توقيت القاهرة المحلي 02:08:05 آخر تحديث
الثلاثاء 29 نيسان / أبريل 2025
  مصر اليوم -
أخبار عاجلة

التقدم التقني وعودة سؤال الحداثة

  مصر اليوم -

التقدم التقني وعودة سؤال الحداثة

بقلم : فهد سليمان الشقيران

يعاد في هذه الأيام النقاش حول الحداثة وعلاقاتها بالدين والمجتمع، وبخاصةٍ في ظلّ الأسئلة التي يفرضها التطوّر العلمي والتقني وبلغ ذروته مع الذكاء الاصطناعي.

والحقّ أن الحداثة لم تكن منذ انعكاسها الأول خارج الهواجس والتهم العميقة، وذلك باعتبارها معادية للدين بالنسبة للبعض، هذه الفكرة رسمت الموقف البسيط مع المنتج الحداثي، الفني، والفلسفي، والمعرفي، والتقني. وضعت الحداثة بإزاء الدين، باعتبارها ستحلّ محله، أو ستقوّض بنيانه، أو ستهدم قيمه. انتقل العداء للحداثة من العامي الوعظي ليحولها بعض دارسي الفلسفة إلى منهاجٍ مفهومي، باسم الدهرانية، أو العلمانية الشاملة، أو الداروينية الاجتماعية. بينما الحداثة لم تبثّ يوماً لظاهرتها تعريفاً يتفق عليه الجميع، فهي تشمل كل الرحلة الأوروبية الطويلة منذ القرن السادس عشر، وحتى عصور الأنوار، وزلازل كوبرنيكوس وغاليليو والثورة الفرنسية، وصولاً إلى فتوحات الفلاسفة في نظرية المعرفة، فالحداثة بمعناها العام هي قصة تحولات الإنسان نحو اكتشاف ذاته وعلاقاته بالعالم. واكتشاف موقعه من الأشياء لا يعني العدوان عليها، ومن ذلك فهم الدين، ولا يمكن اعتبار تلك الرحلة مقتصرة فقط على جانبٍ محدد يتعلق بالحرية، أو الانشقاق عن هيمنة الكنيسة، بل الرحلة أشمل وأعم.

ومن المفارقات أن الحداثة بتحولاتها وصرعاتها المتصلة بتطور العلوم الإنسانية، ومن ثم توسع المشروع البعدي منها ضمن انتقالاتٍ من الكليات إلى الجزئيات، ومن المتن إلى الهامش، ومن الصرح إلى الزاوية ومن الإنسان إلى ظلّه، اتهمت بكونها حالة مسيحية، وذلك من قبل منتقدي الحداثة في القرن العشرين منذ نيتشه وهيدغر وحتى ليوتار وباديو وفوكو وبارت ودلوز. واعتبرت نظريات كانط وهيغل مجموعة تنويعات عقلانية على المسيحية كما يكتب نيتشه، ويعتبر فوكو أن مهمة الفلسفة «الإفلات من قبضة هيغل».

مثلاً يتساءل هشام جعيط عن مفهوم الحداثة: «هل هي كلٌ وبنيان مرصوص، أم هي شذرات وبؤر، علم، اقتصاد رأسمالي، صناعة، تنظيم سياسي، فيما أن الواقع الإنساني في الحقيقة بحر لا ساحل له، يضم ألف عنصر من العناصر، وفيما أن الزمان متراكب؟! لكنه يخلص بمفهوم أشمل: وخلاصته: «أن الحداثة أسسها في الأول العلم الطبيعي بوصفه الأمر الأكثر تجدداً وله الأهمية القصوى... فالعلم جد وليس بالهزل، وهو الطريقة النموذجية التي أوصلت الإنسانية لمعرفة كل شيء في العالم تقريباً بعد قرونٍ من المجهودات المضنية».

الخلاصة، أن الحداثة ليست أيديولوجيا بديلة، ولا تحمل معها لاهوتاً للبشرية، وإنما هي رحلة مستمرة بدأها الإنسان لتجويد طريقة رؤيته للأشياء، مع الإصرار على التعلم والاكتشاف اليومي لمفاهيم جديدة، مع قابلية أبدية لتغيير الرؤى النموذجية، تلك أنجح الوسائل لتأقلم الإنسان مع هذا الكون، ولا داعي للتوجّس من منتجات الحداثة على كافة المستويات، بل إن من الحكمة الانتقاء منها والبناء على نتائجها وفتوحاتها المعرفية، وأن ندرس كل جديدها بقوّة وشجاعة.

*كاتب سعودي

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التقدم التقني وعودة سؤال الحداثة التقدم التقني وعودة سؤال الحداثة



GMT 04:52 2025 الإثنين ,28 إبريل / نيسان

عودة إلى الفردوس المفقود: سوق العبودية

GMT 04:51 2025 الإثنين ,28 إبريل / نيسان

إيران... واقعية ما بعد «الطوفان»

GMT 04:49 2025 الإثنين ,28 إبريل / نيسان

«تجليّات» رامي مخلوف

GMT 04:48 2025 الإثنين ,28 إبريل / نيسان

ثقافة ما تحت الدولة

GMT 04:47 2025 الإثنين ,28 إبريل / نيسان

المشرق... السيادة والرهانات على الدولة الوطنية

GMT 04:46 2025 الإثنين ,28 إبريل / نيسان

عباس بين معضلة الانقسام وتعقيدات التسوية

GMT 04:44 2025 الإثنين ,28 إبريل / نيسان

سناء جميل خارج الخريطة!!

GMT 04:42 2025 الإثنين ,28 إبريل / نيسان

الأوقافُ والأزهرُ فى وداع البابا «فرنسيس»

ميريام فارس تتألق بإطلالات ربيعية مبهجة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 13:43 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 04:18 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على أبرز الأعمال الدرامية التي عُرضت خلال عام٢٠١٩

GMT 04:54 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

سيارة كهربائية خارقة جديدة من دودج بمدى سير يتجاوز 500 كم

GMT 03:09 2021 الثلاثاء ,06 إبريل / نيسان

تحصيل 135 ألف جنيه مستحقات 3 عمال مصريين في جدة

GMT 19:29 2021 الأحد ,21 آذار/ مارس

مؤشر سوق مسقط يغلق منخفضًا بنسبة 0.52%

GMT 09:15 2021 الخميس ,04 آذار/ مارس

احتفالية خاصة لشيكابالا قبل مواجهة الترجي

GMT 04:06 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حادث مروع لغروجان يتسبب في توقف سباق البحرين

GMT 22:39 2020 الثلاثاء ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

مريض نفسيا يمزق والدته وشقيقته ويصيب زوجها في حدائق الأهرام

GMT 11:18 2020 الجمعة ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

النفط ينزل بفعل ارتفاع إصابات كورونا

GMT 00:31 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

بارتوميو يكشف أنه لم يفكر في الاستقالة من رئاسة برشلونة

GMT 10:02 2020 الخميس ,08 تشرين الأول / أكتوبر

فرنسا تقسو على أوكرانيا وديا بسباعية

GMT 16:46 2020 الأربعاء ,07 تشرين الأول / أكتوبر

ساوثجيت يجرب الوجوه الجديدة في مواجهة ويلز

GMT 19:37 2020 الأربعاء ,30 أيلول / سبتمبر

ألمانيا تسجل 1798 إصابة جديدة بكورونا و17 وفاة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon