توقيت القاهرة المحلي 22:02:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مسؤولية تطوير الخطاب

  مصر اليوم -

مسؤولية تطوير الخطاب

بقلم : فهد سليمان الشقيران

في وقت تتطور فيه جميع المؤسسات، انسجاماً مع الرؤية السياسية الشجاعة في السعودية، يبدو بعضها غير قادر على الدخول ضمن ذلك التحول. خطبة تداولها المجتمع على نطاقٍ واسع تناولت عمل المرأة بطريقة مهينة.. لم تحترم الخطبة تطور عقول المجتمع، ولم يستوعب الخطيب نهاية حقبة كاملة وطي آثارها والعمل على محو وسحق وتدمير آيديولوجيتها. لا يمكن للخطاب الديني أن يتطور من دون تجديد القائمين على المنصات من أئمة وخطباء أقل ما يوصفون به أنهم غاية في الجمود، بل أقول عنهم جهالاً لأن مثل هذه الخطابات معادية لقواعد الشريعة وكلياتها، وهي تخالف عمل النبي (صلى الله عليه وسلم) وسنته في هدي الخطبة وأدبياتها.
والخطاب الديني الذي أتيح له المجال أن يعبث بعقول المجتمع سنيناً من الدهر، في آخر المطاف نمطه مسيّس لم يرق إلى الإبداع داخل المجال الفقهي والأصولي والمقاصدي، ولا توجد رغم سيل الثرثرة والزعيق والصريخ طوال 50 سنة أي أثر فقهي إبداعي لخطاب الإسلام السياسي، يمكن مقارنته بما أفاء به فقهاء أجلاء على مر التاريخ، مثل القرافي والجويني والشاطبي. ومن يجيد التجديد الفقهي هم خارج نطاق الإسلام السياسي وأدواته.
أدمن أولئك الشعور بالمظلومية، والقلق من تصرفات الساسة، والتوجس من سلوك الحكومات. لذلك تأسست أدبياتهم ضمن قلوب وجلة من الدنيا، تخاف من التطور والعصرنة، تأنف من الآخر، وتغتبط بالذات. إن الخطاب الذي تأسست عليه أدبياتهم هو «خطاب أزمة» ولد وترعرع ضمن أحلام إعادة الخلافة، أو مواجهة الاستعمار، أو آيديولوجيا الكفاح، وليس انتهاء بجعل قضية فلسطين مدخل أي تنمية وطنية داخلية، لذلك بات صوت الخطو نحو المستقبل يثير الهلع، ويجعلهم يباشرون تفخيخ الأجساد وضغط الزناد.
لم تدرس المؤسسات طبيعة الإسهام الذي تبتغيه في المجال العام. المبادئ العامة والأسس الدينية والأبعاد التربوية والأخلاقية هي الأهم بالنسبة لمجتمعنا الذي شبع من القصف بالخطابات السياسية طوال نصف قرن مضى. لا أعرف سبباً واحداً للعجز عن الدخول بالخطاب الديني ضمن التحول المجتمعي الذي قطع شوطاً كبيراً. لم تعد «الرؤية» مجرد خطة تنموية، وإنما يمكن التعامل معها ضمن المفاهيم الاجتماعية والسياسية والثقافية وأن تأخذ تطبيقاتها بشكلٍ إيجابي حتى على مستوى المؤسسات المسؤولة عن الخطاب الديني. أعلم أن الجهد المبذول من وزير الشؤون الإسلامية كبير ومعروف، ولكن البناء والإرث الذي على عاتقه يحتم عليه التركيز بشكل أكثر كثافة على الجوامع ومنصات النصح وإطلاق الكلمات والمحاضرات والدروس والندوات.
لا خوف على الدين من أي تطور أو تحديث، حتى في ذروة العلمنة الأوروبية والثورة ضد الكنيسة بقي الدين حاضراً، وله أثره، إنما ضمن مجالٍ يمنع المتداخل معه من ابتذاله.
لذلك يكتب يورغن هابرماس، وهو من أكثر المتداخلين حول الدين وعلاقاته في المجال العام بأوروبا خاصة: «إن الدين لم يذبل تحت ضغوط التحديث، على أهمية تطوير موقف ما بعد علماني، ومدخل يأخذ بالحسبان الحيوية العالمية المتواصلة للدين، ويركز على أهمية ترجمة الاستبصارات الأخلاقية التي أتت بها التقاليد الدينية، مع الاهتمام بدمجها في منظور فلسفي... إن الممارسات الدينية والمنظورات تبقى مصادر أساسية للقيم التي تمد بالحياة أخلاقيات المواطنة المتعددة الثقافات، وهي تفرض التضامن والاحترام المتبادل معاً».
وعليه، فإن كلام المرجفين المحذرين من عواقب التطور إنما يخفي في باطنه التكفير المكثف وإنما من دون التصريح به. الفكرة أن خسارة مواقعهم التي احتلوها ردحاً من الزمن لن تكون من دون ردة فعل حتى ضمن تنظيمات كامنة تعتمد على الخلايا الصغيرة، والشِفرات التي يتداولونها بالتطبيقات التواصلية، والأوامر التي يتلقونها بطرقهم من دولٍ معادية. ردود الفعل لا تأتي فقط على هيئة عمليات انتحارية، أو اغتيالاتٍ وتفجيرات، وإنما الأخطر أن تظل تحت الأرض تنتظر ساعة الانقضاض، وما هذا الخطيب بفعلته هذه إلا زعقة فاضحة للتنظيمات الساكتة الكامنة، ونحن نعلمهم ونعلم طرقهم ومسالكهم، لكن الأهمية أن تعالج هذه الأمور بطرق ووسائل تنظيمية حاسمة تجعل ارتقاء المنبر الديني له شروطه الصارمة، ولمن يخالفها العواقب الوخيمة.. هذه هي المسألة باختصار.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مسؤولية تطوير الخطاب مسؤولية تطوير الخطاب



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon