بقلم : فهد سليمان الشقيران
عرضت قناتا «العربية» و«الحدث» صوراً حديثة لمخيم الهول؛ التغطية التي أجادتها سارة بن عيشوبة، بشكل جادّ ومتفرد وحصري وبعمق أبعد التغطية عن السطحية والاستسهال، تزامنت مع تصريحات أميركية تعبر عن المخاوف الجدية المصحوبة بتقديرات أمنية واستخبارية باحتمال عودة احتدام نشاط تنظيم «داعش».
نساء وأطفال يؤشرون على رقابهم؛ إشارة لرغبتهم في القتال. استعباد ما بعده استعباد من قِبل التنظيم المتطرف. وهذا السلوك له تاريخه عبر العصور.
أعادني هذا الحدث المستجدّ لكتاب جادّ ورصين ولم أرَ له ما يماثله في الدراسات والبحوث من إصدار «مركز المسبار للدراسات والبحوث»، بعنوان «العبودية المعاصرة لدى التنظيمات الإرهابية في العراق وسوريا»، صدر في يناير (كانون الثاني) عام 2017، أي في عز حيوية التنظيم وحركته.
وبحسب هيئة التحرير في تسبيبها لتأليف الكتاب، فالهدف منه درس الأصول التاريخية للعبودية، وانتشارها في الحضارات كافة. وبقدر ما تشير الأبحاث - هنا - إلى الأبعاد الاقتصادية التي تديم العبودية، فإنها تتناول أيضاً الأبعاد الاجتماعية والتبريرات الدينية التي تدفع البعض لاستعباد الآخرين.
وآية ذلك أن العبودية تنشط بشكل ملحوظ في مناطق النزاعات المسلّحة، لذلك كان لا بد للكتاب من رصد العلاقة بين الحرب والعبودية، وهي علاقة قديمة قدم التاريخ؛ إذ كانت الحروب المصدر الأساسي للحصول على عبيد منذ القِدم، وعندما أراد الإسلام إلغاء العبوديّة، وجد أن رسوخ العادة عميق بحيث لم يُقفل باب الاسترقاق في الحروب.
ويمكن استعراض ملخص بحوث الكتاب في هذه السطور.
تسعى ورقة الباحث العراقي خضر كلو علي دوملي إلى تسليط الضوء على الخلفية التاريخية لتعرض الإيزيديين للهجمات وسبي نسائهم في مراحل تاريخية سابقة، وصولاً إلى ما قام به «داعش» في 2014. وتستند الورقة إلى شهادات من ناجيات وبعض التصريحات والفتاوى والتقارير الدولية التي تتناول هذه القضية، التي أصبحت شأناً دولياً، يستمر العمل عليه؛ لأن مأساة الإيزيديين مستمرة باستمرار «داعش» في الاحتفاظ بأكثر من ثلاثة آلاف امرأة وطفل وطفلة ورجل، كسبايا وجوارٍ وعبيد.
الواقع الحالي للمنطقة، وتردي العلاقات بين مجتمعاتها، سيستمر إذا لم يتم وضع حد لموضوع حساس ومهم ومؤثر كهذا، وخصوصاً أن هناك فرصة للإصلاح والتخلص من الاستعباد الجنسي الذي يضيف بعداً غير حضاري على المجتمعات، مما يتطلب مواجهته بجرأة للتخلص منه نهائياً.
يلفت الكاتب السوري رضوان زيادة إلى أن الاتجار بالبشر (Human trafficking) ينشط - غالباً - في مناطق النزاعات المسلحة، كما هي الحال الآن في كل من سوريا والعراق. ومع ازدياد حضور وسطوة الجماعات المسلحة، وخصوصاً تنظيم «داعش» ازدادت التقارير التي تتحدث عن الاتجار بالبشر، أو إجبار النساء على ممارسة الجنس، وخصوصاً تقارير المبعوث الأممي الخاص بمحاربة هذا النوع من التجارة.
ويؤكد زيادة أن الفقر المدقع والعنف يؤديان في بعض العائلات إلى إجبار النساء والفتيات على ممارسة الدعارة، كما أن النساء والفتيات غالباً ما يصبحن ضحايا الاتجار من خلال الزيجات المدبرة القسرية، أو الموقتة. كما أن العمال الأجانب أصبحوا - على نحو متزايد - عرضة لخطر الاتجار بهم من وإلى العراق، وخصوصاً في إقليم كردستان، حيث أنتج التوسع الاقتصادي سوقاً للعمالة الأجنبية. في الختام يقدم زيادة جملة من التوصيات للتعامل مع القضية في الدول المعنية بالدراسة.
بينما أجرت عضو هيئة التحرير في «مركز المسبار» ريتا فرج، قراءة في كتاب صدر بالفرنسية تحت عنوان (La Jeune Fille qui a Vaincu Daech: L’histoire de Farida) (الفتاة الشابة التي هزمت داعش: قصة فريدة) (Hugo Doc,2016): فريدة خلف (Farida khalaf) وأندريا هوفمان (Andrea Hoffmann).
تروي فريدة خلف (فتاة إيزيدية كانت من بين الفتيات اللاتي اختُطفن من قِبل داعش إثر الهجوم الذي تعرضت له قريتها) تجربتها المؤلمة بصيغة «الأنا» عبر قلم الصحفية والكاتبة الألمانية أندريا هوفمان، التي اعتمدت أسلوباً جعل من صاحبة الشهادة كأنها هي مَن دوّنت قصتها الرهيبة. وُضع الكتاب أساساً بالألمانية، ونُقل إلى 11 لغة؛ من بينها الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، وجاء في تسعة فصول، وُزعت على النحو الآتي: «عالمنا كما كان سابقاً»، و«آخر صيف جميل»، و«الكارثة»، و«سوق العبيد في الرقة»، و«في الغرفة السوداء»، و«قرب الجزار»، و«في المخيم العسكري»، و«الخروج من الجحيم»، و«لا ملجأ لا جهة».
ترى فرج أن استخدام «العنف الجنسي» ضد النساء شكّل إحدى الوسائل الأكثر خطورة في تاريخ النزاعات المسلحة والحروب العالمية والأهلية. تتعامل الذاكرة التاريخية الجمعية - غالباً - مع هذه الانتهاكات عبر كبْتها، والعمل على وصم الناجيات بالعار وهنّ الضحايا، لا سيما في المجتمعات البطريركية، حيث تواجه «المرأة الناجية» عقبتين بعد توقف طبول الحرب؛ الأولى الإدانة اللاواعية من قِبل الجماعة التي تنتمي إليها، فتصبح منبوذة داخل عائلاتها والمجتمع المحلي، والثانية إهمال الاحتياجات الصحية والنفسية التي تُعدّ الأسلوب الأنجع للخروج من ترسُّبات الصدمة، خصوصاً في حالات الاغتصاب المتكرر.
يرى رئيس هيئة النزاهة العراقية السابق رحيم حسن العكيلي، أن القانون العراقي ما زال خالياً من نص صريح يجرِّم العبودية والممارسات الشبيهة بالرق، إنما نصَّ قانون العقوبات العراقي النافذ على عدّ جرائم (الاتجار بالنساء وبالصغار أو بالرقيق) من جرائم الاختصاص الشامل، التي يسري عليها قانون العقوبات العراقي، ولو ارتُكبت بالخارج، ولم تكن لهذا النص قيمة واقعية إلى أن صدر قانون الاتجار بالبشر عام 2012. ولم يصادق العراق على نظام المحكمة الجنائية الدولية، وهو لا يجرِّم - حالياً - الجرائم الدولية (الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب) على الرغم من أنه جرَّمها للفترة بين 1968 و2003.
الخلاصة أن العبودية يبدو عنفها الصراح مع اشتداد النزاعات والحروب الأهلية، وخصوصاً في الشرق؛ والتنظيمات الإرهابية استغلّت التراث القديم حول الحكم، والثغرات القانونية في كثير من الدول، ولله في خلقه شؤون.