توقيت القاهرة المحلي 04:47:26 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ذكريات الحروب وآثارها الكارثية

  مصر اليوم -

ذكريات الحروب وآثارها الكارثية

بقلم : فهد سليمان الشقيران

تؤثر الحروب في تشكيل معاصريها على كل المستويات، بل وتحكّ وشوماً على جدار الذاكرة القاسية، والممارسات المروّعة، على سبيل المثال الذين عاصروا الحرب الأهليّة في لبنان لايفضّلون سماع أغاني فيروز، لأنها تذكّرهم بالملاجئ، واجترار الذاكرة الدامية. الآن تتصاعد لغة الحرب والسلاح، وهذه الحقبة ستشكّل جيلاً من الحانقين الغاضبين، وعليه فإن فهم معنى الحرب بوصفه مفهوماً له تصدّعاته وآثاره بات ضرورياً أكثر من أي وقتٍ مضى، وهذا ما أودّ التركيز عليه هنا.

وللدخول لصلب مفهوم الحرب لابد من العودة إلى «بول فيريليو»، حيث حواره الذي ترجمه محمد الحنشي ونشرتْه مجلة «حكمة»، وفيه يعلق على مقولة هيراقليطس: «الحرب أم كل الأشياء» قائلاً:«هذا ما عشته، إنها صدمة لا أريد فرضها على أحد، لكن، للأسف، القرن العشرون، قرن تنعدم فيه الشفقة، إنه قرن الحرب الشاملة. إن الحرب دائمة. فهي ليست مولدة للتاريخ كما يقال، بل إنها دائمة، ليست دائمة في وقوعها من خلال المعارك، بل في الاستعداد لها. إنها كانت دائماً في الاشتغال، منذ اختراع البواخر الأولى: المراكب الرومانية القديمة ذات الثلاثة صفوف من المجاديف أو السفن الشراعية، التي لم تكن بواخر تجارية، بل بواخر حربية - كما برهن على ذلك بروديل (1902-1985)- كانت تستعمل، أحياناً، لأغراض تجارية. ولا يمكن أن نتكلم عن العلم أو الصناعة التقليدية أو الاختراعات الصناعية أو أنماط الإنتاج دون الحديث عن أنماط الدمار والتحضير للحرب المقبلة. وما يهمني، هو ما أسميه بالحرب الخالصة، أي الاستعداد للحرب أكثر من الإعلان عليها. ما يهمني، هو ميل الحرب إلى التطور عبر المعرفة».

لقد ارتبطت الحرب بتغيّر وتحوّل - ليس جغرافياً فحسب - وإنما في دفع النظريات الكبرى نحو التركيب والتأقلم مع البشرية، كما في الحروب الأهلية الأوروبية والأميركية والروسية والآسيوية، وآخر تشكّل عوالم فكرية وحضارية جديدة متجاوزة ما حدث من تحوّل أممي نظري بعد الحربين العالميتين. ارتبطت النظرية بالحرب منذ بواكير ما وصل إلينا من تنظير الإنسان.

كما أن الحرب جزء من حركة التاريخ، ومن التقاء الأضداد، لا بد أن ينجرف مسار على آخر، ولكن ما لم تتوصل البشرية إليه رغم كل التنظير المديد عن نظرية الحرب وفلسفاتها هو التحديد المتفق عليه لتعريف الحرب المشروعة، وآية ذلك أن السجال الأخلاقي بين المحللين والمنظّرين ينشب على طرفي نقيضٍ مع كل موجة حرب تستجد.

الخلاصة، أن الحروب التي نشهدها الآن لها مثلها وأضعافها في حقب تاريخية سالفة، ولكن الفرق في مشهدية الحرب بسبب التطوّر التقني وتلاقي الصورة مع الحدث، بعضهم يعتقد أن البشرية ازدادت وحشية، وهذا قول غير دقيق، بل إن نزعات الإنسان كما هي، ولكن كانت الحروب بدائية وتقليدية، وأضحت الآن أكثر دقة وأقدر على الإيلام بسب التفوّق العلمي والتكنولوجي والعسكري.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذكريات الحروب وآثارها الكارثية ذكريات الحروب وآثارها الكارثية



GMT 04:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«المسألة المصرية» فى نادى الجزيرة!

GMT 04:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«إنجاز» كيسنجر الذى يُدمر!

GMT 04:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بين الشطرنج والمراهنات

GMT 19:18 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

أمريكا والشرع.. ‎تناقض أم مصالح؟!

GMT 19:17 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

صلاح رقم 11 ومرموش 59!

GMT 06:50 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وإني لحُلوٌ تعتريني مرارةٌ

GMT 06:48 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 06:45 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon