توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

خلافات فلسفية خلاّقة

  مصر اليوم -

خلافات فلسفية خلاّقة

بقلم : فهد سليمان الشقيران

عبر التاريخ استفادت العلوم الإنسانية من ورش الصراعات السياسية، وأثرت الحروب والثورات وتشظّياتها بإنتاج مذاهب متفرّعة متجاوزة.
وإذا خصصنا الحديث عن الفلسفة، فإن الواقع له أثره في تثوير التيارات المتضاربة، وشهد تاريخها صراعاتٍ مريرة وصلت حد العته بالهجوم الشخصي المتبادل بين فلاسفة كبار؛ مثل خلاف شبنهور وهيغل، والأخير المسؤول عن لجنة الامتحان خلفاً لفيخته، واختلفا بشكلٍ عنيف حتى وصف شبنهور هيغل بـ«المشعوذ» وبأوصاف أخرى تنظر بمقدمة كتابه «نقد الفلسفة الكانطية».
ساحات النقاش بكل أشكالها تسهم حتى من دون ترتيب في إنتاجٍ مختلف، وحين تخاصم طويلاً «دريدا» و«هابرماس»، لم يلتقيا إلا بعد لأي، وأثمر اللقاء عن كتابٍ مشترك حول «الفلسفة والإرهاب» بمبادرة من الباحثة جيوفانا بورادوري.

لم يكن الفيلسوف الفرنسي والرئيس السابق لقسم الفلسفة في المدرسة العليا للأساتذة «آلان باديو» على وفاقٍ مع الفيلسوف الفرنسي «جيل دلوز»، والسبب ألخصّه من روايته. لقد شهدت فترة الستينيات انتشار «المراهقة السارترية» و «لاكان جاك»، وهو المحلل النفسي الفرنسي، والمنطق الرياضي. و«جيل دلوز» لم يكن متصلاً بمرجعيات تلك الموجة، انشغل بأفلاطون، و«ديفيد هيوم« و«نيتشه»، و«هنري برغسون»، بينما «باديو» لديه مراجعه أفلاطون، هيغل، والفيلسوف الألماني إدموند هوسرل. وبالنسبة لباديو، فإن «دلوز»، كان ذوقه أميل إلى حساب التفاضل، كان ينهل منها الاستعارات. وباديو يرى في «دلوز» الملهم الفلسفي لظاهرة «الفوضويين» العدوَ اللدود، ثم يفصح عن تأسيسه لعصابة هجوم على درسه الأشهر في المنابر الجامعية آنذاك، إنها قصّة خلاف منهجي طويلة، انتهت أوائل التسعينيات من القرن العشرين.
حين تواصل «باديو» مع «دلوز»، وذلك بعد وفاة زميله «غيتاري»، طالباً منه البدء بتراسلٍ مستمر، هدفه تسليط الضوء على «دقة الوضوح، أو تميّزه المبهم» لتدوين كتابٍ حول فلسفة «دلوز» التي عاد إليها «باديو» بعد مقاومة لها امتدت لثلاثة عقود، لقد جاء إليه متأخراً إذ داهمته حينها حالة مرضية، ومزاجه ليس على ما يرام، وبعد عددٍ من الرسائل بينهما مزّق الورق كله وبشكلٍ فظ وأرسل بغضب: «لا أريد نشر هذه الأوراق»… عاد باديو إلى مقرّه ليدوّن كتابه «دلوز صخب الكينونة»، وضمّن مقدمة الكتاب هذه القصة المختصرة.

لقد جاء الكتاب كما يروي باديو «نتيجة صداقة صراعيّة بقيت، بمعنى معين، من قبيل الممتنع أن يحدث».
والكتاب يشبه «دلوز» أكثر من «باديو»، متجاوزاً للمنهج التسلسلي؛ كل فصلٍ منه هو قصيدة أو لوحة أو رسمة لمفهوم يتخيّله، يتناول بشاعرية فلسفية «مفهوم الواحد، تواطؤ الكينونة، الجدلية المضادة، مسار الحدس، في أساسٍ يعاود تفكّره، العود الأبدي والاتفاق، الخارج والطيّة، ومفهوم الطيّة»، المفهوم الذي سبب عودة باديو لدلوز؛ يصفه بابن القرن العشرين على الإطلاق. التفكير فرقٌ وتعرّف إلى الفروق. الأنطولوجيا تتطابق مع تواطؤ الكينونة. الأثر الذي لا يقوم على تراتبية هو تكثّف تكيانات، وتآينُ أحداث. منهج دلوز يرفض الاستناد إلى التوسيطات، منهج مضاد للجدلية".
تلك السجالات الأبدية أو الطارئة تحدث زخماً علمياً، ولكن الساحة العربية اليوم تفتقر لمناخات مماثلة من السجال الحيوي، وإن بَعُد مدى الاختلاف، لكنه ينتج تفجرات متعددة لتحفر مساراتٍ جديدة.
 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خلافات فلسفية خلاّقة خلافات فلسفية خلاّقة



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon