توقيت القاهرة المحلي 14:42:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حروب الوسائل وحروب الغايات

  مصر اليوم -

حروب الوسائل وحروب الغايات

بقلم : فهد سليمان الشقيران

مرّ عام على الحرب الشرسة على غزة، معركة ضربت شررها، بالإضافة إلى غزة كلاً، من سوريا والعراق ولبنان واليمن.

توقّع المقاتلون أن المسألة سهلة، وما كانت كذلك، وإنما اهتبل الإسرائيليون الفرصة المنتظرة، وقد كانت سانحة. كان بالإمكان أفضل مما كان إن قَبِل المقاتلون بالمبادرات العربية العديدة، أو بمقترح بايدن المعقول الذي تضمن مكاسب جيّدة للفلسطينيين، وأهمها التعهّد بحشد دولي لإعادة إعمار غزة، وما كانت حركة «حماس» تفكر تفكيراً واقعياً، بل انغمست في الموضوع الآيديولوجي الصاعد. لم تقبل «حماس» بهدنة رمضان، ولا بالتفكير النقدي للحرب، وحتى كتابة هذه المقالة يصعّد خالد مشعل بالخطاب، وتقصف «كتائب الدين القسام» إسرائيل برشقاتٍ صاروخيّة، ما يؤكد أن الحرب مستعرة، ومستمرة.

بعد اغتيال إسماعيل هنيّة تغيّرت المعادلة، ثمة انكشاف عالٍ على محور الممانعة كلياً، صارت أفكار التفاوض أكثر وعورةً، خالد مشعل وقادة «حزب الله» يصرّحون بخطابات غير واقعية، وأهمها أن لا مكان لإسرائيل في المنطقة، وهذا خطاب غير سياسي، وإنما خطاب حربي. زاد الإسرائيليون من وتيرة الحرب، وظنّ نصر الله أن الضربات الإسرائيلية ستكون محدودة. حدث خلافٌ كبير داخل الحزب حول مسألة الحرب، ولكن بسبب غياب نصر الله عن الواقع، وعدم عيشه مع العالم، ووجوده في كهف عميق لم يعلم أن الأمم تطوّرت. لم تعد الحروب تُدار بـ«الكاتيوشا» والطائرات محليّة الصنع والصواريخ القديمة، وإنما بالعلم والتطوّر الاستخباري العالي، والنموّ التكنولوجي.

حتى مع إعلان بدء إسرائيل عمليّة بريّة ومركزة في جنوب لبنان حالياً، غير أن الأهم من ذلك موضوع الاختراق؛ حيث استطاعت اختراق أصهار حسن نصر الله وأقاربه والعديد من محيطيه بالصفّ الأول من الحزب، ووصلت إليه في أدقّ مكان وأكثره حساسيةً وخطورةً، وزلزلت كل مقراته في لبنان وسوريا والعراق. كان العقلاء من اللبنانيين المعتدلين يحذّرونه من المغامرة، حروب «حزب الله» القديمة مع إسرائيل لم تعد قواعد اشتباكها كما كانت من قبل. حرب «البيجر» كانت مزلزلةً ولا تزال، إسرائيل أرادت أن تقول لـ«حزب الله» إن الحرب ستتفوق فيها تكنولوجياً، إضافة إلى التفوق العسكري الصارخ الذي لا يمكن للحزب حتى بعد مائة عام أن يصل إليه، وكانت حرب «البيجر» بمثابة الزلزال القاتل والمدمر في لبنان، واستطاعت أن تحوّل أسس الانتصار لصالحها.

لم يُقدّر «حزب الله» ولا السنوار ولا الآخرون مستوى التطوّر السيبراني الإسرائيلي، فهي من بين أكثر خمس دول بالعالم في هذا المجال. ولم يدرسوا الواقع بطريقة براغماتية تعطيهم فرص الخروج من أفكار الانتقام. تم القضاء على الصفوف الأولى في «حزب الله»، وتضرر لبنان؛ حيث تسببت هذه المغامرات في نزوح مليون ومائتي ألف، هذا عدا الضحايا، والأبرياء هم من تحمّلوا ضريبة الشعارات والخطابات والآيديولوجيات.

الخلاصة؛ أننا الآن أمام تحدياتٍ جيوسياسية، المنطقة تتغيّر، هناك ضربات يبدو أنها مؤجلة في العراق واليمن، هذا غير الضرب المُكثّف في سوريا ولبنان، والتصعيد الخطابي السياسي من قبل الطرف الخاسر يجب أن يتجه للعقلانية التي تقودها دول الاعتدال العربي، من دون التفاوض ستزداد المآسي الإنسانية والخسائر السياسية، والضربات العسكرية، والأحقاد المجتمعية.

علّمنا التاريخ أن الأفكار العاقلة هي التي توقف الحروب، فالحرب السياسية وسيلة وليست غاية، والحروب الآيديولوجية غاية وليست وسيلة، هذا هو الفرق، ثمة فرق بين حروب الدول السياسية الضرورية التي تولّد حلاً، وحروب الميليشيات التي تمزّق الأوطان وتزهق الأرواح. الأهم حالياً التوجّه نحو المساعدات الإنسانية لإنقاذ ما تبقّى من الأبرياء، وهذا موضع اهتمام لدى السعودية والإمارات ومصر والولايات المتحدة، ومن الجيد مبادرة الأثرياء بالعالم لدعم هذه الخطة، أما إنهاء الحرب في هذا التوقيت فشبه مستحيل.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حروب الوسائل وحروب الغايات حروب الوسائل وحروب الغايات



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon