توقيت القاهرة المحلي 21:08:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جيل كيبل ودعوى تراجع الأصولية

  مصر اليوم -

جيل كيبل ودعوى تراجع الأصولية

بقلم : فهد سليمان الشقيران

لا يمكن أخذ ظاهرة الإسلام السياسي بمعزلٍ عن التاريخ؛ فكرة إقامة الدولة الإسلامية ليست وليدة القرن العشرين وإنما لها جذورها، وعليه فإن مقولة «نهاية الإسلام السياسي» تقع في خطأين اثنين؛ أولهما، أن فكرة الدولة الإسلامية لدى قطاع عريض من الشبيبة المتحمسة من المسلمين اليوم لا تزال فاعلة وبوضوح في مجاميع الإنتاج الصحوي الأصولي، أو في الميادين عبر البرامج والمشاريع في الدول التي لم تحضر بها الجماعات، ولننظر إليها بشكل واضح وفاقع في الدول الأوروبية، حتى مع الإجراءات الفرنسية القوية والمهمة ضد بعض الأذرع الأصولية غير أنها لا تزال تعمل. وثاني الأخطاء، أن الإسلام السياسي ممثَّل بدول وبأحزاب موجودة في بعض الحكومات العربية مثل «حزب الله» في لبنان، و«النهضة» في تونس، وحزب إردوغان في تركيا، ولها زخمها في سوريا والعراق وليبيا، ولا تزال تقوم بأعمال عنف في مالي وفي الساحل الأفريقي، والمثال الأفظع أن الحركات الأصولية الإرهابية المارقة تقوم بأعمال عدوانية ضد السعودية كما يفعل الحوثي، فكيف يمكن لمقولة نهاية الإسلام السياسي أن تكتسب ولو قليلاً من التماسك في ظل كل هذا الحضور؟!

ويبدو أن هذا الزعم أخذ مداه لدى بعض الباحثين الغربيين مثل جيل كيبل، وأعرفه شخصياً بأنه متريث في حكمه على الظواهر والتحولات، لكنه في طرحه الأخير جنح نحو إغراء هذه المقولة؛ مقولة التراجع أو النهايات!
الأستاذ هاشم صالح لخّص لنا موقف جيل كيبل من مقولة نهاية الإسلام السياسي بعرض مفصل في هذه الجريدة لكتاب «النبي والجائحة» (دار غاليمار 2020)، وكيبل من مؤرخي الجماعات الأصولية وله تحليلاته مثل أي كاتب تتراوحها القوة والضعف، لذلك أختلف مع مقارنة الأستاذ هاشم صالح له بفولتير، أو حتى بمكسيم رودنسون، ولهذا حديث آخر.
يرى كيبل أن «الصراع السني - الشيعي فقد زخمه وتراجع إلى المواقع الخلفية، قياساً إلى صراع من نوع آخر: ذلك الجاري بين أتباع الإسلام السياسي من جهة وخصوم الإسلام السياسي من جهة أخرى»، هاشم رد عليه بأن الإرث التاريخي للصراع لا يمكن محوه، وهذا صحيح، ولكن الأهم أن الصراع المذهبي السني والشيعي في حال تصاعد كبير وذلك لسببين؛ أولهما أن الأحزاب المتطرفة من الجهتين تغذّي الصراع عبر مفاهيم سياسية كما يفعل «حزب الله» في لبنان، و«الحشد الشعبي» في العراق، فبقاء هذا الصراع يغذَّى اليوم ليس بمفاهيم دينية وتاريخية فحسب على النحو الذي ساد في التاريخ، ولكنه اليوم مدفوع بمحورٍ كامل يدعى محور الممانعة، له حضوره الطائفي الكثيف في أنحاء العالم الإسلامي؛ في إندونيسيا والقارة الهندية وإلى الشرق الأوسط. الآخر أن من يغذّي الطائفية السنية والشيعية معاً هو النظام الإيراني الذي تنوي الولايات المتحدة التفاوض معه، وربما تخفيف العقوبات مما يساعده في توسيع الدعم المالي للعمل الطائفي عبر الجمعيات الخيرية، أو الأحزاب الأصولية، لذلك فإنني لا أنفي فقط تراجع المد الطائفي، بل أؤكد ازدياده وتصاعده النوعي.
ومما ينقله هاشم صالح عن جيل كيبل: «لا يعتقدن أحد أن الإسلام السياسي يعيش الآن أجمل لحظاته، فالواقع أنه فقد شعبيته إلى حدٍّ كبير من بغداد إلى تونس. قبل عشر سنوات فقط، كان مترعرعاً مسيطراً على ما يُدعى (الربيع العربي). ولكن الثورات التي اندلعت مؤخراً في العراق ولبنان والجزائر والسودان لم تندلع باسمه أبداً قط، ولم تكن له فيها مشاركات تُذكر، على عكس ما حصل سابقاً. وهذا شيء مفرح بالنسبة لقضية التنوير العربي، وهو دليل محسوس على أنه يمكن تجاوز جماعة (الإخوان المسلمين)، وبقية جماعات الإسلام السياسي».
لا يمكن معرفة براهين وحجج كيبل على هذا النفي الجريء، الإسلام السياسي حورب في السعودية ومصر والإمارات والبحرين، لكنه متغلغل في مجالس نيابية بالخليج، وله حضوره في مراكز دراسات ومحطات فضائية يشاهدها مئات الملايين، ولهم سطوتهم في مجلس النواب بتونس، وعدم حضورهم العملي الكثيف في بعض الدول على السطح بنفس المستوى الذي كانوا عليه قبل عقدٍ من الآن لا يعني نهايتهم.
في حوارٍ مع القيادي السابق بجماعة «الجهاد» نبيل نعيم، وهو مصري شارك في اغتيال السادات، وصديق أيمن الظواهري، يقول بوضوح: «الإخوان المسلمون ما زالوا موجودين»، جيل كيبل يعد اختفاء بعض ملامحهم عن المجال العام يعني أن الظاهرة انتهت، إنهم يعملون باستراتيجية العمل السري الكامن، أو ما يسمونه العمل بأُسس «العهد المكي»، أي دبيب النملة السوداء، في الليلة الظلماء، على الصخرة الصماء.
حتى في الدول التي تحارب «الإخوان» وتجرّم جماعتهم وقامت بإجراءات عديدة تجاه التيار الأصولي، عليها الانتباه من أي ارتدادات قد تحدث بسبب فرط التفاؤل بذريعة انتهاء الظاهرة أو زوالها.
المسار الذي أخذه جيل كيبل حول مقولة نهاية الإسلام السياسي معتنَق من عددٍ من الباحثين المتفائلين. الظاهرة الأصولية ببعديها التاريخي والمعاصر لها قدرتها على البقاء بسبب وجود ظروف مهيأة منها عدم القضاء على المفاهيم والمنابع المفرِّخة للأصولية. وعن الطائفية، فإن أشرس المعارك الآن تقوم بين السنة والشيعة وتحت إشرافٍ من الأحزاب الأصولية.
ما يطرحه جيل كيبل منقوض بالواقع الذي نعيشه اليوم، لا تزال الحركة الأصولية تتمدد، هزيمتها في مصر والسعودية، وهما البلدان الأكثر تأثيراً على العالم الإسلامي، لا تعني نهاية الظاهرة من جذرها، بل علينا التريث وأخذ الحيطة، والاستمرار في تجفيف المنابع، فهذه الجماعات خبرناها وعرفناها عبر السنين، لديها القدرة على التلون، والانسحاب الجزئي، والعمل السري، باختصار علينا الحذر من التقليل انطلاقاً من تفاؤل غير مبرر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جيل كيبل ودعوى تراجع الأصولية جيل كيبل ودعوى تراجع الأصولية



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon