وإنما بوصفها ظاهرة إرهابية، وهذا لم يتوفر في الخطاب الجامي منذ بواكير تشكله وتكونه.
والجامية جزء من الصحوة، باعتبارها الوجه المشارك في السجال، فمشكلتهم مع الصحوة ليست في رجعيتها فقط، وإنما في تهاونها في بعض أحكام الشريعة، فحين ينتقد الشيخ ربيع المدخلي حسن الترابي إنما يأخذ عليه «الضلال والفساد الذي لم يعرف السودان مثيلاً له، حتى في أيام الحكم العلماني، من دعوة إلى وحدة الأديان، وتشييد الكنائس، وتكريم النصارى»، وهذه من ثمار الحزبية كما يقول المدخلي، وعليه فإن التيار الجامي يجمعه مع الصحوة الانكفاء على الذات وعدم الانطلاق نحو «الدنيوية»، فالخلافات ليست على المفاهيم دائماً، وإنما في ترتيب الأولويات، وتشغيل الأحكام مثل «تكفير الحكام» الذي ينزع الجامية ضد تشغيله وتفعيله، بينما تستخدمه الصحوة في صراعاتها مع الحكومات.
بالنسبة للتيارين «الجامي» و«السروري» فالآخر معدوم، لذلك طوال العقود الماضية كان الطرفان يقاتلان ضد العلمانيين والليبراليين، انطلاقاً من رؤى حركية وانطباعات عقائدية، فالخلاف بين رموزهم ليس على مستوى المشروع العام (الدولة الإسلامية) وإنما في التفاصيل الصغيرة وأولويات تشغيل الأحكام أو تعطيلها، وأكبر براهين ذلك أن عدداً من رموز الجامية وقعوا في نفس خطأ رموز الصحوة حين خالفوا القوانين وحكم عليهم بالسجن بسبب المروق السياسي الذي استخدموه ضد الدولة، ومشاريعها الحديثة، وهذا عنصر التقاء واضح وبيّن وساطع.
يمكن للقارئ الرجوع إلى كتاب «السلفية الجامية - عقيدة الطاعة وتبديع المخالف»، من مطبوعات مركز المسبار للدراسات، ففيه كثير من التاريخ للسجالات بين الجامية وبقية التيارات. الغرض من هذه المقالة التحذير من معالجة أثر تيارٍ مأزوم، بخطابٍ مأزوم هو أيضاً، لأن الخطاب الجامي هو خطاب ارتكاسي داخل الإرث الصحوي، بمعنى أن التعويل عليه في نشر خطاب ديني جديد أمر غاية في الخطورة والتهور.
ربما يقود الكسل الإداري القنوات الدينية للاستعانة بخطابٍ ظاهره هجاء الصحوة ورموزها، أو نقد «الإخوان» وفلولهم، بينما يشترك معهم في المفاهيم والجذور والأساليب والأهداف، فالجامية جزء من الصحوة الإسلامية ومن تاريخها ومن سجالاتها ومن إرثها وأفكارها، وخطابها لا يمكن اعتباره ذا أثرٍ إيجابي في خلق مناخٍ ديني معتدل ينسجم مع التطوّر والتنمية التي تشهدها المنطقة على كل المستويات، والجامية لا تقتصر فقط على السعودية، بل على امتدادها في المنطقة في الخليج ومصر والأردن.
لا يمكن التعويل على الخطاب الجامي أو السروري، ولا الليبرالي والعلماني، في أبعادها التاريخية والسجالية، وإنما لفضاءٍ مختلف وخطابٍ متطوّر يجعل من الهويّة خلّاقة ومتطوّرة ومتفاعلة مع محيطها غير هيّابة من الآخر، ولا انعزالية ولا انكفائية. لا بد من أن يُستبدل بـ«الخطاب التاريخي الصحوي» بكل حمولته وأغلاله آخر يرسخ الهوية البسيطة الفاعلة.. الخطاب الديني المنجز والحيوي الذي يجعل هدفه التكفير والإلغاء والتبديع والتفسيق، ولا الخطاب المعتمد على الأحقاد والنكايات والوشايات، وإنما لفضاءٍ ديني سمح، يمكّن الناس من الانطلاق نحو دنياهم من دون الاضطرار للدخول في أزماتٍ مع الآخرين. إن الأخطاء التي وقعت بها السرورية سرت حذو قذّتها الجامية، والتعويل على أي من الخطابين لضرب الآخر أو لإصلاحه يعني الاستمرار في ذات السياق التاريخي المزعج، الذي عانى منه الناس طوال 40 عاماً.
كما بدأنا مراحل تنموية جديدة، لا بد من تدشين فضاء آخر للخطاب الديني، بدلاً من الركون إلى ذات المرحلة بكل نقائضها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل الجامية جزء من الصحوة الإسلامية هل الجامية جزء من الصحوة الإسلامية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon