توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المؤسسات الدينية وضرورة فهم حوار الأمير

  مصر اليوم -

المؤسسات الدينية وضرورة فهم حوار الأمير

فهد سليمان الشقيران
بقلم : فهد سليمان الشقيران

يحسن التأمل في حوار الأمير محمد بن سلمان باعتباره ليس حواراً سياسياً فحسب، وإنما خريطة عمل كبرى؛ والمسؤول الذكي من لا يكتفي بالتعليق الوقتي على الحوار ومن ثم نسيانه، وإنما العمل الحقيقي في تأسيس ورشة نقاش عملية داخل كل مؤسسة لفهم مبتغيات الأمير ومشروعه بشكل جيد. بعض المسؤولين ربما لا يسيرون في خططهم ضمن الفهم الحقيقي لمشروع الأمير جهلاً منهم بالمفاهيم والمقاصد العليا التي يطرحها. ولو كنتُ مكان مسؤول منهم لاعتبرت الحوار هدية من الأمير لفهم الأهداف التي يريدها في مشاريعه التنموية، لأنها تبسط وتسهل الكثير من الأفكار على كافة المستويات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
على سبيل المثال تحدث الأمير عن التجديد الفقهي؛ وأخذ هذا المجال حيزه من الحوار الأخير والذي قبله في رمضان الماضي، ومع ذلك لا تزال بعض المؤسسات والمنتجات تعيش خارج التطور الذي يصبو إليه الأمير في رؤيته وفكره ومنهجه.
على المؤسسات الدينية الحكومية الجمع بين الحشد ضد الأفكار المتطرفة والجماعات الإرهابية وبين القدرة ليس فقط على الهجوم وإنما في بناء أفكار معتدلة جديدة.. ثمة أجيال لم تشهد كثيراً على سجالات الإسلام السياسي، لذلك لا بد من استثمار هذه البراءة الأولى في التفكير لملئها بمعانٍ وقيم أساسها الاعتدال واحترام الثقافات والأديان والشعوب، وترسيخ قيم التشارك والتعاون أو لنسمه التسامح.
من دون الجمع بين الهدم والبناء، بين النقد والتأسيس، بين الحشد ضد الخصوم والتوعية للمجتمع، سيبقى العمل غاية في النقص، وهذا ما يجب على المؤسسات الدينية التنبه إليه.
من المفاهيم التي طرحها الأمير ملاحظته حول «الإسلام المعتدل»، حيث يقول: «مصطلح (الإسلام المعتدل) ربما يجعل المتطرفين والإرهابيين سعيدين، حيث إنها أخبار جيدة لهم إذا استخدمنا ذلك المصطلح. فإذا قلنا (الإسلام المعتدل) فإن ذلك قد يوحي أن السعودية والبلدان الأخرى يقومون بتغيير الإسلام إلى شيءٍ جديد، نحن نرجع إلى تعاليم الإسلام الحقيقية، التي عاش بها الرسول عليه الصلاة والسلام والخلفاء الأربعة الراشدون، حيث كانت مجتمعاتهم منفتحة ومسالمة، وكان عندهم مسيحيون ويهود يعيشون في تلك المجتمعات، وأرشدتنا هذه التعاليم أن نحترم جميع الثقافات والديانات بغض النظر عنها. وهذه التعاليم كانت مثالية، ونحن راجعون إلى الجذور، إلى الشيء الحقيقي. إن ما حدث هو أن المتطرفين اختطفوا الدين الإسلامي وحرفوه، بحسب مصالحهم، حيث إنهم يحاولون جعل الناس يرون الإسلام على طريقتهم، والمشكلة هي انعدام وجود من يجادلهم ويحاربهم بجدية، وبذلك سنحت لهم الفرصة في نشر هذه الآراء المتطرفة المؤدية إلى تشكيل أكثر جماعات الإرهاب تطرفاً، في كلٍّ من العالمين السني والشيعي».
هذا التصويب ضروري في الخطاب الديني؛ انتقدنا من قبل مفاهيم إخوانية غرست في الإعلام حيلة مثل «الفئة الضالة» هاربين بهذه التسمية من نعت القتلة بـ«الإرهابيين»، أو «الوسطية»، وهو مفهوم فضفاض، إذ الوسط يحدده كل إنسان بناءً على حدود الأطراف التي يؤمن بها. فأسامة بن لادن والمقدسي والظواهري وغيرهم يعتبرون أنفسهم من الوسطيين، كذلك الأمر في مقولة «التطرف المضاد» التي يشنع بها الإخوانيون ومطاياهم ضد الآخرين، وبخاصة ضد نقاد الإرهاب الشجعان الذين واجهوا الإرهاب في ذروته، لا الذين طرأوا على المشهد بعد أن رفع السياسي الغطاء عن الإخوانيين والسروريين والعنجهيين حراس الكراهية وسدنة القتل ومروجي التكفير وخريجي ثقافات الموت، آنذاك كانت المعركة الثقافية مع الإرهابيين لها كلفتها، أما اليوم فيمكن لأي شخصٍ أن ينتقدهم وهو في مأمن بسبب حسم السياسي للموقف وشجاعته في المواجهة وتنظيفه للمؤسسات.
يطرح الأمير الفذ رؤية ضرورية لا بد للخطباء والأئمة والمؤذنين والدعاة من إدراك كنهها، فالإرهابي ليس شرطاً أن يبدو شبيهاً للبغدادي بسحنته وشكله وهندامه، بل قد يظهر على هيئة أكاديمي، وبرطانة مشربة بثقافة الغرب، وبمفاهيم بعضها فلسفي، وهذا له شواهده، لذلك يقول الأمير: «تلعب جماعة الإخوان المسلمين دوراً كبيراً وضخماً في خلق كل هذا التطرف، وبعضهم يعد كجسر يودي بك إلى التطرف، وعندما تتحدث إليهم لا يبدون وكأنهم متطرفون، ولكنهم يأخذونك إلى التطرف، فعلى سبيل المثال: أسامة بن لادن والظواهري كانا من الإخوان المسلمين، وقائد تنظيم (داعش) كان من الإخوان المسلمين، ولذلك تعد جماعة الإخوان المسلمين وسيلة وعنصراً قوياً في صنع التطرف على مدى العقود الماضية، ولكنَّ الأمر لا يقتصر على جماعة الإخوان المسلمين فحسب، بل خليط من الأمور والأحداث، ليس فقط من العالم الإسلامي، بل حتى من أميركا التي بخوضها حرباً في العراق أعطت للمتطرفين فرصة سانحة، كما أن هناك بعض المتطرفين في السعودية ليسوا من جماعة الإخوان المسلمين قد لعبوا دوراً في ذلك، خصوصاً بعد قيام الثورة في إيران عام 1979، ومحاولة الاستيلاء على المسجد الحرام بمكة المكرمة».
لا بد من ترسيخ أصالة المباح في الدنيا، بعد أن شدد المتطرفون على المجتمعات فصار كل شيء محل استفتاءٍ أو توجس، غيّب الإرهابيون أصل الإباحة الدنيوية ورسخوا مفاهيم الخوف والنكوص والانعزال عن العالم وعوالمه وعلومه، وفهم ثقافاته: «يقول الأمير وهذه نقطة غاية في الأهمية: في الإسلام هناك بعض الأمور المُحرمة على المسلمين، وقد حدد الله عقوبتها، وهناك أمور أخرى لم يضع الله لها عقوبة، وهذه الأمور حسابها بينهم وبين الله، أما إذا كنت أجنبيّاً، فلا يمكن تطبيق تعاليم الإسلام عليك، فإن كنت أجنبيّاً يعيش في السعودية أو مسافراً فيها، فلك الحق في فعل ما تريد، بناءً على معتقداتك، أيّاً كانت هذه المعتقدات، ولكن وفق الأنظمة، وهذا ما حدث في زمن الرسول وزمن الخلفاء الراشدين الأربعة. فلم يُطبقوا القوانين الاجتماعية على غير المسلمين، بغض النظر عمَّا إذا كانوا مواطنين أو مسافرين عبر بلادهم».
حوار الأمير هو اختصار لفكره الكبير، ومشروعه التنموي، ويمكن للمسؤولين الاستفادة منه من جهة، والانطلاق من المبادئ والأفكار التي شرحها لتفهيم الآخرين طبيعة المشروع من جهة أخرى. وأحسب أن المؤسسات الدينية الرسمية تحتاج بشكلٍ حثيث إلى فهمٍ أعمق للحوار، لا يكفي الترديد والحشد من أجل إثبات الاندماج مع الرؤى، بل لا بد من صناعة منهج حقيقي خارج كل الصراعات التي دارت والحروب التي نشبت، لأن الجيل الذي تعوّل عليه رؤية الأمير هو الذي لم يتلوّث بعد بالآيديولوجيات، وإن لم يكن ثمة قيم مشروحة تمكنه من الانطلاق مع العالم والمجتمعات والحضارات فسيأتي من يمنعه من التطوّر ويعيقه عن الانفتاح، وهذا وجه الخطورة في حال وجد من يجهل المعنى الأسمى والمقصد الأعلى للحوار التاريخي بكل معنى الكلمة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المؤسسات الدينية وضرورة فهم حوار الأمير المؤسسات الدينية وضرورة فهم حوار الأمير



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon