توقيت القاهرة المحلي 12:48:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مسائل التأزيم ومفهوم الدولة

  مصر اليوم -

مسائل التأزيم ومفهوم الدولة

بقلم : فهد سليمان الشقيران

تعبّر المرحلة عن حالها، الزلزال الذي يجري بالإقليم جدّ كبير. من الواضح أنه بلغ أقصى حدّ من الصرامة الحدّية بين الأطراف. وأرى أن الأزمات التي تعجّ بالمنطقة لها سمة التراكم والتأجيل في الحل، وآية ذلك أن الاتفاقيات بين الطوائف لم تدخل في صميم الحل، وإنما هي «هدنة مؤقتة» سرعان ما تنفجر. جرّب الأوروبيون هذه الهدن لقرون ومن ثم اندالت عليهم الحروب الأهلية بين سنةٍ وأخرى.
في الحرب الأهلية الإنجليزية كانت الدماء ترشق على نافذة فيلسوف كبير في القرن السابع عشر، وهو توماس هوبز مؤلف «اللفياثان» الذي يعتبر من متون الفلسفة السياسية الأساسية ومن مراجع العقد الاجتماعي التي تجاوب معها كل الفلاسفة من بعده، وكان من أبرز من تداخل معه في القرن العشرين الفيلسوف الأميركي جون راولز في كتابه الأساسي «العدالة كإنصاف». والقناعة المجتمعيّة لم تصل لعقد توافقي يتوجه بالمجتمع والأحزاب والطوائف نحو مفهوم الدولة، فهو المفهوم الذي ينجز كل شيء، ولا بد من الاقتناع بأن السلاح يجب أن يكون بيد الدولة فحسب، وهذا هو التفويض الذي نظّر له الفيلسوف الألماني ماكس فيبر وخلاصة قوله إن الدولة هي الوحيدة التي من حقها أن تحتكر العنف، فالسلاح جزء من الدولة وليس من حق الفرد، هنا جوهر مفهوم الدولة.
في هذه المرحلة المتصاعدة من الأحداث المكثّفة برز الحديث عن السياسة والأخلاق، وهو موضوع هوس لدى العديد من الفلاسفة والمفكرين بالغرب، وبخاصةٍ منهم ذوو التأسيس اليساري، بمعنى أن السياسة يجب أن تقاد بالأخلاق، ويستندون إلى ذلك بزلازل المنطقة الحالية، والنزاع حول الأولويتين فيهما الكثير من مضيعة الوقت وتشتيت المفاهيم.
أرى أن النقاش الذي يجب طرحه الآن هو مستوى الصراع بين السياسات الواقعية والسياسات الحالمة (مثالية- أيديولوجية)، وأحسب أن السياسة الواقعية خلال القرون الثلاثة الماضية آتت أكلها، واستفاد البشر من أثرها، ومعظم القوانين والاتفاقيات والمعاهدات بنيت على سياساتٍ واقعيةٍ براغماتيةٍ مصلحية بحتة (من دون تهميش للأخلاقية)، وهذه هي السياسة التي سطّرها في مذكراته وينستون تشرشل وقد انتصر بها على هتلر، ونظّر لها بشكلٍ مستفيض هنري كيسينجر في كتابه عن «الصين» وفي كتابه «النظام العالمي». والآن تُطرح السياسات الواقعية في المعركة الانتخابية الأميركية بوصفها هي الأساس بالنسبة لدونالد ترامب.
لو تأملنا في الإقليم والدول المأزومة، لوجدنا أن الإشكال يكمن في معنى الدولة وفهمها. من أبرز مهام الدولة المحافظة على نمط عالٍ من اتساع الطبقة الوسطى، ولهذا نماذج طرحها المفكّر الأميركي والي نصر في كتابه «صعود قوى الثروة». واستدل بنموذجين اثنين هما نموذج اليابان وكوريا الجنوبية. من دون طبقة وسطى فعّالة يكون مفهوم الدولة منقوصاً، بل ربما يحوّل الدولة إلى نمط فاشل، وهذا الذي تعيشه العديد من الدول المأزومة حالياً، والتي لم تستمع لصوت الحكمة المطروح منذ أكثر من أربعين عاماً، طرحت دول الخليج نماذج رصينة؛ بغية رفع هذا الغشاء عن زعماء الخطابة والأيديولوجيات والتصريحات، ولكن ما من مجيب.
الخلاصة، أننا أمام أفكار قديمة نراها تتهاوى ونرى الدول وهي تذوي وتذبل. من دون تأسيس مفاهيم جديّة تعتمد على المواد الأممية، والحوارات المجتمعية، والبحث عن قيادات مدنية لن تجد تلك الدول أي حلٍ لها، الأسلوب هو نصف الفكرة، والمعنى السياسي الحالي لأي دولةٍ مأزومةٍ أن تستفيد من جوارها الهانئ. الكارثة كبيرة ومتصاعدة، وخطاب الأمس متمايز عن خطاب اليوم، الشكوك حول انهيار بعض الدول المأزومة موجودة، ولكن الرهان على القول الحكيم وطرق التفاوض، والبحث عن قوارب النجاة.

نقلا عن "الاتحاد"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مسائل التأزيم ومفهوم الدولة مسائل التأزيم ومفهوم الدولة



GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 08:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon