توقيت القاهرة المحلي 08:32:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تعريفات الفلسفة وتحولاتها

  مصر اليوم -

تعريفات الفلسفة وتحولاتها

بقلم : فهد سليمان الشقيران

بقدر ما تحمل الفلسفة تعريفاتها الدقيقة، بقدر ما تحمل ممانعة ضد التعريف. إذ لكل فيلسوفٍ تعريفه لها، طبقاً للرؤية التي يتخذها، أو المسار الذي يسلكه، أو المنتج الذي يعمل عليه. ثمة تعريفات للفلسفات... لكن «الفلسفة» بقيت فضاءً ممتداً لا يمكنها أن تحتكر ضمن حدّ، أو توضع ضمن قصد، أو تحصر ضمن تأويلٍ أو انفجار نظري واحد. من هنا يكون لبعض الفلاسفة أوصافهم عن الفلسفة، على النحو الذي يصف فيه نيتشه الفيلسوف بأنه «حامل المطرقة»، أو أنها السبيل نحو «السخرية»، بينما يعتبرها جيل دلوز محاربة «للغباء»، وفوكو يصف وظيفة الفيلسوف بأنه محارب من دون هوادة «للحماقة». كل تلك الشطحات أو التوصيفات الشذرية للفلسفة، أو التعميمات اللحظية لها تنبثق من لحظة الرؤية الدقيقة لما في الواقع؛ ذلك أن العالم بعد الحربين العالميتين، والثورة الصناعية، أصبح أكثر غربة، وبات الإنسان ضحية «الاغتراب» الكارثي على الرغم من كل فتوحات التقنية؛ إذ يمكنك أن تلفّ العالم بجهازك الكفي لكنك «الغريب» بداخله بكل ما للكلمة من معنى.
ما يجري بالعالم من مذابح ومجازر، أو صراعات وحروب تصل إلى حد التهام الأكباد، وضرب الرؤوس، وقطع الأمعاء، وقتل الأجنّة مثير للسخرية الكبرى في هذا القرن الذي كان الكل يأمل أن يكون قرناً حقيقياً تسوده العدالة والسلم والرخاء والازدهار. لكن على العكس؛ إذ ما نراه من حروبٍ أهلية في الشرق الأوسط وأفريقيا أمر مفجع للغاية. إذ تتسمّر لوهلة ثم تتساءل: ماذا يفعل هؤلاء بالعالم؟ وما قيمة ما أنتجه الإنسان من نظرياتٍ وتعريفاتٍ وتوصيفاتٍ إذا كانت الحروب والدماء تسيل كما كانت تسيل منذ الإنسان القديم، ومنذ العصور الغابرة؟!
كل هذه الحماقات التي يرتكبها الإنسان تبرهن على أن الكثير مما يجري في هذا العالم مثير للسخرية، ثمة اندفاع نحو العنصرية وانتشار للكآبة، وتفشٍ للأمراض الخطرة، ونضوب في المياه، وجفاف في المناخ، وتضخم بالسكان، وازدياد بالفقر، واحتباس في المناخ، كل تلك الكوارث ليست من صنيعة الكائنات الأخرى على الكواكب من حولنا، بل من صميم صنع الإنسان وفعله. لهذا ربما حاول الإنسان «أنسنة» كل شيء، لكن من دون أن يؤنسن نفسه. بات الأسير الأكبر لـ«الاغتراب» عن الطبيعة التي لم يبد وفياً معها، ولم يتعامل معها بإخلاص وجدية، ولم يعر الموضوعات الأخلاقية أي اهتمام. هناك أوضاع مزرية تُمارس بعد كل القرون التي مضت من النظريات والمفاهيم والموضوعات التي تحاول أن تعالج «الحماقة» أو «الغباء».
ثم تكتمل الحماقة، ويتصاعد الغباء من خلال ما اعتبره هيدغر «الوجود الزائف»؛ إذ تتعمد المجاميع البشرية «التواطؤ» للغيبوبة ضمن «الوجود الزائف» ضمن «الأشياء» والجموع، و«القيل والقال» على حد وصف هيدغر أيضاً. هناك تجهيل وتواطؤ على تجريب الجهل والانغماس التام في «شيئية» مقرفة. تتبعها حال نسيان للذات والكينونة والمصير والمعنى... هناك زحف كبير وتنافس ضخم على التفاهة والحماقة والغباء.
الوجود الزائف حيث السقم بالتفاهة والأشياء، والغرق بزيف «الهم» أو «الجموع»، ويا له من وجود يبعث على «الغثيان»، على حد تعبير سارتر.
ربما تكون وظيفة الفلسفة الآن - التي تتحوّل دائماً - شبيهة بوظيفة الصوفي العارف، الذي تضيق عبارته كلما اتسعت رؤيته «النفّري» وربما كانت متعة نصّية... يلوذ الإنسان بالنص للاغتسال من درن الواقع، وربما كانت علاجاً وترياقاً وعزاءً للإنسان في ظلّ هذا الموج من الدماء والأشلاء، وربما تكون صاقلة للكينونة بحيث تجعل الفرد ضمن الوجود الحقيقي، وجود الإدراك للمعنى والتمسك بالسخرية والغضب، كما تتمسك الفلسفة بوظيفتها الأصلية منذ الإغريق «مخاطبة الغموض» وربما كان الفيلسوف حامل رؤية، لكن من دون تبشير؛ إذ يكتفي بالانزواء وراء الظلمة، ليكون جمهوره الوحيد هو «ظلّه» - على حد تعبير الماغوط - ليعيش بين صداقة الكلمات، وبين صور الشعر الملهمة، على وقع صوت الموسيقى الأصيلة... يأتي صوتها المطمْئن من بعيد، وربما كانت وظيفة الفلسفة أيضاً حالة من «الإنصات للوجود» كما يكتب هيدغر.

كتب بودريار قبل رحيله 2007 «لا أدري ماذا سيحلّ بهذا العالم».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تعريفات الفلسفة وتحولاتها تعريفات الفلسفة وتحولاتها



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon