توقيت القاهرة المحلي 04:47:26 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مسائل التأزيم ومفهوم الدولة

  مصر اليوم -

مسائل التأزيم ومفهوم الدولة

بقلم : فهد سليمان الشقيران

تعبّر المرحلة عن حالها، الزلزال الذي يجري بالإقليم جدّ كبير. من الواضح أنه بلغ أقصى حدّ من الصرامة الحدّية بين الأطراف. وأرى أن الأزمات التي تعجّ بالمنطقة لها سمة التراكم والتأجيل في الحل، وآية ذلك أن الاتفاقيات بين الطوائف لم تدخل في صميم الحل، وإنما هي «هدنة مؤقتة» سرعان ما تنفجر. جرّب الأوروبيون هذه الهدن لقرون ومن ثم اندالت عليهم الحروب الأهلية بين سنةٍ وأخرى.
في الحرب الأهلية الإنجليزية كانت الدماء ترشق على نافذة فيلسوف كبير في القرن السابع عشر، وهو توماس هوبز مؤلف «اللفياثان» الذي يعتبر من متون الفلسفة السياسية الأساسية ومن مراجع العقد الاجتماعي التي تجاوب معها كل الفلاسفة من بعده، وكان من أبرز من تداخل معه في القرن العشرين الفيلسوف الأميركي جون راولز في كتابه الأساسي «العدالة كإنصاف». والقناعة المجتمعيّة لم تصل لعقد توافقي يتوجه بالمجتمع والأحزاب والطوائف نحو مفهوم الدولة، فهو المفهوم الذي ينجز كل شيء، ولا بد من الاقتناع بأن السلاح يجب أن يكون بيد الدولة فحسب، وهذا هو التفويض الذي نظّر له الفيلسوف الألماني ماكس فيبر وخلاصة قوله إن الدولة هي الوحيدة التي من حقها أن تحتكر العنف، فالسلاح جزء من الدولة وليس من حق الفرد، هنا جوهر مفهوم الدولة.
في هذه المرحلة المتصاعدة من الأحداث المكثّفة برز الحديث عن السياسة والأخلاق، وهو موضوع هوس لدى العديد من الفلاسفة والمفكرين بالغرب، وبخاصةٍ منهم ذوو التأسيس اليساري، بمعنى أن السياسة يجب أن تقاد بالأخلاق، ويستندون إلى ذلك بزلازل المنطقة الحالية، والنزاع حول الأولويتين فيهما الكثير من مضيعة الوقت وتشتيت المفاهيم.
أرى أن النقاش الذي يجب طرحه الآن هو مستوى الصراع بين السياسات الواقعية والسياسات الحالمة (مثالية- أيديولوجية)، وأحسب أن السياسة الواقعية خلال القرون الثلاثة الماضية آتت أكلها، واستفاد البشر من أثرها، ومعظم القوانين والاتفاقيات والمعاهدات بنيت على سياساتٍ واقعيةٍ براغماتيةٍ مصلحية بحتة (من دون تهميش للأخلاقية)، وهذه هي السياسة التي سطّرها في مذكراته وينستون تشرشل وقد انتصر بها على هتلر، ونظّر لها بشكلٍ مستفيض هنري كيسينجر في كتابه عن «الصين» وفي كتابه «النظام العالمي». والآن تُطرح السياسات الواقعية في المعركة الانتخابية الأميركية بوصفها هي الأساس بالنسبة لدونالد ترامب.
لو تأملنا في الإقليم والدول المأزومة، لوجدنا أن الإشكال يكمن في معنى الدولة وفهمها. من أبرز مهام الدولة المحافظة على نمط عالٍ من اتساع الطبقة الوسطى، ولهذا نماذج طرحها المفكّر الأميركي والي نصر في كتابه «صعود قوى الثروة». واستدل بنموذجين اثنين هما نموذج اليابان وكوريا الجنوبية. من دون طبقة وسطى فعّالة يكون مفهوم الدولة منقوصاً، بل ربما يحوّل الدولة إلى نمط فاشل، وهذا الذي تعيشه العديد من الدول المأزومة حالياً، والتي لم تستمع لصوت الحكمة المطروح منذ أكثر من أربعين عاماً، طرحت دول الخليج نماذج رصينة؛ بغية رفع هذا الغشاء عن زعماء الخطابة والأيديولوجيات والتصريحات، ولكن ما من مجيب.
الخلاصة، أننا أمام أفكار قديمة نراها تتهاوى ونرى الدول وهي تذوي وتذبل. من دون تأسيس مفاهيم جديّة تعتمد على المواد الأممية، والحوارات المجتمعية، والبحث عن قيادات مدنية لن تجد تلك الدول أي حلٍ لها، الأسلوب هو نصف الفكرة، والمعنى السياسي الحالي لأي دولةٍ مأزومةٍ أن تستفيد من جوارها الهانئ. الكارثة كبيرة ومتصاعدة، وخطاب الأمس متمايز عن خطاب اليوم، الشكوك حول انهيار بعض الدول المأزومة موجودة، ولكن الرهان على القول الحكيم وطرق التفاوض، والبحث عن قوارب النجاة.

نقلا عن "الاتحاد"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مسائل التأزيم ومفهوم الدولة مسائل التأزيم ومفهوم الدولة



GMT 04:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«المسألة المصرية» فى نادى الجزيرة!

GMT 04:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«إنجاز» كيسنجر الذى يُدمر!

GMT 04:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بين الشطرنج والمراهنات

GMT 19:18 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

أمريكا والشرع.. ‎تناقض أم مصالح؟!

GMT 19:17 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

صلاح رقم 11 ومرموش 59!

GMT 06:50 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وإني لحُلوٌ تعتريني مرارةٌ

GMT 06:48 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 06:45 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon