توقيت القاهرة المحلي 05:05:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أحاديث التطرف بين ابن بجاد وحسن المصطفى

  مصر اليوم -

أحاديث التطرف بين ابن بجاد وحسن المصطفى

بقلم : فهد سليمان الشقيران

كل تحوّل في السعودية ينعكس على العالم الإسلامي، والمرحلة التي نعيشها الآن ممهورة بالمنعطفات الكبرى، شكلت حرب الخليج محطة أساسية في تصدع التيارات وإعادة التشكل لتياراتٍ أخرى، إذ حدث آنذاك صعودان؛ الأول: للتيار الصحوي المتفرع عن جماعة «الإخوان المسلمين»، وكانت له سطوته وحدته في الخليج، والثاني: تطور التيارات الشيوعية وأمشاجها لتصل إلى نقطة التقاء مع التيار العلماني في الخليج، وكان السجال بين التيارين حامياً، ولكن للظروف السياسية والاجتماعية لم تحسم المعركة.
بقي السياسي المشغول بحرب تحرير الكويت غافلاً عن سطوة الإسلاميين، أجّل المعركة مع الصحويين حتى تضع الحرب أوزارها، ولكن كان ثمن تأجيل معالجة تطور الفكر الصحوي وتغلغله بالمجتمع باهظاً، وندفع ثمنه إلى اليوم، كما أن الفكرة لدى السياسي تقول إنني في حالة حرب ولستُ مستعداً لفتح جبهة داخلية قد تنذر بأمورٍ لا تحمد عقباها. ولكن هذه الفكرة منقوضة من أساسها لأنها تنطلق من افتراضٍ خاطئ مفاده: أن المجتمع مغتبط بالصحوة، وأنه خاضع لها ومرتاح إليها، هذه قناعة أثبت التاريخ أنها خاطئة، وآية ذلك أننا الآن شهدنا معالجة السياسي لمشكلة التطرف ونفوذ الصحوة وسط ترحيب اجتماعي عارم.
أصر باستمرار على أن حوار الأمير محمد بن سلمان مع «ذا أتلانتيك» لم يُقرأ ويحلل بالشكل الكافي من قِبل المفكرين والمهتمين، فقد وضع حدوداً واضحة للحاضر والمستقبل، ووضع تسبيباً لصعود بعض الأفكار. «إن دولتنا قائمة على الإسلام، وعلى الثقافة القبلية، وثقافة المنطقة، وثقافة البلدة، والثقافة العربية، والثقافة السعودية، وعلى معتقداتها، وهذه هي روحنا، وإذا تخلصنا منها، فإن هذا الأمر يعني أن البلد سينهار»، يقول الأمير محمد، وهنا يفرق بين العقيدة وبين الآيديولوجيا. يضيف الأمير: «تلعب جماعة (الإخوان المسلمين) دوراً كبيراً وضخماً في خلق كل هذا التطرف، وبعضهم يعد كجسر يودي بك إلى التطرف، وعندما تتحدث إليهم لا يبدون وكأنهم متطرفون، ولكنهم يأخذونك إلى التطرف، فعلى سبيل المثال: أسامة بن لادن والظواهري كانا من (الإخوان المسلمين)، وقائد تنظيم (داعش) كان من (الإخوان المسلمين)، ولذلك تعد جماعة (الإخوان المسلمين) وسيلة وعنصراً قوياً في صنع التطرف على مدى العقود الماضية، ولكن الأمر لا يقتصر على جماعة (الإخوان المسلمين) فحسب، بل خليط من الأمور والأحداث، ليس فقط من العالم الإسلامي».
من المثير تأكيد الأمير على العلاقة بين الفكرة والحدث، هذه أساسية من أجل فهم تاريخ السعودية والخليج مع نشوء جميع التيارات، سواء منها الشيوعية أو القومية، وليس انتهاءً بالتيارات الصحوية. «خليط من الأمور والأحداث» هي التي جعلت سخونة المنطقة تصهر العديد من التيارات لتجعلها في إناءٍ واحد، ومن ذلك ما حصل من تخادم بين التيارات الصحوية السنية، والأخرى الشيعية.
تلك المرحلة مرت بحالة من التحول بدأت بواكيرها منذ أواخر التسعينات الميلادية، وأخذت تتصاعد بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، رحلة التحولات الفكرية أخذت وقتها المقبول من أجل أن تؤتي ثمارها. وليس من الخطأ استعادة التجارب في الحوارات واللقاءات، بل إن في ذلك تذكيراً للمجتمع والأجيال الصاعدة بالذي كان عليه المجتمع قبل خوض رحلة التحول تلك. لقد اطلع الناس قبل أيامٍ على تجربتين في التطرف؛ أولاهما سنية للأستاذ عبد الله بن بجاد العتيبي، والأخرى شيعية للأستاذ حسن المصطفى.
الرحلتان محفوفتان بالمخاطر، ابن بجاد الذي بدأت تجربته مع «أهل الحديث»، في نجد، وحسن المصطفى الذي بدأ مع تيار «خط الإمام» في القطيف، خلاصة هاتين التجربتين يمكن اختصارها في النقاط التالية:
* إن المناخ الذي عزز التطرف لدى المجتمعين السني والشيعي متشابه، فمن الثورة الإيرانية، إلى الحرب العراقية الإيرانية، ثم حرب تحرير الكويت، كلها عززت من ذروات التصعيد الفكري لدى الاتجاهين، فالحدث الواحد أنتج نموذجين، ودفع نحو مشروعين، وهذه الفكرة مهمة حتى من الجانب السياسي، إذ يمكن للأحداث المتصاعدة أن تدعم شتى التطرفات، ولذلك لا يمكن أن يقضى على التطرف إلا بوجود أفكار مبنية على أسس تنقض قبلياً الفكرة الإرهابية، وليس بعدياً. إن بناء الأفكار السليمة حول الهوية والمواطنة وسيادة القانون والعلاقة بالآخر هي التي تمنع من نفاذ الفكرة إلى العقول، وفي هذا لو حدث توفير للوقت والجهد الأمني، فالحدث كما يخلق أسئلته كما يتأمل الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا، فإنه يخلق معه طفراته الموضوعية والفكرية، ولهذا نماذج مشهودة في تاريخ الخليج.
* من النتائج الضرورية أن العلاقة بين «التطرفات» ليست محكومة بالعداء دوماً، بل تدار على أسس من «التخادم»، كما حدث بين جماعة «الإخوان» والثورة الإيرانية، بقي قادة «الإخوان» مشدوهين بالحدث الإيراني، معتبرينه قارب النجاة للجماعة، وقد عبروا من خلال هذا الجسر الثوري الإيراني للبلدان في العالم الإسلامي ونفذوا إليه. آخر ما يفكر فيه قادة الإسلام السياسي السني والشيعي الموضوع المذهبي، لذلك عين قادة سنة في حزب «الدعوة» الشيعي، وبقيت الثورة الإيرانية وفية لجماعة «الإخوان»، وكتب ابن لادن قصيدة في تفجيرات الخبر التي نفذها «الحرس الثوري» الإيراني، بل وصف الخميني بـ«العظيم»، كما تدعم إيران قادة «القاعدة»، وتحرس حركة «حماس»، وتسهل دروب الإرهابيين في جميع أنحاء العالم.
* ونخلص من التجربتين، أن غرس العداوة مع السياسي «الكافر» والمجتمع «الجاهل» الذي يتراوح حكمه بين التجهيل والتكفير مهمة المهمات، وهذه النزعة توضح مستوى الاستئصال لدى هذه التيارات بشتى تنوعها، حينها يتم الاستثمار بهذه القناعات الثورية من قبل أنظمة قريبة وبعيدة، كما أورد حسن المصطفى، شهادته على أن ثمة استخداماً مؤسساً من قبل النظام الإيراني أو السوري آنذاك لأولئك الشباب بغية تحقيق أهداف معينة على الدولة السعودية، وبناءً على ذلك، فإن ما يسميه عبد الله بن بجاد «صناعة السخط» التي تبناها سيد قطب ليست مقتصرة على الأصوليين الدينيين فحسب، بل صنع السخط غيرهم من أدعياء المطالبة بما يسمونها «الحقوق» أو سواها، التي بلغت ذروتها في العقد الأول من الألفية.
خلاصة القول، إن هاتين التجربتين، تلخصان معاناة مجتمعٍ بأكمله، كان رهيناً لهذا التطرف الشرس، سياط من الجنون الأصولي رزح ظهور الناس من الطائفتين السنية والشيعية في السعودية، وفقد المجتمع السعودي بكل طوائفه مئات الشباب اليافعين بسبب الانفلات الفكري، والتوظيف الدولي لهم ضمن مشاريع كارثية. إنني أؤيد رواية هذه التجارب وتكرارها على مسامع المجتمع حتى مع كل هذا التطور العظيم في البلاد، لينصت الناس لقصص تكون هي النذير لمن يظن أن زمن التطرف لا يزال مواتياً، ولئلا نكون من الذين قال الله فيهم: «أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أحاديث التطرف بين ابن بجاد وحسن المصطفى أحاديث التطرف بين ابن بجاد وحسن المصطفى



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات

GMT 20:08 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة تصدر 9 قرارات تهم المصريين "إجازات وتعويضات"

GMT 08:01 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

عرض فيلم "الفلوس" لتامر حسني أول تشرين الثاني

GMT 08:44 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

إنجي علي تفاجئ فنانا شهيرا بـ قُبلة أمام زوجته
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon