بقلم : فهد سليمان الشقيران
الأسئلة التي أشعلها الفيلسوف تشارلز تايلور في كتابه «عصر علماني» الصادر عام 2007 لا تزال موضع نقاشٍ بين الباحثين، وآية ذلك أن الكتب التي تتناول مفهوم العلمانية وعلاقاته وارتباطاته تترى. وأطروحة تايلور غير اعتيادية، بسبب إخضاعه المقولات التقليدية حول المفهوم العلماني للفحص والسؤال. وحسناً فعل كل من عقيل بلغرامي وعبيدة عامر، حين عملا على طبع مجموعة من الأبحاث المهمة تحت عنوان «ما وراء الغرب العلماني». نواة الكتاب تخلقت ضمن اجتماعات امتدت لسنواتٍ ثلاث بين الباحثين داخل جامعة كولومبيا وفي خلواتٍ دورية في بلدة تاريتاون القريبة منها في نيويورك، ووافقت جامعة كولومبيا على طبعها في مؤلف واحد مع منشورات حول موضوعات العلمانية والتسامح، كما ذكر بلغرامي في تقديم الكتاب.
يرى تايلور أن من الخطأ أن يجادل البعض بأن العلمانية مقولة قديمة ضمن الثقافة المسيحية، وبما أن الإسلام لا يحوي مقولة مطابقة تضم هذه الأفكار حول الفصل بين الكنيسة والدولة فإنه لا يمكن تبني المجتمعات المسلمة أنظمة علمانية، وحل هذه المشكلة بنظره في الإحاطة بهذا المصطلح وبعلاقاته لدراسته بطريقة مثمرة أكثر، من دون التطرف في قراءة العلمانية بوصفها مجرد مقولة تطورت داخل العالم المسيحي، كما أن ارتباط العلمانية بالإصلاح الديني لا يعني حصرها في الغرب، وإنما مهمة نزع السحر عن العالم غير محصورة بحضارة، بل تشمل الصين والهند وأفريقيا والشرق الأوسط.
حول الصوفي والدولة، يكتب سليمان بشير ديان، الفيلسوف السنغالي، وخلص في أطروحته إلى أن «هدف المشايخ الصوفيين في اتباع مسار التوفيق قد تحقق، السنغال اليوم دولة علمانية، لكنها مكان إسلامي، أكثر من 90 في المائة من جاليتها مسلمون، و90 في المائة من المسلمين يعلنون أنهم ينتمون إلى طريقة أو أخرى من الطرق الصوفية، مع قلة قليلة تعرف نفسها على أنها مسلمة فقط، من دون انتماء صوفي».
بينما الباحث السوداني، عبد الله أحمد النعيم، حلل نموذج التحرر الذاتي والجمعي عند محمود محمد طه، وخلاصة رأيه أن «الدولة يجب أن تنفصل مؤسساتياً عن الإسلام، بينما عليها الاعتراف بالصلة التي لا يمكن فكها بين الإسلام والسياسة وتنظيمها».
بينما ألفريد ستيبان عالم السياسة الأميركي، فبحثه عن خلق تسامحات متبادلة ومتوافقة خارج العالم المسيحي اللاتيني ديمقراطياً، والنموذج تونس، وبه رسخ مقولته إن «تاريخ تونس الصالح، والذي يدعو إليه كل من ناشطيها الإسلاميين والعلمانيين الديمقراطيين على السواء هو فترة منتصف القرن التاسع عشر التي تضمنت إصلاحاً دستورياً، ودولة محايدة دينياً».
كلاوديو لومنيتز، كتب حول العلمانية والثورة المكسيكية، وفي رأيه: «فعلى الرغم من الفصل بين الكنيسة والدولة بقيت المكسيك منطقة مسحورة، بقدر ما بقيت فيها المفاهيم الليبرالية عن الذات المستقلة نماذج مثالية، ومهمة فقط لقطاعٍ واحد من المجتمع السياسي».
هل الكونفوشيوسية علمانية؟! سؤال قارب الإجابة عنه بيتر فان دير فير، ونتيجته أن «التوتر المفهومي بين الدين والسحر هو الذي يوفر معظم الدينامية في المحاولات الصينية لإنتاج عصر علماني».
تأجيل نزع السحر عن العالم، عنوان مبحث سوديبتا كافيراج، ركزت فيه على مقولة ماكس فيبر حول المهمة الأعلى «نزع السحر» وتوظيف تايلور، الذي يعتبر تلك المهمة تجعل عصرنا أقل تمسكاً بالخرافة.
راجيف بهار جافا، بحثه امتداد لكتاباته حول العلمانية الهندية، يقول: «ثمة أسباب لتعاملنا مع شعوب الهند القديمة على أنهم أسلافنا الثقافيون، بطريقة مشابهة لنظرة الأوروبيين غير الحساسة إلى اليونانيين على أنهم أسلافهم، وهذا له تبعاته على الكيفية التي ننظر بها إلى الهندوسية».
تلك ملامح من الأبحاث التي فجّرها كتاب تايلور، ورغم تعدد التحليلات، وتنوع المنطلقات، فإن الجامع بينها بالنتيجة والمحاججة أن العلمانية - وإن كانت من المقولات التي تخلقت بمناخات الاحتجاج على الكنيسة في المجتمعات المسيحية ضمن حركات الإصلاح الديني - ليست نموذجاً خاصاً بالغرب، ولكل نموذج من تطبيقاتها شكله ومناخه وأسلوبه، تلك أهم مقولة بالكتاب.
من مقولات تايلور: «يستطيع الجميع أن يوافق على أن واحداً من أكبر الاختلافات بيننا وبين أسلافنا قبل خمسمائة عام أنهم عاشوا في عالم مسحور، ونحن لا نعيش فيه، أو على الأقل فإن عالمنا أقل سحراً بكثير. يمكن أن نفكر في هذا وقد أضعنا عدداً من الاعتقادات والممارسات التي كانت ممكنة في زمانهم... نحن أصبحنا حديثين بسبب خروجنا من الخرافة».