توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سياسات حرية التعبير بين أوباما وماسك

  مصر اليوم -

سياسات حرية التعبير بين أوباما وماسك

بقلم : فهد سليمان الشقيران

آخر من يتوقع منه شنّ الهجوم الضاري على تطبيقات «السوشيال ميديا» هو الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما. وصل إلى سدّة الرئاسة مستفيداً من تلك الموجة حين كانت في ذروتها. يأتي تصريح الرئيس الأميركي وسط تحوّلات تشهدها تلك المنصات، في «تويتر»، ثمة ملاحقات جماعية ضد المؤيدين لهجوم بوتين على أوكرانيا، وهذه فتحت النقاش حول مستوى الحريات ودعاوى الرأي الحر، وإيلون ماسك قبض على «تويتر» من جذره واشتراه، ليكون مالكه الوحيد والمهيمن عليه ويسبب الأستاذ ممدوح المهيني هذه الخطوة بأن «الحرب بين ماسك وملّاك (تويتر) ليست فقط متعلقة بالمال والتحكم، ولكن بسبب الصراعات وحرية الأفكار، وهي نقطة الضعف التي عرف ماسك كيف يستغلها ويوظفها لصالحه، والدليل ملايين المناصرين له داخل المنصة نفسها الباحثين عن إصلاحها وإنقاذها من نفسها. (تويتر) ربحت سياسياً وآيديولوجياً، ولكنها بالتأكيد خسرت جزءاً كبيراً من سمعتها كمنصة تستقبل مختلف الآراء ومختلف الشخصيات حتى لو كانت صاخبة وجدلية، وهذا هو السبب الذي جعل الكثيرين يرون في ماسك الرجل المخلّص والمنقذ من هذه السلطة الاستبدادية في فضاء (السوشيال ميديا)». يتفق مع المهيني الأستاذ عبد الله الردادي الذي يرى أن «أبرز ما يريد ماسك تغييره في (تويتر) هو زيادة مساحة حرية التعبير. فقد صرّح بأن (تويتر) فشلت في الالتزام بمبادئ حرية التعبير، وأن (تويتر) منصة يجب أن تزيد هامش الحرية أكثر مما هي عليه اليوم». كما اقترح أن «يُوقَف من يخالف قوانين (تويتر) بشكل مؤقت، بدلاً من إلغاء حسابه بشكل دائم».
بشراء ماسك لـ«تويتر»، وهي الصفقة التي هزت العالم، تدخل صناعة التقنية نحو مرحلة أخرى أكثر جدلية؛ النقاش حول الحريات وسياسات الخصوصية وحدود التعبير ستكون حديث المتخصصين بالميديا في الشهور المقبلة؛ فالحرية بطبيعتها جدلية في حدودها وآمادها وسياسات ضبطها.
خلاصة انتقاد أوباما أمام طلاب في جامعة ستانفورد في سيليكون فالي بكاليفورنيا كالآتي «المنصّات الكبرى للتواصل الاجتماعي ضخّمت (أسوأ غرائز الإنسانية) إلى حدّ كبير، رغم أنني لم أكن لأنتخب لولا هذه الشبكات، ومن دون مواقع مثل (ماي سبيس) و(فيسبوك). إنه عمل مفيد ما يقوم به الشباب في تلك المنصات لناحية التوعية والتعبئة اللتين يقوم بهما ناشطون في كل أنحاء العالم عبر الشبكات الاجتماعية». إنّ «أحد الأسباب الرئيسية لضعف الديمقراطيات هو التغيير العميق في طُرقنا للتواصل والاطّلاع». «لسوء الحظ، أنّ المحتوى المثير للفتن وللاستقطاب هو الذي يجذب الانتباه ويشجع على مشاركة المستخدمين». لا بد من إصلاح القوانين التي تحكم شبكات التواصل الاجتماعي لتصبح أكثر مسؤولية وشفافية، فالمشكلة في قلب المعلومات المضللة ليست «ما ينشره الناس»، بقدر ما هي «المحتوى الذي تروّج له هذه المنصات». «الخوارزميات يجب أن تخضع لفحوص أمنية من جانب هيئة تنظيمية، على غرار السيارات والمواد الغذائية والمنتجات الاستهلاكية الأخرى. يجب أن تُوجّه ضبط المحتوى مثل تعزيز الديمقراطية واحترام الاختلافات. الأدوات لا تتحكم فينا. نحن يمكننا التحكّم فيها». هذا هو ملخص انتقاد أوباما للمنصات الاجتماعية.
لكن السؤال، هل فعلاً هذه المنصات سببت تراجع الديمقراطية في العالم؟!
يجيب عن هذا السؤال ريتشارد بيلدس، في مقالة بعنوان «السر وراء تداعي الكثير من الديمقراطيات» نشرت في «نيويورك تايمز». يقول «ويعكس الانقسام السياسي الذي يضرب الآن جميع الديمقراطيات الغربية تقريباً استياءً عميقاً من قدرة الأحزاب والحكومات التقليدية على تقديم سياسات فاعلة. ومع ذلك، فإن هذا التشرذم يجعل الأمر أكثر صعوبة على الحكومات للقيام بذلك. وبذلك، يبدو بايدن محقاً في قوله «يجب على الديمقراطيات معرفة كيفية التغلب على قوى الانقسام لتظهر مرة أخرى أنها تستطيع تقديم حكومة فاعلة»، ومن خلال القنوات التلفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبح باستطاعة أعضاء الكونغرس الأفراد العثور على جمهور داعم لهم. ومن خلال جمع الأموال عبر الإنترنت (خاصة التبرعات الصغيرة)، يمكن للسياسيين (وخاصة من المتطرفين) أن يصبحوا آلات فعالة لجمع الأموال بمفردهم».
إن انتقاد أوباما لـ«السوشيال ميديا» قيمته أنه درج على لسانه هو، لقد لعب الديمقراطيون دوراً مرعباً من أجل شلّ ألسنة الخصوم ومحاولة التأثير على المنصات التواصلية لأغراضٍ سياسية بحتة، وهذا لا يتفق مع مفهوم الحرية أولاً ولا مع قيم الديمقراطية ثانياً.
إن مفهوم الحرية الذي يتنازع على حدوده خط أوباما ورأي ماسك لا يمكن تحديده بطريقة جامعة مانعة؛ فالحرية مفهوم له تطبيقاته مثل غيره من المفاهيم الأخرى، ويتبع البيئة التي يدار بها، والقانون الذي يبوبه وينظّمه. والشكوى التي رفعها أوباما بوجه «السوشيال ميديا»، تواجهها مرافعة ماسك الذي ينتقد حذف حسابات الرئيس الأميركي وغيره من المؤثرين في السياسة. وباسم الحرية تلك تم الافتراء ليس على الأميركيين المختلف معهم من قِبل الديمقراطيين واليسار، وإنما مع الأنظمة التي تتمايز عن أميركا في أساليب الإدارة والحكم. الإدانات ضد السعودية قبل إكمال المحاكمات كانت تملأ الإعلام الأميركي كله باسم حرية التعبير، مع أن هذا القول يعبّر عن نقص في فهم معايير حدود حرية التعبير؛ إذ لا يحق لأي كان أن يدين شخصاً عبر «السوشيال ميديا» بارتكاب أي جرم قبل إكمال إجراء المحاكمات.
في عرضٍ قديم لفلسفة جون لوك، كتبتُ في هذه الجريدة «إن لوك صاغ الفردانية بصيغٍ ضابطة لها، فلا يكون الإنسان مكتملاً في إنسانيته إلا إذا كان حراً ومستقلاً عن إرادة الآخر، ومن ثم يسعى الإنسان الحر إلى تحقيق مصلحته الخاصة، والفرد ليس مديناً بشخصه وبملكياته الذاتية للمجتمع، وليس من حقّه أيضاً أن يتنازل عن شخصه مفرقاً بين التنازل عن الشخص والتنازل عن العمل، ويقرر أن المجتمع هو مجموع علاقات السوق، كما أن حرية الفرد وإنسانيته تحد بالالتزامات والقواعد الضرورية التي تضمن للجميع الحرية والاستقلالية. هذه صياغة لوك للفردانية حسب تأويل مايكفرسون». والأستاذ العروي يعتبر الحرية في اللغات الأوروبية كانت عادية لدى الغربيين في القرن التاسع عشر، والمفهوم كان بديهياً إلى حد أنه لا يحتاج في الغالب إلى تعريف. لكن من المؤكد أن تعريف الحرية لا يعني تحديدها، وبرهان ذلك هذا النقاش الحامي الذي يجري بالعالم حول حدود ضبط المحتوى في «السوشيال ميديا»، ومدى صوابية هذه السياسة في التعبير على هذا التطبيق أو ذاك، والأيام حبلى بنتائج قد تكون مدوّية تصب في هذا القلق القانوني والسياسي لمعاني «حرية التعبير».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سياسات حرية التعبير بين أوباما وماسك سياسات حرية التعبير بين أوباما وماسك



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon