توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الانسحاب الأميركي وفكرة ترويض «طالبان»

  مصر اليوم -

الانسحاب الأميركي وفكرة ترويض «طالبان»

بقلم : فهد سليمان الشقيران

تعتبر الحرب الأميركية في أفغانستان من أكثر الحروب صعوبة وأشدها إنهاكاً. أكثر من ثلاثة آلاف قتيل، وعشرين ألف جريح، والتكلفة المادية ناهزت السبعمائة مليار دولار، ولذلك يعود الحديث الأميركي عن الانسحاب مع حدثٍ وآخر. والحديث عن الانسحاب الأميركي مضى عليه أكثر من عقدٍ من الزمان، وما كانت تصريحات الرئيس ترمب ووزير الخارجية بومبيو وليدة اليوم، وإنما العمل عليه قد بدأ فعلياً منذ عام 2009. بيد أن الانسحاب لن يكون سهلاً، إذ لا بد من تأمين هذه الأرض من عدم تحولها مجدداً إلى قاعدة للعمل الإرهابي، هذا بدوره يتطلب فهم معضلة «طالبان» ومدى واقعية إبرام اتفاقٍ ممكن وجدي بينها وبين الحكومة الأفغانية.
مارك ميلي رئيس الأركان الحالي للجيش الأميركي قال قبل أيام: «أعتقد أن سحب القوات مبكراً سيكون خطأً استراتيجياً، إن الحرب ستنتهي عبر تسوية مع (طالبان) وهناك تقدم نحو هذا الشأن، يأتي هذا مع تصريحاتٍ تقول إن «الولايات المتحدة و(طالبان) تقتربان من إبرام اتفاق يتوقع أن يركز على تعهد أميركي بسحب القوات مقابل تعهد الحركة بعدم السماح باستخدام أفغانستان قاعدة للإرهاب»، وذلك بحسب وكالة «رويترز».
في دراسة مشتركة قدمها كل من سيث جونز، الأستاذ المساعد في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز، وكيث كرين الأستاذ في كلية باردي راند للدراسات العليا، تحت عنوان «أفغانستان بعد الانسحاب» وبخلاصتها «إن أي قرارٍ أميركي بسحب جميع القوات العسكرية الأميركية المتبقية من المنطقة من شأنه إذكاء نار التنافس بين القوى الإقليمية في المجال الأمني، ويكاد يكون من المؤكد توجه القوى الخارجية إلى تقديم الدعم والمساندة للاعبين فاعلين مختلفين، مما يؤدي إلى تفاقم الصراعات والنزاعات عرقية كانت أو غيرها، في أفغانستان، وعلى وجه التحديد فالتنافس بين الهند وباكستان، آخذ بالتصاعد بالفعل، في هذا البلد، والمسؤولون الهنود، باتوا يعربون صراحة عن مخاوفهم من تحول أفغانستان، إلى قاعدة للجماعات الإرهابية المناوئة للهند في حال حققت (طالبان) تقدماً في ساحة المعركة، وكرد فعل، ربما رفعت الهند مستوى الدعم الذي تقدمه عادة لـ(سماسرة السلطة) في أفغانستان من الأوزبك والطاجيك، بل حتى البشتون».
من المرجح أن عملية الانسحاب الأميركي من أفغانستان لن تتم من دون إجراء تفاهمات مع القوى المصارعة، والأخرى القلقة، ذلك أن الفعالية الإرهابية لا تزال في تطور مستمر، وحركة «طالبان» التي تفاوضها الولايات المتحدة إما مباشرة أو عبر وسطاء ليس بوارد تحوّلها إلى حزب مدني، أو تيار سياسي معارض للحكومة بشكلٍ سلمي، بل إن الحركة تمارس إرهاباً بشعاً بإدخالها العنصر النسائي في تنفيذ العمليات الإرهابية لأول مرة، حين فجّرت امرأة شحنة ناسفة خارج مستشفى في باكستان أسفرت عن سقوط تسعة قتلى وأكثر من ثلاثين جريحاً، وأعلنت «طالبان» مسؤوليتها. اليوم تستخدم «طالبان» المرأة لتنفيذ العمل الانتحاري بعد أن كانت ترفضه مخالفة حليفها الاستراتيجي تنظيم «القاعدة».
إن حديث الانسحاب الأميركي منح «طالبان» فرصة بعث عقيدتها القتالية مجدداً، هذا أمر حكى عنه البرفسور والي نصر الأكاديمي الأميركي، والذي عمل مع ريتشارد هولبروك في الخارجية الأميركية زمن إدارة أوباما، يعتبر الحوار مع «طالبان» لا يمكن أن يتم إلا في ظلّ وجود عدد كبير جداً من القوات الأميركية في أفغانستان، ولا يمكن لاتفاقٍ متين وجدير بالالتزام أن يتم و«طالبان» تعلم أننا مغادرون! يقول: «كانت الحقائق على الأرض مثل الثقوب في ثوب النصر المهلهل تعلن صراحة أنه لم يكن نصراً حتى لو أعلنه أوباما بنفسه. انتقلنا فعلياً من فكرة (قاتل وتحاور في نفس الوقت) إلى فكرة (تُحاور وأنت تغادر)، وهذا ما لا يتوقع منه أن ينتج أي مخرجاتٍ إيجابية على الإطلاق، لم يدر في خلد «طالبان» أننا كنا في طريق الانتصار بل العكس، كانوا يظنّون أنهم (هم) من يحقق الانتصار، والدليل أن القوات الأميركية ستنسحب حتى قبل أن تتأكد من إبرام اتفاقٍ مع (طالبان)». لذلك فإن: «ريتشارد هولبروك، من أنصار الاندفاع والزخم المضاف إلى حملة أفغانستان، لكنه آمن بأن الرئيس يمكن له أن يحقق الحلول الدبلوماسية لو استخدم الاستعراض للقوة العسكرية في أبهى صورها، لكن هذا لم يحصل وفشل الرئيس أوباما في تحقيق تقدم دبلوماسي ثم أعلن موعد الانسحاب من أفغانستان. وبذلك فقد الفاعلية التي يمكن أن تستخدم الوجود العسكري في خدمة الأغراض الدبلوماسية».
من الصعب التعويل على اتفاقٍ ممكن وفعلي ونافذ لترويض وحشية «طالبان». من المثير للسخرية أن تعجز الحرب الممتدة منذ ثمانية عشر عاماً عن سحق واجتثاث حركة «طالبان»، بالطبع ليست المسألة بهذه السهولة بسبب تعقيد التركيبة الاجتماعية والعرقية والقبلية، ولكن أن ينتهي المطاف برفع سقف التوقعات مع تنظيم «طالبان»، إنما يعني النكوص أو منح «طالبان» فرصة الزهو بكسب انتصارٍ عبثي أساسه التلويح المستمر بالانسحاب من أفغانستان، ولن يسفر الحوار معها عن تقدم في مجال مكافحة الإرهاب، أو ضمان عدم استهداف المدنيين والحكومات الأخرى المحيطة، وهذه تقديرات تشرحها ظروف الاتفاق المزمع الآن. من المستبعد نجاح أي فرصة لمنع «طالبان» من القيام بعمل إرهابي، ومن المستحيل تحويلها إلى تيار سياسي يكتفي بالعمل السلمي، والمعارضة السياسية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الانسحاب الأميركي وفكرة ترويض «طالبان» الانسحاب الأميركي وفكرة ترويض «طالبان»



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon