بقلم : فهد سليمان الشقيران
كان يمكن لأحداث مزلزلة في فرنسا مثل حادثة «شارلي إيبدو» 7 يناير (كانون الثاني) 2015، وحادثة ملعب فرنسا، ومجزرة مسرح باتاكلان 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، وعملية الدهس في نيس 14 يوليو (تموز) 2016، وغيرها من عمليات إطلاق النار، أن تجعل ملف الإسلام السياسي على الطاولة في فرنسا وسواها من الدول الغربية.
بعد جريمة الطعن والنحر في نيس 29 أكتوبر (تشرين الأول) 2020، استيقظت المؤسسات السياسية الفرنسية والتشريعية وبدا متأخراً حديث الرئيس ماكرون عن الإسلام السياسي. يبدو التأخر لافتاً وسيجعل من إصلاح الخلل التاريخي المتراكم باهظ الثمن.
في 22 مايو (أيار) 2017 ضمن ملتقى «مغرّدون»، حذر الشيخ عبد الله بن زايد من التطرف والإرهاب قائلاً «ربما يخرج من المتطرفين والإرهابيين في أوروبا أكثر مما يحدث في العالم العربي. دول أوروبية حاضنة للإرهابيين، وحاضنة للتطرف، وعليها إما أن تكشف عن هذا الزيف، أو تتحمل مسؤوليتها». هكذا قالها ناصحاً لهم.
لم يكن هدف الإخوان في هجرتهم إلى أوروبا الاندماج ولا التأقلم، بل الهدف الحقيقي الذي رسمت على أساسه الخطط يتمحور في خلق ما يشبه الدولة الإسلامية في قلب أوروبا. والتغلغل بدأ مبكراً. مثلاً: سعيد رمضان السكرتير الخاص لحسن البنا أسس جمعية إسلامية بجنيف في أواخر الخمسينات.
على سبيل المثال «اتحاد المنظمات الإسلامية» الذي عدل أصحابه اسمه في 2017 إلى «اتحاد مسلمي فرنسا» وتأسس في 1983... حين تقرأ الأهداف التي كتبوها لاتحادهم تظنّ أنك أمام أعظم صرح تربوي بالعالم. مثلاً من الأهداف: «قراءة للإسلام الذي يركز على أغراض المبادئ الدينية، وهي البحث عن الانسجام والاستخدام المنتظم للنقائص، وقبول الاختلاف، والتسامح، والاعتراف بالآخر، بغض النظر عن المعتقدات. تعزيز الحوار مع مختلف الأسر الدينية في فرنسا، ومؤسسات المجتمع المدني، لتعزيز التماسك الاجتماعي. تقديم ونشر الإسلام وقيمه من الانفتاح والتسامح والأخلاق والآداب بالتساوي بين فهم متوازن وممارسة أصيلة ووسطية»!
هذا هو الغطاء المعتمد من الإخوان لجميع مشاريعهم السياسية في العالم. مئات المنظمات التي يسيطرون عليها بمسميات لها بريق حداثي، وأطروحات مخاتلة تدعي تقديم طرح ليبرالي للإسلام، وهذا ما فعله سعيد رمضان في جنيف مع الحكومة السويسرية في الخمسينات (سعيد قال للسويسريين إنه معارض لعبد الناصر فظنّوه بالضرورة مؤيداً للغرب)، وكذلك ما فعله ابنه طارق رمضان مع الفرنسيين في القرن الحادي والعشرين وسحرهم بأحاديث حول الفلسفة. بالمناسبة أطروحة طارق للدكتوراه بعنوان: «نيتشه مؤرخاً للفلسفة»!.
في ديسمبر (كانون الأول) عام 2018 طرح مركز المسبار للدراسات والبحوث في دبي كتاب: «الإسلام في فرنسا - الإخوان - الإرهاب - المعالجة»، أعتبره من المراجع المهمة للباحث عن الإسلام في فرنسا، ضم أحد عشر بحثاً.
ومما تضمنته دراسة لماهر فرغني عن مشروع الإخوان المسلمين في فرنسا يقول فيها: «عام 2005 نُشر ما يسمى بالمشروع السري لـ(الإخوان) في كتابٍ جاء تحت عنوان: (فتح الغرب المشروع السري للإسلاميين)، الذي أشار إلى أن السلطات السويسرية عثرت في منزل يوسف ندا على وثيقة جاءت تحت عنوان: (نحو استراتيجية عالمية للسياسات الإسلامية، منطلقات وعناصر ومستلزمات إجرائية مهمة)، يكشف المشروع السري ومنطلقاته الـ12، الاستراتيجية الإخوانية في أوروبا، التي تعتمد على فكر حسن البنا، وتتبنى دعم الجهاد والحركات المسلحة في العالم الإسلامي. تحدثت الاستراتيجية التي كتبها القيادي الإخواني محمد أكرم عن التكيّف الذي قام به الإخوان مع المجتمع الغربي، وأنه بمثابة مناورة تكتيكية مصممة لطمأنة الخطاب الديمقراطي، ثم السيطرة، وهو ما أوضحه محمد لويزي العضو السابق في إخوان المغرب الذي يعيش في فرنسا أن الإخوان يتبعون أسلوب نسيج العنكبوت في نشر آيديولوجيتهم في أوروبا، وإنه للقضاء على هذا العنكبوت لا بد من قطع رأسه في القاهرة، أي المرشد العام، ثم قال كاتب الوثيقة: «لا بد أن يستوعب الإخوان أن عملهم هو نوع من الجهاد العظيم في إزالة وهدم المدنية، أو الحضارة الغربية من داخلها»... يمكن شرح أنشطة الإخوان في فرنسا، وأنها تتكون من الأنموذج الذي وضعه حسن البنا وهو يتكون من (الشمول، والقدرة على التكيف والمرونة، وقابلية التطبيق)».
في بحث آخر لجاسم محمد بعنوان: «تنظيمات الإخوان والجماعات الجهادية في فرنسا» يعرف ببعض المنظمات الإخوانية في أوروبا ومنها: الجماعة الإسلامية في ألمانيا (GID) تأسست 1958 الفرع الألماني لـ«الإخوان» المسلمين في أوروبا الذي أسسه سعيد رمضان 1985 يرأسها الألماني مصري الأصل إبراهيم الزيات. ورابطة مسلمي بلجيكا (LMB) تأسست 1997. ورابطة المجتمع المسلم في هولندا (ETN) تأسست 1996. والرابطة الإسلامية في بريطانيا (AMB) أسسها كمال الهلباوي 1997. واتحاد الهيئات والجاليات الإسلامية في إيطاليا (Ucoii) تأسست 1990.
هذه طريقة عمل الإسلام السياسي في الغرب، لذلك يقوم تباعاً عدد من الدول الأوروبية بتجريم الإسلام السياسي، وتصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية. وقصة «حزب الله» في أوروبا لها موضوع لا يقل خطورة وتغلغلاً.
التجربة الفرنسية المريرة مع أعمال العنف النوعية طوال السنوات السبع إن أخذت إجراءات استثنائية تجاه الإسلام السياسي (ومنه حزب الله) فهي قطب الرحى، ستؤثر كثيراً على سلوك دول أخرى لم تنتبه لفحيح الأفاعي على أرضها. إن الحرب السعودية والإماراتية والمصرية المبكرة على التنظيم نموذج أساسي يمكن استفادة الغربيين منه. المسألة لا تتعلق بمعارضة أو استبداد أو حريات، إنها تتعلق باختصار بحماية الأمن القومي... حتى لا يعود قاتل نيس إلى شوارع أوروبا من جديد. آن أوان الحسم لكل هذا الخطر الكبير.